بقلم الدكتور/ عمرو محمد الشحات
مما لا شك فيه أن قضايا الآثار فى مصر تعتبر الآن من قضايا الساعة فهناك هوس شديد بين الناس وفى مصر كلها حول عملية البحث غير المشروع عن الآثار وحلم الثراء السريع لدى بعض الناس اعتقاداً منهم بأنهم سيصلوا إلى ما يريدون دون أن يقعوا تحت طائلة القانون ألا يدركون أنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر هم فى غنى عنها ويفقدون أموالاً كبيرة؟! والكثير منهم يتعرضون لمحاولات نصب كبير بداية من الشعوذة والدجل مروراً بالبخور المغربى ووصولاً إلى العاقبة الوخيمة التى تنتظر الواحد منهم ، وربما السبب الأساسى فى ذلك يرجع إلى فقد الهوية والانتماء وحب هذا البلد العظيم ، فهل فكر أحد من هؤلاء أنه بذلك يبيع ماضية وتاريخه وثقافته بثمن بخس ومن ليس له ماضى ليس له مستقبل ؟!
لم تكن سرقة الآثار المصرية قاصرة على الآثار الفرعونية فحسب وإنما تخطى ذلك إلى سرقة الآثار الإسلامية حيث من العجيب أن يتخيل المرء أن متحف الفن الإسلامى بالقاهرة لا يمتلك سوى جزء من قطعة من السجاد من العصر المملوكى ، فى حين أن متحف الفنون والصناعات التطبيقية بفينا بالنمسا يمتلك ما يزيد عن مائة وخمسين سجادة كاملة من العصر المملوكى ، ويمتد ذلك المتحف حشوات (قطع خشبية) من المنبر الخشبى لجامع أحمد بن طولون الذى صنع فى العصر المملوكى ووضعه السلطان حسام الدين لاجين فى عام 696 هـ / 1296 م ، ونتيجة للتهافت المنقطع النظير على سرقة وتهريب آثار مصر إلى ان امتلأت المتاحف الأوروبية والأمريكية بكل أنواع الآثار ، ونقلت إليها عناصر معمارية كبيرة الحجم جداً وكانت فى الأصل تؤلف أجزاء من معابد ومقابر ومنشآت مصرية ، وشملت تماثيل كبيرة وصغيرة ومومياوات وتوابيت ولوحات ونقوش ورسوم وأوراق بردى مسجل عليها دقائق الحياة المصرية على مر العصور ، وأدوات الحياة اليومية ، امتلأت بها أقسام كاملة فى متاحف ومخازن اللوفر بباريس والبريطانى بلندن وبرلين وميونخ وتوبنجن وليبزج وسيرير بألمانيا وتورينو والفاتيكان بإيطاليا وبوشكين بموسكو وارميتاج بلننجراد (بطرس برج) بروسيا الاتحادية ، والجلبتوتيك فى كوبنهاجن بالدنمارك ومتحف ليدن بهولندا ومتحف الفن الحديث فى بوسطن ومتحفى بروكلين والمتروبوليتان وشيكاجو بنيويورك وفرير جالارى بواشنطن والمتحف الملكى بأنتاريو كندا .
وكان ذلك نتاج لترتيب بعض عصابات دولية لسرقة آثار مصر تحت شعار جمع التحف والمحافظة عليها ودراستها ، وكانت بعيدة كل البعد عن الأهداف العلمية أو الفنية ، إذ كان الغرض الأساسى هو الحصول على أكبر قدر من الآثار بمختلف أنواعها ، وتهريبها من مصر وبيعها للمتاحف ولأغنياء العالم الذين تكالبوا على شرائها لتكوين مجموعات أثرية خاصة بهم وعرضها داخل قصورهم فى سبيل إشباع تلك الرغبة وسعيا وراء المكاسب المادية الهائلة.
و تسابقت العصابات فى الداخل والخارج لسرقة المزيد من الآثار المصرية وتهريبها وساهم فى ذلك قناصل الدول الأوروبية فى القاهرة والإسكندرية ، وكانوا فى الأصل يمثلون بلادهم كسفراء فى مصر ، بل إن آلاف المومياوات تم تهريبها إلى أوروبا عندما راجت فكرة تناول مسحوقها لإطالة العمر.
كما ساعد فى ذلك ايضا بعض أفراد الأسرة العلوية فى خروج آثار هامة على هيئة إهداءات إلى ملوك وأمراء أوروبا مثل إهداء محمد على باشا مسلة الملك رمسيس الثانى من أمام معبد الأقصر إلى لويس فيليب ملك فرنسا وهى التى تقف شامخة فى ميدان الكونكورد بباريس فى مقابل الساعة المقامة أمام مبنى مسجد محمد على بالقلعة ، وإهداء والى مصر عباس باشا 1855 م مجموعة الآثار التى كانت يضمها أول متحف مصرى لولى عهد النمسا الارشيدوق ماكسميليان ، لمجرد أن الأمير أبدى إعجابه بها ونفس الوضع ينطبق على إهداء المسلة التى أقيمت على نهر التايمز بلندن ومن قبل قام الملوك البطالمة الذين خلفوا الإسكندر الأكبر فى حكم مصر لمدة ثلاثمائة عام ـ بنقل عدد من المسلات من مواقعها الأصلية أمام معابد عين شمس وتانيس (صان الحجر) وطيبة (الأقصر) ليعاد إقامتها فى الإسكندرية عاصمة ملكهم الجديد . وعندما ضمت مصر للإمبراطورية الرومانية نقلت العديد من المسلات المصرية لتزين ميادين روما عاصمة الإمبراطورية.
