الدكتور ناصر الكلاوى يكتب:
تقع الصحراء البيضاء في مصر علي بعد 45 كليو متر (30 ميلا ) إلي الشمال من واحة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد ، وعلي مسافة 500 كليو متر من مدنيه القاهرة ، وتبلغ مساحتها 3010 كليو متر مربع . وتعبر الصحراء البيضاء متحفا طبيعيا لا مثيل لها في العالم ، وأعتبرها الحكومة المصرية متحفا مفتوحا للبيئات الصحراوية والظواهر الجغرافية والحفريات والحياة البرية . أنها ليست إحدي المناطق الغربية التي قد نراها في رسومات الخيال ، أو نتوقع أن هناك فنان بارع قد تفنن في نحتها لإنشاء متحف أو مدينة جديدة ، ولكنها الصحراء البيضاء قطعة من أرض مصر التي أبدعها الخالق عندما نحتت الصخور العملاقة بفعل الريا ح علي شكل بلورة كبيرة الحجم.
التسمية
سميت بالصحراء البيضاء لأنها تملك اللون الابيض الذي سغطي معظم أرجائها وتملك أيضا صخرة طباشرية ،وتحتوي الصحراء البيضاء علي العديد من التشكيلات التي تم إنشاؤها نتيجة العاصفة ( ملية عرضية في المنطقة وهو منبثق أيضا من لون رمالها النقية وصخورها البلورية مما يضفي عليها جمالا فريدا ، وتشكل أشعة الشمس مع لون الصحراء الأبيض لونا وريا أو أزرق.
نشأة المنطقة
تكونت هذه الصحراء من حوالي 80مليون سنة ، حيث تمثل تلك المنطقة قاع البحار التي كانت تغطى تلك المنطقة في تلك الحقبة الزمنية ، وتعتبر الصحراء البيضاء فريدة بوجود ظاهرة الكارست ،وهي جيولوجية قديمة كونت علي مر العصور الكثير من الكهوف التي تقصلت بفعل عوامل التعرية ، ولم يتبق منها سوي بللورات من خام الكالسيت علي شكل صواعد " مناطق مرتفعة " وبها أشكال ذات قمم يطلق عليها "عيش الغراب " ،ويتكون الجزء الأسفل منها من الطباشير الأبيض الذي يوجد به حفريات لافقارية ، وأسنان القرش ،وتعكس الصخور الطباشيرية بيئة الترسيب البحرية ، وأيضا التكوينات الجيولوجية التي ترجع إلي عصر الباليوسين ،ويوجد بها بقايا أشجار متحجرة وأشجار السنط المعمرة . وهي بصفة عامة عبارة عن تكوينات رسوبية وطباشير تكونت بفعل السوبيات الكائنات البحرية التي درجت وعاشت بالمنطقة منذ ما يزيد علي 40مليون سنة ، عندما غطى المحيط (التيثي ) العظيم والذي كان امتداد للبحر المتوسط ،وذلك يفسر وجود القواقع البحرية بها ،وأجزاء من الشعاب المرجانية في الصخور الممتدة من البحر المتوسط في الشمال وحتى صعيد مصر.
مميزات الصحراء البيضاء
تتميز الصحراء البيضاء باحتوائها علي آثار وأدوات ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ ، حيث يوجد بها عدد من المقابر والكهوف النادرة ، فضلا عن بقايا مومياء قديمة ونقوش منحوتة ، بجانب مناظر الكثبان الرملية والتكوينات الجيولوجية لصخور الأحجار الجيرية ناصعة البياض . وتنتشر علي أرضية منخفض الطباشير أعمدة من الطباشير ، وعيش الغراب التي تكونت بفعل عوامل النحت بواسطة الرياح ، وتعتبر الصحراء البيضاء أحد المزارات الهامة التي تحرص المجموعات السياحية علي زيارتها للتمتع بالمناظر الخلابة والهواء النظيف والتكوينات . وتوجد في منطقة المحمية العيون المائية وبقايا أثار منازل قديمة عالية العصر الروماني وبقايا أواني فخارية ، وتعتبر المنطقة ذات قيمة عالية من حيث التنوع الحيوي والصحراء البيضاء لها رونقها الخاص وشخصيتها الفريدة ، فهي بيضاء بياض الثلج ، وصلبة صلابة الصخور ، وليست سطحى مستويا علي الدوام ، بل تنتصب فيها الأشكال الصخرية والتكوينات الطباشيرية الرسوبية.
