بقلم الدكتور/ عادل عامر
يعد الدور الأخطر للإعلام بوقت السلم، حيث أنه يمكن أن يرسم استراتيجيات وسياسات، ويعطى توجهات ويشكل أراء، لشعوب الدول المختلفة، وبخاصة الأقل قدرة في التعامل مع رسائل الإعلام الدولي، وفهم مضمونها وعدم الوقوع في فخاخها، وذلك من خلال ما تملكه الدولة من أدوات وبرامج إعلامية تكون بمثابة حائط صد يفند ويشرح ويقدم التصحيح الآني والدقيق لجميع الأخبار التي تنشر وتبث، وتستهدف شعب هذه الدولة.
وأيضا استخدام الدولة نفسها للإعلام للسيطرة على شعبها، أو استخدام رجال الأعمال من مالكي وسائل الإعلام للوسيلة الإعلامية لتوجيه الرأي العام وتشكيلة والسيطرة علية بما يخدم توجهاتهم وسياستهم سواء كانت مع أو ضد الدولة ذاتها، وهنا درجات السيطرة تختلف باختلاف درجة ثقافة ووعى شعب تلك الدولة.
إن الدولة رؤيتها غير واضحة فيما تريده من الإعلام؟، لأنه يوجد إشارات متضاربة، ففي بعض الأوقات يكون هناك توجيه من الدولة نحو إعلام الحشد والتعبئة، وفى أحيان أخرى توجيه نحو حرية الإعلام والإعلاميين, لكن لا توجد رؤية محددة لمسار النظام السياسي، وبالتالي لا توجد رؤية لوضعية الإعلام في مصر، بمعنى أنه لا توجد رؤية عامة للسياسات فلا توجد رؤية خاصة للإعلام في هذا الإطار، قائلا: "الدولة عاوزة الإعلام حتة صلصال في إيدها".
تبدي بعض الانتقادات الشعبية الموجهة لأسلوب تعاطي ونشاط وسائل الإعلام التي تنعكس في مواقع التواصل الاجتماعي، أن بعض وسائل الإعلام هذه لا تمثل رؤى ومطالب الناس، وتسعى وراء تحقيق غايات غير مصلحة الشعب.
إنها تصبح أحيانا أداة تبرير للقرارات والتخطيط الخاطئة للمسئولين؛ أغلاط وسوء تصرفات لا تتوافق ومطالبَ الشعب وعليه دفع تكلفتها. حتى أن وسائل الإعلام هذه تقوم أحيانا بحجب ورقابة الأخبار وتوجيهها حتى لا يطلع الناس على بعض الموضوعات. يجب أن يحتفظ الإعلام بموقعه ألانتقادي والمؤمن بأن النقد منصة لإرساء الإصلاح كل، ولا يُرجى تحسين حال مجتمع، ما لم يتم إقرار سيادة النقد فيه. يم مصلحة الناس؟ لمن صلاحية تحديد وتشخيص مصلحة الشعب؟
كيف يسمح هذا أو ذاك لنفسه بهذا التعيين والتشخيص؟ أمصالح الحكومة تختلف عن مصالح الناس فردا فردا وعن مصالح المجتمع، أم أنها متوافقة مؤتية معها؟ وفي حال تزاحمهما، لأي منهما الأفضلية في سلم الأولويات؟
واضح أن على الحكومة المسئولة الملبية لتطلعات الشعب إبلاء قصوى الأولويات لتوفير مصلحة ومطالب مواطنيها. في الحقيقة يجب أن لا تُضَيّع أبدا حقوق المواطنين بذريعة مصالح الحكومة والإيهام بأن هناك ما هو أسمى وأعلى من مطالب ومصلحة الشعب لكن الشعب غير عالم به، وأن لآخرين صلاحية تشخيصه ووضعه.
يستثمر أخيرا الاحتجاجات الشعبية على أسلوب تعاطي ونشاط وسائل الإعلام والمطالبات بتحسينه دون ريب وشك، ويجب أن لا يُسمح لوسائل الإعلام بأن توفر للمسئولين مفرا من القيام بمسؤولياتهم والاعتراف بأخطائهم وإصلاحها. أدى التقدم العلمي المتسارع، الذي شهدته الـ50 عاما الأخيرة، إلى توسيع الفجوة بين المعرفة العامة والمعرفة التي تمتلكها النخب الحاكمة، فبفضل علوم الأحياء والأعصاب وعلم النفس التطبيقي، تمكن “النظام ” من معرفة الكائن البشري جسديا ونفسيا، فالنظام يستطيع معرفة الشخص العادي بشكل أفضل مما يعرف هو نفسُه، وهذا يعني أن النظام، في أغلب الحالات، هو الذي يملك أكبرَ قدر من السيطرة والسلطة على الأفراد أكثر من الأفراد أنفسهم.
