بقلم الدكتور/ محيى عبد السلام
خبير اقتصادى
أصبح تعويم الجنيه من المصطلحات الاساسيه المتداولة فى الشارع المصرى خلال الفتره الماضيه ، وعلى لسان الخبراء الاقتصاديين ،وفى غرف اجتماعات رجال الأعمال،بل تعدى الامر لتصبح الكلمه على لسان المواطن العادى فى الاتوبيس والمقهى ، لقد اصبحت الكلمه مثار نقاش بين افراد العائله الواحده فى ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر والارتفاع الجنوني في الاسعار، ولا يخفى على احد ان مصر دوله داخل المنظومه العالميه لديها بنك مركزى يجب ان يتماشى مع السياسه النقديه العالميه ،وان هذا البنك هو القائم على تحديد سعر صرف العمله امام الجنيه المصرى ،وفى حالة التعويم فان البنك المركزى سوف يرفع يده ويترك العرض والطلب على العمله ،بمعنى انه كلما زاد الطلب على الاستيراد زاد الطلب على الدولار وبالتالى سوف يرتفع سعره لانه مطلوب، والعكس صحيح لو زاد الطلب على التصدير من جانب الدول الاخرى لقل سعر الدولار امام الجنيه ،وهكذا فالموضوع فكرته قائمه على العرض والطلب وتحرير السوق من اى قيود، مع الاخذ فى الاعتبار ان الاستيراد والتصدير ليس الوحيد الذى يحدد السعر، ولكن الازمات التى مرت على البلاد فى الخمس سنوات الاخيره والسياسات الضريبيه التى تجعل المستثمر يفكر الف مره قبل ان يستثمر فى مصر، والفرق بين الفائدة على الدولار والجنيه المصري، بالطبع نجد النتيجة لصالح الدولار على حساب الجنية ،مما يؤثر بالسلب على الاقتصاد وينذر بالخطر .
فى عام 2003 تم تعويم الجنيه حيث كان سعر الدولار 3.4 جنيه، وأصبح بعد التعويم 5.5 جنيه، ثم ارتفع إلى 6.2 جنيه واستقر بعدها، علما بانه لم تكن هناك ضرورة ملحه لهذا الاجراء فى ذلك الوقت، ولكنها تمت من أجل مصلحة بعض رجال الأعمال،الذين قاموا بشراء كميات كبيرة جدا من الدولارات، وبيعها بعد التعويم محققين وفورات ومكاسب خيالية، أما المواطن محدود الدخل فقد عانى بسبب اجراء التعويم وقتها، مما يعني أنها كانت فى هذا الوقت خطوة فاشلة لا داع لها ،اما فى وضعنا الحالى فان فكره تعويم الجنيه قد بدأت بغرض القضاء على مشكلة نقص احتياطي العملة الأجنبية البالغ 19.5 مليار دولار تقريبا حتى نهايه شهر سبتمبر 2016 وحتى يتم القضاء على فرق سعرالدولار بين البنوك الرسمية والسوق السوداء، فقد بلغ الفرق مايزيد عن 40% فى الاسابيع الأخيره.
إن التعويم في هذه المرحلة شر لابد منه،فهناك نقص سيوله فى النقد الاجنبى وإستيراد أكثر من التصدير، ونقص فى تحويل العملات من اهلنا بالخارج،ووضع اقتصادي متدني،كل هذه مشاكل تحتاج للتعويم، حيث يجب ان يكون هناك سعر يوضح قيمة الجنيه الحقيقية امام العمله الاجنبيه مما يجذب الاستثمارات والمستثمرين، ويخفض من معدلات البطالة، ويقضي على السوق السوداء للعملة فى الاجل الطويل .
ولكن يجب ان نأخذ فى الاعتبار أثر تعويم الجنيه على محدودى الدخل لان هذا الاجراء سوف يؤدي لرفع أسعار السلع، وزيادة مستوى التضخم وأعباء جديده ستضاف على محدودى الدخل فى الاجل القصير.. لذا على الحكومه ان توازن بين تعويم الجنيه حتى يتم زياده وجذب الاستثمار وتحسين الاقتصاد فى الاجل الطويل ،وبين توفير أليات اضافيه متوازيه مع التعويم ، على سبيل المثال كما كتبت سابقا فى مقالات اخرى تنشيط السياحه بكافه انواعها وزياده التصدير من خلال تحسين جوده منتجاتنا وتنشيط عمليات الانتاج فى الصناعه والزراعه، وتشجيع الصناعات اليدويه من خلال منح قروض حسنه للحد من البطاله، ومنع استيراد السلع التى لها مثيل محلى، وفرض رسوم كبيره وضخمه على السلع الاستفزازيه وتحديدها على سبيل الحصر حتى لايتم التلاعب فيها والتهرب من سداد الرسوم الاضافيه عليها.
وأخيرا، كنت اتمنى ان لا تسلك الحكومه الطريق السهل بالاقتراض من الخارج خاصه صندوق النقد الدولى لانها ديون متراكمة سيدفع ثمنها الجيل القادم ، وإن لم يكن هناك آليه واضحه فى معالجه الحاله الاقتصاديه سوف يتم القضاء على الطبقة المتوسطة من الأساس،ويزداد الفقير فقرا والغنى ثراءا وتوحشا ، لذلك أتمنى من الحكومه ان لاتلجأ الى رفع الدعم وان تعيد النظر فى قانون الضريبه المضافه وتتجه الى الضريبه التصاعديه وأن يتوجه المستثمرين للاستثمار داخل بلدهم وعدم الهروب الى دول الاخرى ،وأن تدير الحكومه المنظومه بشىء من الحكمه، والعمل على علاج المشكلات من الأساس، بدلا من الهروب الى مسكنات،والعمل بالتوازى بخطط طويله الاجل لتحسين الاقتصاد وتحسين ترتيبنا وبخطط قصيره الاجل عن طريق استغلال مواردنا الطبيعيه التى حبانا الله بها ،وفتح مجالات السياحه وتشجيع الصناعه الزراعيه ،فلا يعقل ان يكون ترتيب نيجيريا وبنجلاديش فى تصنيف البنوك المركزيه اعلى مننا!!
اعلموا ياساده، أن من سيدفع الثمن هم أولادنا أمل المستقبل ،لذا يجب توخى الحذر عند تطبيق التعويم ،وعلى متخذى القرارات من المجموعه الاقتصاديه فى الحكومه ان يبحروا بالوطن الى بر الامان فى الوقت المناسب حتى لانغرق فى بحر من الظلمات.
أقوال مأثوره
من جد وجد ومن زرع حصد ومن سهر ليس كمن رقد..( كتاب الفوائد المنثوره).
|