وتتمتع الصحراء البيضاء بميزة أخري ، وهي بعدها عن الكثافات السكانية ،مما يضفي علي أجوائها هدوء ساحرا ، كما أن الصخور تتميز بظاهرة غريبة تتمثل في تجمع أشعة الشمس طوال النهار ، لتبدو في الليل كالفانوس المضي وسط انظلام ،وهذا يرجع إلي تكوينات الجيري الأبيض الذي يمتص أشعة الشمس فتحدث توهجا من اللون الأبيض الساطع طوال الليل . يتم زيادة الصحراء البيضاء لدراسة علوم البيئة ، وتشمل الدراسات الصحراوية والظواهر الجغرافية والحفريات البرية المختلفة ، فهي تحتوي علي آثار وأدوات ترجع إلي عصر ما قبل التاريخ . ولقد أختارت وكالة القضاء الأمريكية "ناسا" هذه المنطقة لأجواء أبحاثها الخاصة بالرحلات المزمع إرسالها إلي كوكب المريخ ، وإذ أن سطح الأرض في تلك المنطقة هو أقرب منطقة في العالم شبها لسطح ذلك الكوكب وتعتبر الصحراء البيضاء من أهم عشرين موقع سياحي فريد علي مستوي العلم ، وهي من أفضل المقاصد السياحية في العالم. وتحتوي الصحراء علي تشكيلات صخرية علي هيئة عش غراب ، وهذه رأس طائر، وهذه كالقبة ، والمخروط الأيس كريم ، والخيمة . ومن المرجح أن الصحراء البيضاء كان بها نباتات خضراء كالمسافات وبحيرات مليئة بالأسماك ، ولقد كانت منطقة مثالية للصيد لإنسان ما قبل التاريخ.
حيوانات الصحراء البيضاء
وتتميز الصحراء البيضاء بأرضيتها البيضاء اللون علي عكس باقي صحاري العالم والأشكال الغربية التي نحتتها الرياح . وبالصحراء العديد من الحيوانات مثل "ثعلب الفنك" الشهير الذي من خفة ظله يميل دوما إلي خطف الأحذية ليلا معتقدا أنها طعاما. ويوجد "فأر الصحراء أو اليربوع " الذي يحتل مكانه خاصة عند السائحين ، بسبب جرأتة وألفته للبشر وتقدمه من مجالسهم لتحصيل الطعام ، وبالصحراء الحية المكرنة ، والعقرب الأصفر ، والسحلية ، والغراب ألنوحي وتوجد الغزال المصري ، والغزال الأبيض ، والكبش الأروي.
أهميتها للسياحة
تعد سياحة السفاري فرصة لاستمتاع بمجموعة واسعة من أشكال الجمال الصحراوي المختلفة إلي جانب مشاهد غروب الشمس الخلابة والسموات المرصعة بالنجوم ليلا ، ومشاهدة المساكن المبنية بالطين ، وشراء منتجات الخزف اليدوية المحلية ، ورؤية الأعمال الفنية المنحوتة في الصخر التي تعود إلي عصور ما قبل التاريخ.
تعتبر الصحراء البيضاء من أكتر الوجهات الصحراوية شهرة في مصر لأسباب عديدة ، فالطبيعة نحتت الصخور بفعل الرياح علي شكل أشكال غريبة لا مثيل لها في أي صحراء في العالم . وتصنع الشمس مع لون الصحراء الأبيض لون وردى أو أزرق وقت الشروق والغروب وهذا هو المكان الوحيد في مصر الذي يمتاز بهذه الظاهرة ، بخلاف انه مكان آمن جدا فلا توجد أي زواحف أو حيوانات خطيرة . وتعد منطقة " المشروم " أكتر المناطق جذبا للسائحين داخل المحمية ، وفيها منظر النحت كبير من الحجر الجيري يشبه " المشروم " أو " عيش الغراب" أو كأنه صورة انفجار نووي بجانب التشكيلات الأخرى المنوعة التي يرلها كل شخص بنظرة مختلفة . وقد قام العالم الألماني الشهير جيرهارد رولف عام 1874م بزيارة الصحراء البيضاء لمعرفة ما إذا كان هناك حقيقة " نهر بلا ماء في المنطقة أم لا ؟؟ " . وحاول "رولف " اختراق بحر الرمال العظيم لدراسة المنطقة ، وأصدر دراسته في كتاب بعنوان " ثلاثة أشهر في الصحراء الغربية " وكانت هذه الرحلة بتشجيع مباشر من الخديوي إسماعيل وتعد الصحراء البيضاء مكانا مثاليا لأستشفاء ، ولقضاء أوقات سعيدة في التأمل والشعور بالسلام التام والطمأنينة ، لذلك هي القبلة التي يحج إليها كل محب للسياحة البيئية ، وكل من يرغب في القيام بسياحة السفاري تعتبر الصحراء البيضاء مكان مناسب لعشاق التصوير ، وذلك لوجود عدة أماكن مرتفعة .
بانوراما العيون المائية
وفي المحمية عيون مائية أهمها "عين حضرة ، وعين السرو ، وعين المكفى ، وتحط بهذه العيون أشجار النخيل والزيتون والأكاسيا المزروعات الكثيفة ، وبعض النباتات الآخري ، وتوفر تلك العيون المياه للحيوانات التي تعيش في رحاب المحمية ، كما تمثل مكانا لاستراحة زوار المحمية .
وانا اطالب الحكومة المصرية بضرورة تقديم الاوراق المطلوبة لوضع الصحراء البيضاء على قائمة اليونسكو ، و سوف يساعد ذلك على مجىء السياحة الخارجية اليها و من الممكن ان تستفيد مصر من المنح المالية و الفنية المقدمة من المنظمة الدولية .
|