الحقيقة أن الإعلام “يستثمر” إمكانات موجودة داخل النفس الإنسانية ، لكنه “يجّيرها ” لجهة أخرى ، في داخل النفالساكن،ة هناك فعلا “الميل إلى التعاطف” مع الإنسان و هو ميل ايجابي و يمكن لو وضع في مسار آخر أن يسخر لصالح العمل على تغيير الواقع السيئ..لكن بدلا من ذلك يأتي الإعلام و يصرفه في اتجاه آخر تماما ، اتجاه لا يؤدي إلى شئ إطلاقا ، بل إلى طريق مسدود ، فبدلا من التعاطف مع المشردين و المسحوقين و الفقراء من أصحاب المشاكل الحقيقية ، هناك هذه المشاكل المفتعلة التي “سيضخ” الاهتمام بها من قبل وسائل الإعلام ، والتي لن تؤدي إلى شئ..مالذي سيحدثه مثلا الاهتمام بوزن المذيعة؟
مالذي سيحدثه التأثر لحادثة وفاة طبيعية ؟ لا شئ قطعاً غير صرف النظر عن المشاكل الحقيقية.. أما التأثر بمشاكل أولئك المسحوقين و المهشمين و الفقراء فأنه ربما يؤدي إلى الوعي ..و الوعي قد يؤدي إلى الرغبة في التغيير .. و الرغبة في التغيير قد تؤدي إلى ( ما لا يحمد عقباه) بالنسبة لملأ كل زمان و مكان..أي إلى الثورة…و هذا بالطبع ما يعمل الإعلام على “درئه” ليس فقط لأنه موظف عند الملأ الذي يهمه استمرار الوضع الساكن ، بل لأنه بطريقة ما صار جزءاً من هذا الوضع الساكن ككل..
و لأن ما يخطط و يحدث للمجتمع لا يمكن أن يحصر فقط بالطــبقة الأدنى و الأقل دخـلا ، و لو كان ذلك أكثر ظهوراالأمريكي،كن للمجتمع ككل فأن الأمر هنا يشبه عملية بتر لعضو من أعضائك تجري دون أن تنتبه لأن الإعلام هنا يقوم بعمليـة التخدير و الإلهاء عما يدور..و هذا هو في الحقيقة الاستعمال التاريخي للأفيون الذي كان يستخدم في العمليات الجراحية لغرض تخدير المريض و تخفيف آلامه..و هذه هو- بالضبط- الاستخدام الحالي للأعلام ، إنه أفيون الشعوب الذي يخدرها و يلهيها عما يدور و يفعل بها ، بل أكثر من ذلك يسهل تشكيل سقف وعيها و تحديد خيـاراتها ، و يقودها لتختار ما حدد سـلفا إنها ستختاره ، و ستتصور هذه الجماهير خلال ذلك إنها تفعل ما تفعل بكامل وعيها و إرادتها.
.أنه أفيون الشعوب الذي قد يكون الشعب الأمريكي ضحيته الأولى بهذا الشكل المبرمج الحاذق و على هذا النحو الواسع..لكن لأن الأمور تتداخل في العالم بسرعة ، فان العالم كله صار يتعرض بالتدريج لما تعرض له الشعب الأمريكي ، و ها نحن نرى الأذرع الأخطبوطية للأعلام تمتد لأوطاننا و تحاول أن تفعل الشئ ذاته ، مرة بأسمائها الأصلية المباشرة و مرة بأسماء معربة هي في حقيقتها مجرد “استنساخ” عن الأفيون الأصلي هناك.. مهما تحدثنا عن تأثير الإعلام سلبا و إيجابا في بلداننا العربية فأن الأمر لا يمكن أن يقارن بتأثيره على الفرد الأمريكي ، و ربما لا يعود ذلك إلى استقلالية “مفترضة” للفرد العربي بل إلى ركاكة و بلادة أغلب وسائل الإعلام العربية خاصة الرسمية منها..مقابل الحذق و المهارة التي تمكنت من خلالها وسائل الإعلام في الغرب أن تكون أفيونا حقيقيا.. أن “أخطر شيء أن يخطو الإنسان خطوة ولا يعرف أين يضعها وهذا ما يحصل على كافة المستويات بما فيها الإعلام والسياسة التي تديره” “لا أستطيع أن ألوم أحداً مع تكرار الأخطاء وتكرار حالة الزعيق الموجودة وعدم وجود محاسبة على نشر الأخبار المغلوطة”.
كان من الممكن لقليل من الملايين المرصودة للثقافة والفنون أن توفّر علينا العشرات بل المئات من الملايين وأكثر؛ لكن خوف النظم من الثقافة والفنون الجادة أن تؤثر على ديمومة الحال، دفعها لإبراز وإشهار ما هو سطحي يستخدم الكوميديا الهابطة والجنس الرخيص، وتشجيع خفي على الإقبال على المخدرات المادية والمعنوية. |