الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أسطورة أوزير و إيزيس

أسطورة أوزير و إيزيس
عدد : 08-2016
بقلم/ محمد عبد الرازق

أسطورة دينية فرعونية تحكي قصة خَلْقِ الكَونِ وخَلْقِ الآلهة . ملخصها أنّ الإله "جب" إله الأرض تزوج الإلاهة "نوت" إلاهة السماء و أنجب منها ولدين (أوزير و ست) و ابنتين (إيزيس ونفتيس) . فتزوج "أوزير" من "إيزيس" و تزوج "ست" من "نفتيس" ، و بعد ذلك حكم "أوزير" البشر و كان رجلاً طيباً نشر العدل و السلام في جميع أرجاء الأرض . حقد "ست" على أخيه "أوزير" و أراد التخلص منه ، فأقام حفلاً في قصره دعا إليه جميع الآلهة و من بينهم أوزير و في الحفل عرض "ست" تابوتاً مصنوعاً من الذهب و أعلن أنّ هذا التابوت هدية لن ينالها إلا من يكون التابوت على مقاسه ، فظل كل إله يدخل التابوت فلا يجده على مقاسه ، حتى دخل "أوزير" في التابوت فوجده على مقاسه تماماً ، فأغلق عليه "ست" التابوت و ألقاه في اليم و بذلك تخلص من أخيه و استولى على الحكم في مصر .

خرجت إيزيس تبحث عن زوجها "أوزير" في كل مكان حتى عرفت في النهاية أن اليم جرف التابوت إلى البحر و أن البحر جرفه إلى أن رسا به على شاطيء مدينة بيبلوس "جبيل" في لبنان . فبذلت "إيزيس" مجهودا حتى استطاعت الحصول على جثة زوجها والعوده بها إلى مصر ، وهناك بسحرها أعادت الحياة لزوجها لكن "ست" عثر عليه و قتله . وكانت إيزيس في ذلك الوقت قد حملت من أوزير و أنجبت منه "حورس" ، فربت ابنها حتى كبر و عندما كبر ابنها حارب عمه ست و انتصر عليه . و قصة الصراع بين "حور" و "ست" ترويها ثلاث روايات مختلفة .

الرواية الأولى مذكورة في الدراما المنفية التي تنتمي إلى بداية عصر توحيد القطرين على يد "مينا" و فيها احتكم حورس إلى تاسوع الآلهة كي يعطوه حقه في حكم مصر فتدخل "جب" جد "حورس" و أبو "أوزير" و "ست" و حكم بتقسيم مصر بين "ست" و "حور" حيث يحكم "ست" الوجه القبلي ، و يحكم "حور" الوجه البحري ، و بذلك انقسمت مصر إلى مملكتين . لكن "جب" شعر بالحزن لأن "حور" لم ينل حقه كاملاً فأوصى بأن تؤول كل ثروته إلى "حور" و بذلك تم تتويج "حور" ملكاً على الوجهين القبلي و البحري .

الرواية الثانية مذكورة في قصة الصراع بين حور و ست التي تنتمي إلى عصر الدولة الوسطى ، و فيها اشتكى "حور" عمه "ست" إلى تاسوع الآلهة ، و ظلت القضية قائمة بين الاثنين سنوات طويلة تردد فيها الآلهة التسعة الذين يقومون بدور القضاة بين الوقوف إلى جانب حور و الوقوف إلى جانب ست ، وبعد العديد من الحيل و الألاعيب السحرية التي دارت بين الطرفين وقف القضاة التسعة إلى جانب حور و حكموا له بملك مصر .

الرواية الثالثة مذكورة في "دراما انتصار حور على أعدائه" ، و فيها حارب حور عمه ست و بارزه و انتصر عليه ثم تولى حكم مصر و عرش أبيه أوزير..

كل هذه الروايات اختلفت في أسلوب نهاية القصة لكن النهاية واحدة و هي انتصار حور على عمه ست و استرداده لعرش أبيه أوزير و امتلاكه لحكم مصر .