ولو عدنا إلى الوثائق المصرية التى ترجع إلى زمن الدولة الحديثة المصرية لتأصيل حوادث سرقة الآثار فإن المرء يرى أن رجال الملك تحتمس الثالث بعد وفاة الملكة حتشبسوت الذى عاش الملك فترة صباه فى ظلها تحت ضغط من الملكة حتشبسوت كانوا يسعون للانتقام من الملكة بعد وفاتها عن طريق سرقة أثارها فقاموا بطمس أسمائها وألقابها واستبدالها بأسماء وألقاب ، ففى المقصورة (الجنوبية) الملحقة بمعبد الملكة حتشبسوت مقصورة المعبودة حتحور حاول رجال الملك تحتمس الثالث أن يزيلوا أسماء الملكة من على هذه المقصورة (الجنوبية) الملحقة بمعبد الملكة حتشبسوت مقصورة المعبودة حتحور حاول رجال الملك تحتمس الثالث أن يزيلوا أسماء الملكة من على هذه المقصورة انتقاماً منها ونسوا أن النقش المكتوب يتحدث بصيغة المؤنث عن الملكة فأزالوا اسمها وأضافوا اسم الملك بدون أن يلاحظوا صيغة تاء التأنيث ، وظل ذلك شاهداً على حادثة السرقة ، أما بخصوص إحدى مسلات الملكة حتشبسوت التى تقع حاليا فى وسط معبد الكرنك الشهير بمدينة الأقصر فقد صعب على رجال الملك تحتمس الثالث أن يطمسوا أسماء الملكة من على مسلاتها الجرانيتية ، فلجأوا إلى إخفاء اسمها وألقابها بواسطة بناء حائط قصير مربع الشكل حول قاعدة المسلة ليمنع رؤية أسمها نهائياً .
وبالغ رجال الملك رمسيس الثانى الذى عاش حتى بلغ التسعين حين سعوا فى كل أنحاء مصر يزيلون أسماء الملوك الأولين من على أثارهم ، ويحفرون اسم ملكهم ليحل مكانها لدرجة أن اسم الملك رمسيس كاد يقابلنا على الآثار المصرية فى كل مكان من أرض مصر تقريباً .
وعندما تخطت الدولة المصرية كل مراحل الشباب والقوة ووهنت قواها فى نهاية عصر الدولة الحديثة أخذت البرديات القضائية من زمن ملوك الرعامسة المتأخر تتحدث عن عصابات تألفت بغرض السطو على المقابر الملكية فى وادى بالبر الغربى من مدينة طيبة عاصمة مصر حينذاك ، وهى مجموعة البرديات التى حوت سجلاً للمحاكمات حين سرت الشائعات أيام الملك رمسيس التاسع مع الأسرة العشرين عن سرقة مقابر الملوك فى وادى الملوك حيث تقع حوالى 62 من المقابر الملكية حفرت على هيئة أنفاق داخل صخور جبل طيبة الغربية فى المنطقة المعروفة باسم (بيبان الملوك أو وادى الملوك) وهذا ما ادى انصراف الملوك عن فكرة بناء المقابر الملكية على هيئة الأهرامات نظرا لتعرضها لكثير من محاولات السرقة فى فترات الضعف السياسى لأن الأهرام كانت تشكل منارة تجذب إليها اللصوص من كل المستويات تحت إغراء ما بداخلها من كنوز ، ففضل الملوك إخفاء مقابرهم بكل ما تحتوى عليه من كنوز من باطن جبل طيبة الغربى ، وأمروا ببناء معابدهم الجنائزية المخصصة لإقامة الصلوات على أرواحهم فى المناسبات الدينية المختلفة بعيدا عن مخبأ مقابرهم عند مطلع الهضبة قريباً من الوادى الأخضر حتى لا يلفتوا نظر اللصوص إليها ، وليس بجوار المقبرة الملكية كما كان متبعاً بالنسبة للأهرامات فى عصرى الدولة القديمة والوسطى ، حتى لا ينكشف سر إخفاء المقبرة الملكية فى جوف جبل طيبة فى وادى الملوك . وعلى الرغم من كل تلك الاحتياطات فإنها كانت عاجزة عن مقاومة الطمع والجشع الذى كان يملأ قلوب ضعاف النفوس .
|