محمود فرحات يكتب:
من منا يعرف فيرينا المصرية وقصتها ، من منا يعلم ان أمرأة مصرية صعيدية علمت سويسرا النظافة واساسيات تمريض الجرحى .. لكن كيف وصلت تلك المرأة من صعيد مصر الى سويسرا؟؟ وما هى حكايتها ..!!
فيرينا هى إمرأة مصرية صعيدية تنتمي إلى قرية تدعى جراجوس بمحافظة قنا حالياً ، ويعني اسمها "الثمرة الطيبه" وهى كانت بالفعل أحد الثمار الطيبه التي انجبتها ارض مصر.. واختارت فيرين االتمريض لتقدم رسالتها للمرضى والمحتاجين.
كانت مصر في تلك الفترة يغلب على اهلها الايمان بالمسيحية بالرغم من وقوعها تحت الاحتلال الروماني والذي لم يكن يعترف بالدين المسيحي وكان مايزال على وثنيته .. وكانت تلك المرحلة مرحلة قلاقل في الامبراطورية مما ادى بالامبراطور دقلديانوس (284-305م) ان يطلب معاونه القائد مكسيميانوس(285-305م) حيث نشبت الحرب في منطقة اقليم الغال الفرنسية.. وكان لابد من تكوين جيش قوي وكبير فكان الاقتراح بالاستعانه بالبلاد المحتلة للمشاركة في المعارك.
وطلب الامبراطور كتيبة من مصر تشارك في المعارك وأن يلحق بها مجموعة طبية لرعاية جرحى الحرب وتمريضهم ، وساقت الاقدار فيرينا الى اللحاق بالكتيبة الطبية الملحقة بالكتيبة العسكرية والتي سميت بالكتيبة الطيبية نسبة الىمدينة (طيبة) تحت قيادة قائد مصري شجاع اسمه موريس.. حيث تكونت6600 جندي من وعدد من الممرضات بينهم فيرينا.
ونزلت الكتيبة في المكان الذي يقع اليوم عند الحدود الفرنسية مع سويسرا، حيث أبلت بلاءاً حسناً في المعارك وشهد قائدهم الروماني ببسالتهم حتى وصلت سمعتهم للقائد مكسيميانوس في فرنسا والذي قرر الاستعانة بهم.
كان مكسميانوس وثني وكانت من بين الطقوس ان يتم التبخير للالهة الرومانية من الكتيبة الطيبية وحيث ان جميعهم مسيحيون فقد رفضوا ذلك .. مما اغضب مكسميانوس الذي قرر الانتقام منهم ولم يشفع لهم بسالتهم في المعارك فقتلوا جميعا .. وتمكنت فيرينا ومن معها من ممرضات من الهرب، حيث احتمت ومن معها فى كهف ضيق بشمال سويسرا بالقرب من احد المدن السويسرية تدعى تسورتساخ.. وظلت مختبئة ومن معها لمده تقرب من 20 عام حيث انتهى عصر الإمبراطور يندقلديانوس وشريكة مكسيمان في عام 305م .. وبدأ عصرالإمبراطورقسطنطين الذي اعتنق المسيحية وأقرها ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية.
حينها نزلت فيرينا من مخبئها الى المدينة القريبة حيث اكتشفت ان لديهم جهل كبير في المبادئ الاساسية للنظافة والقواعد الصحية .. فقامت بدور المعلم وعلمت أهل المدينة السويسرية النظافة الجسدية والطهارة وتسريح الشعر والاستحمام والاهتمام بالنفس.
وقد عُرفت فيرينا بأسم (صاحبة الفلاية المصرية) .. حيث استخدمت المشط المزدوج (الفلاية) لتصفيف شعورهم الملبده وقتل حشرات الرأس .. كذلك استثمرت فيرينا خبرتها الطبية والتمريضية فى علاج المرضى والجرحى ..فوضعت أسس التمريض وفوائد استخدام الأعشاب وعمل العقاقير في تلك البلاد وساهمت في علاج مرضى المدينة من الجزام.
كما علمتهم فيرينا حياكة الملابس وفن التطريز .. وبدأ شهرتها تعرف في كافة المدن ومنها تعلم عشرات الممرضات السويسريات ونقلوا خبرتها الى مدنهم .
توفيت فيرينا فى الأول من سبتمبر عام 344م ، عن عمر يناهز 64عام .. حيث تم تخليد ذكراها واسمها في 70 كنيسه في سويسرا و30 كنيسه في المانيا ويتم الاحتفال بذكراها بإقامة المعارض والحفلات الموسيقية وزيارة الأماكن المقدسة.
والسؤال الذي يجب ان نوجهه الآن هو .. لماذا لا تدرس قصة الحب والسلام "فيرينا" لابناءنا الطلاب في المدارس بدلا من قصص الدم والقتل "خالد ابن الوليد" و"عقبة ابن نافع" و"صلاح الدين الايوبي"..؟؟ ولماذا لا ندرس لابناء مصر قصص ذات صله حقيقية بتاريخهم ..لها علاقة بترابهم المصري ليعلموا قيمة مصر والمصريين الذين منحوا الدنيا العلم والحياة.
هذه هى نساء مصر نماذج مشرفة نفتخر بها على مدار الآلاف السنين و مازلنا نحكي قصتها لأولادنا وأحفادنا...
والى لقاء قريب لنبحر سويا في قصة جديدة لنساء من التاريخ المصري.
|