مصادر أسطورة إيزيس و أوزير

يبدو أن الفراعنة كانوا يحبون هذه الأسطورة ، إذ عُثِرَ على الكثير من الوثائق الفرعونية التي روت أحداث هذه الأسطورة بأساليب مختلفة و روايات مختلفة و في عصور مختلفة ، منها أساطير خاصة بمغامرة قام بها كل من أبطال هذه القصة بمفرده دون أن يكون أبطال القصة الآخرين موجودين فيها ، مثل أسطورة حيلة إيزيس التي تقص الحيلة التي قامت بها إيزيس لتعرف اسم رع الحقيقي ، و أسطورة قتل التنين التي فيها قام الإله ست بدور البطل الذي قتل تنيناً كان يمثل خطراً على حياة المتوفى في العالم الآخر . هناك أيضاً روايات تحدثت عن أسطورة الصراع بين حور و ست من أجل قتل ست لأخيه أوزير ، و هذا ما يهمنا في هذا المقال و هي مصادر عديدة نذكر منها :

1. الدراما المنفية و هي مسرحية فرعونية يذكر د/ سليم حسن في كتابه مصر القديمة الجزء الثامن عشر أنها تنتمي لعهد توحيد القطرين على يد الملك نعرمر و تتحدث عن تقسيم مصر بين حور و ست .
2. دراما التتويج و تتحدث عن تتويج الملك "سنوسرت الأول" بن الملك "أمنمحات الأول" مؤسس الأسرة الثانية عشرة و يرى د/ سليم حسن أنها تنتمي لعصر هذا الملك أي عصر الدولة الوسطى لأنها مكتوبة بلغة هذا العصر ، و فيها تُذْكَرُ قصة تتويج حور على عرش مصر بعد انتصاره على ست و احتفال الآلهة به ، و هذه بالطبع قصة تتويج الملك سنوسرت الأول على عرش مصر و لكن بشكل أسطوري .
3. دراما انتصار حور على أعدائه و هي مسرحية فرعونية مكتوبة على جدران معبد إدفو و يُذكَرُ فيها قصة قتال دار بين حور و بين ست انتهى بانتصار حور على ست و فوزه بعرش أبيه أوزير . هذه الدراما مذكور فيها اسم الملك بطليموس لكن د/ سليم حسن يرى أنها تنتمي إلى عصر أقدم من ذلك ربما عصر الأسرة الثالثة الفرعونية .
4. قصة الصراع بين حور و ست و هي تنتمي لعصر الدولة الوسطى و تتحدث عن الطريقة المشهورة التي حارب بها "حور" "ست" ، حيث قام حور بمقاضاة ست عند تاسوع الآلهة الذين يمثلون القضاة في هذه القصة و طالبهم بأن يمنحوه حكم مصر الذي اغتصبه ست من أوزير ، و لكن القصة هنا تختلف عن الدراما المنفية فهذه القصة لا تقتصر على جلسات قضائية يقدم فيها كل طرف دعواه و أدلته و مرافعته ، بل هي ترقى إلى مستوى الملحمة حيث تتحدث عن مغامرات قام بها حور و ست و إيزيس و سائر الآلهة الذين اشتركوا في هذه القضية ، و خدع سحرية قام بها ست ضد حور و خدع أخرى قامت بها إيزيس ضد ست و معارك قامت بين الطرفين و في القضية وقف بعض الآلهة بجانب حور و إيزيس و البعض الآخر بجانب ست ، و ظل الأمر يسير على هذا النحو دون أن يتفق كل القضاة من تاسوع الآلهة على الشخص الذي يحكمون بأحقيته في حكم البلاد . و في النهاية هددهم أوزير _ إله العالم السفلي_ بأنه سيرسل إليهم أرواح العالم السفلي إن لم يحكموا لابنه حور ، فخاف الآلهة تهديده و حكموا بأحقية حكم حور لمصر(8) .
5. كتابات بلوتارخ عن أسطورة "إيزيس و أوزير "
الحقائق التاريخية في الأسطورة

