جهاد ناصر تكتب:
تعتبر تنشئة الطفل من اهم المقاييس التي يقاس بها تطور المجتمع وتقدمه حيث ان الاهتمام بالطفولة هو في حد ذاته اهتمام بمستقبل المجتمع . لقد كان شغف المصريين بحب الاطفال دفعهم الي الحرص علي الانجاب بل والتبكير بالزواج حتي يتمكن من تربية اطفاله قبل الشيخوخة وفي ذلك يقول الحكيم المصري بتاح حتب لابنه " يا بني: اتخذ لنفسك زوجا وانت صغير حتي تنجب لك طفلا فإن انت اولدتها اياه في شبابك امكنك أن تقوم علي تنشئته حتي يغدو رجلا أن السعيد من كثر اهله وعياله فالكل يوقرونه من اجل ابنائه " ومن ذلك يتضح ان الاكثار من الاولاد انما كان هدفا يبتغونه ويسعون اليه ويعملون علي تحقيقه ولم يكن ذلك فقط لإشباع غرائز الابوة والامومة انما كان لذلك ايضا دوافع اجتماعية ودينية فالطفل في مصر لم يكن عبئا علي اسرته وانما كان عونا لهم حيث الزراعة التي تحتاج للأيدي العاملة وهكذا رحب المصريون بالذرية واعتبروها نعمه من الله وقد شجعت البيئة المصرية علي ذلك دون خشية العوز المدقع .
و لقد كان المصري يفرح اذا بشر بالولد بعكس البنت ربما ذلك يرجع الي تكوين المصري فالولد يحمل اسم ابيه ويساعده علي عمله ويتولى دفنه ورغم ذلك فلم يكره المجتمع المصري الأنثى بل كان يرحب بها واطلق عليها من الالقاب ما يشير الي فرحه بقدومها مثل "nwb k3" نوب كا اي دهبية النفس وكذلك الأبنة الحبيبة " سات مريب ".
كما حرص المصريين القدماء علي التنبؤ بمستقبل ابنائهم فكانوا يلجاؤن الي ما يعرف بالحتحورات السبع بغرض التنبؤ بمصير المولود بل ونوع الموت المقدر له .
وعلي اي حال اهتم القوم كثيرا بتربية اطفالهم بخاصة وان مرحلة الطفولة هي اول مراحل الحياة واجدرها بالرعاية وهو اكثر ما يكون استعدادا لتلقي ما ينبغي له من مبادئ السلوك تنقش في صدره ففي هذه المرحلة يجب ان يقرف بين ما هو حسن وقبيح بين ما يجوز ومالا يجوز وهي مسئولية الام التي ترعي اطفالها جسدا وروحا قلبا وعقلا وهي التي ترعي صحته وتلقنه اللغة الاولي وتداعبه وتعابثه بألفاظ الحب والرحمة والحنان وتظل هكذا 3سنوات تعمل خلالها ان يجتاز تلك المرحلة لينمو بين يديها في صورة ترضاها كما ان الاب لم يكن بعيدا عن ابناؤه فكان يتولى دور التنشئة وبخاصة بعد سن الرابعة فيلقنهم مبادئ الرجولة وفضائل الاخلاق العالية واداب السلوك وحسن المعاملة كما كان يورثهم من المهن والحرف ما يؤهلهم لاكتساب معاشهم وكان من واجباته ان يلتمس لولده المطيع كل شأن خير وفي ذلك يقول بتاح حتب " اذا كبرت وكونت بيتا وانجبت ولدا من نعمة الرب واستقام هذا الولد ونهج نهجك واتبع تعاليمك وصلح حاله في داره وحفظ املاكك وثروتك فافعل الخير له كله وتحر كل شأن فاضل من اجله فانه ولدك وفلذة كبدك فلا تصرف عنه نفسك" .
وعلي ايه حال يبدا بعد هذه المرحلة استعداده للذهاب الي المدرسة فكانت المدرسة تعمل في تكامل مع البيت وتكون جزءا لا يتجزأ من مراحل النمو في حياة الطفل تساعده في تكوين شخصيته جسميا وعقليا واجتماعيا وقد حرص المصري القديم علي ارسال ابنائه للمدرسة لما في ذلك سبيل الي مناصب الدولة ولهذا شجع الاباء ابنائهم في طلب العلم وفي ذلك نصح خيتي بن دواوف ابنه بيبي قائلا ".............ان يضع قلبه وراء الكتاب وان يحبها كما يحب امه لأنه ما في شئ يعلو الكتب " الي جانب ذلك ايضا ان تربية النشئ كانت تتطلب في الواقع تعليمه فلسفة الحياة العملية وآداب السلوك والمعاملة وفي ذلك زخر الادب المصري بالكثير من النصائح التي تضمنت تنشئة المصريين ابنائهم علي اخلاق وصفات فاضلة كالصدق والامانة وعلي ذلك فيمكن القول بان اساس تنشئة الطفل كانت التربية المنزلية ودور الوالدين في تشجيع ابنائهم علي التعليم وتنشئتهم علي محاسن الاخلاق وازاء هذا كان الابناء يحملون لإبائهم هذا الصنيع ويحترمونهم وفي هذا هناك نصيحة من احد كبار الكهنة فيها يقول " ... منذ درجت من حجر امي .... كنت ادخل واخرج واروح واغدوا بأمر "ابي" وعلي ضوء من هديه لم اخالفه قط ولم اهمل واجبا كلفني به ... وكان يثني علي من اجل ذك ". |