عندما طالعت بعض القصص التي تحدثت عن أسطورة إيزيس و أوزير ، وجدتُ أنها لا تعبر فقط عن عقيدة مصرية قديمة أو أفكار دينية فرعونية ، بل إنها أيضاً تذكر أحداثاً تاريخية حدثت فعلا في عصر الفراعنة . ذلك أنّ كل قصة تحدثت عن الأسطورة كانت تعبر عن المجتمع الذي عاصر تأليفها ، و أخص بالذكر القصص الفرعونية الأربعة التي ذكرتها في فصل مصادر الأسطورة و هي الدراما المنفية و دراما التتويج و قصة الصراع بين حور و ست . و هنا سأتحدث عن الجانب التاريخي في كل قصة بالتفصيل .
1. الدراما المنفية . يقول د/ سليم حسن عن هذه الدراما في موسوعته " مصر القديمة " الجزء الثامن عشر أنها برهان ساطع على المدنية القديمة التي سبقت توحيد مينا للقطرين ، كذلك ذكر أنه لا يوجد ما يثبت أن مصر كانت موحدة قبل مينا ثم انقسمت إلى مملكتين ثم أعاد مينا توحيدها . من خلال هذه الكلمة يمكن التحدث عما يمكن أن تمدنا به هذه الوثيقة من معلومات أو تخمينات حول الأحداث التاريخية . فالدراما تذكر أن مصر كانت دولة موحدة في عهد أوزير و حين قُتِلَ أوزير تنازع ابنه و أخوه على الحكم فتم فصل البلاد بين الاثنين و انقسمت مصر إلى مملكتين ثم حكم حور ابن أوزير مصر كلها و بذلك تمكن من إعادة توحيدها . إذا افترضنا أن هذه الدراما تتحدث عن توحيد القطرين ، نجد الدراما تقول أن مصر كانت دولة موحدة تحت حكم أوزير و بعد قتل أوزير حدث صراع على الحكم بين حور ابن أوزير و ست شقيق أوزير فانقسمت البلاد بينهما إلى مملكتين و حكم كل منهما مملكة ثم تمكن حور في النهاية من توحيد المملكتين تحت حكمه و بذلك عادت مصر دولة موحدة مرة ثانية ، و حين نطبق هذا الأسطورة على الواقع الذي كان موجوداً في ذلك الوقت فقد نخمن أن مصر كانت دولة موحدة تحت حكم ملك واحد ثم حدث صراع على الحكم بين أمراء هذه الدولة فانقسمت مصر إلى مملكتين ثم جاء الملك نعرمر و وحد المملكتين تحت حكمه و بذلك عادت مصر دولة موحدة مرة ثانية . هذا التخمين أيضا قد حدث بالفعل في عهد الأسرة الواحدة و العشرين الفرعونية حيث انقسمت مصر و صار لها ملكان ، واحد في الشمال و واحد في الجنوب بسبب الصراع على الحكم ثم أعيد توحيدها مرة أخرى فيما بعد .
2. دراما التتويج : و هذه الدراما ليست بحاجة إلى إثبات أنها تذكر حدثاً تاريخيا وقع بالفعل ، فهي و إن كانت تتحدث عن قصة تتويج "حور" ملكاً على مصر ، فمن المعروف أنها أُلِّفَتْ من أجل تتويج الفرعون سنوسرت الأول و بديهيا هي تتحدث عن الطقوس التي تم القيام بها أثناء تتويج هذا الفرعون و لكن بشكل أسطوري ، فتم تشبيه الفرعون "سنوسرت الأول" بالمعبود "حور" و تم تشبيه أمراء مصر الذين حضروا التتويج بالآلهة المذكورين في أسطورة إيزيس و أوزير و قام حور بتكريمهم أثناء تتويجه .
3. قصة الصراع بين حور و ست : في هذه القصة نلاحظ أنه يوجد صراع على عرش مصر بين أمراء الأسرة الحاكمة و هم حور و إيزيس و ست ، و كل جانب يدبر المؤامرات ضد الآخر و يدعي أحقيته بالعرش من غيره ، و نجد أنّ من ضمن هذه المؤامرات مؤامرة اغتيال أوزير من قبل أخيه ست و مطالبة حور فيما بعد باسترداد عرش أبيه أوزير الذي مات ضحية مؤامرة اغتيال دبرها ضده أخوه ست ، و ينتهي الصراع بحصول حور على عرش أبيه أوزير . عندما نقارن هذه القصة بما حدث في عهد أمنمحات الأول و سنوسرت الأول نجد أن الفرعون "أمنمحات الأول" كان معرَّضًا للمؤامرات و هذا يتضح من النصائح المسماة باسمه ، كذلك يقول سنوهي في ملحمته المسماة باسمه أنه حين مات الفرعون أمنمحات الأول وصلت رسالة إلى ولي عهده سنوسرت الأول تخبره بوفاة أبيه و وصلت رسالة أخرى إلى أمير آخر تخبره بوفاة الفرعون أمنمحات الأول مما يشير إلى أنه كان يوجد من الأمراء من يسعى إلى الاستيلاء على الحكم بدلا من سنوسرت الأول و معروف أن الفرعون "سنوسرت الأول" هو من جلس على عرش مصر خلفاً لأبيه "أمنمحات الأول" مثلما جلس "حور" على عرش مصر خلفاً لأبيه "أوزير" . و هذا يشير إلى أنّ قصة الصراع بين حور و ست تم تأليفها للتعبير عن الأحوال السياسية التي كانت مصر تعيشها في ذلك الوقت مما جعل د/ سليم حسن يعتبر هذه القصة ملحمة أدبية لأنها تحكي حدثاً تاريخياً و لكن بشكل أسطوري .


من خلال ما سبق و تم عرضه يمكن استنتاج أن أسطورة أوزير و إيزيس لم تكن تحكى في عصر واحد من عصور الدولة الفرعونية بل كانت تحكى طوال عصور الدولة الفرعونية منذ العصر العتيق و حتى العصر اليوناني الروماني ، كذلك لم تحكى في قصة واحدة توارثتها الأجيال فيما بعد ، بل كان لها العديد من القصص و الأساطير التي كانت كل قصة منها تُرْوَى في زمن ما من أزمنة العصر الفرعوني و لم يروِ الفراعنة القصة كاملة في رواية واحدة بل تم تقسيم الأسطورة إلى عدة قصص كل قصة مستقلة بذاتها و تحكى في زمن مختلف عن زمن رواية القصة الأخرى ، ففي عهد الدولة القديمة ظهرت القصة التي تحكي عن مقاضاة حور لست أمام الآلهة و مطالبته إياه برد ملك مصر إليه ، و في عصر الدولة الوسطى ظهرت قصتان إحداهما تتحدث عن المغامرات التي دارت بين حور و ست أثناء مقاضاة حور لست أمام الآلهة و الثانية تتحدث عن تتويج حور ملكا على مصر ، و في العصر البطلمي ظهرت قصة منسوبة إلى عصر الأسرة الثالثة الفرعونية تتحدث عن المعركة التي دارت بين حور و ست و انتهت بانتصار حور على ست . في نفس الوقت لم تكن مغامرات أبطال هذه الأسطورة مرتبطة كلها بالأسطورة بل كان لكل معبود منهم مغامرات خاصة بعيدة عن الأسطورة الأصلية ، فالمعبود ست مثلا كان له مغامرة مع تنين موجود في العالم الآخر يعترض طريق المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر و يبارز ست هذا التنين و يقتله و يحمي المتوفى منه ، و إيزيس أيضا لها مغامرة مع رع استطاعت من خلالها أن تحتال على هذا المعبود و تعرف اسمه الحقيقي الذي لا يعرفه أحد غيره.

و أهم نتيجة حصلنا عليه من خلال كل هذا هي أنّ أسطورة إيزيس و أوزير لم تكن تُروَى لأغراض دينية فحسب ، بل كان الفراعنة يحكونها ليعبروا بها عن حال مجتمعهم في ذلك الوقت و بذلك صارت بعض قصص هذه الأسطورة وثائق تاريخية لأنها تعبر عن أحداث تاريخية حدثت في عصر تأليف كل قصة منها .
 
 
الصور :