اسمحوا لى أن أعود معكم بالذاكرة الى ثلاث سنوات مضت لنتأمل أحد أهم صور السيد رئيس الجمهورية التى إلتقطت له فى مشاهد غير معتادة من قبل لأى من رؤساء مصر السابقين وهو يتجول بالدراجة فى القاهرة والاسكندرية..وكان لسان حاله حينئذ توجيه رسالة عالمية تؤكد أمن وآمان مصر ودعوة بعض الدول لرفع الحظر السياحى عنها ، وأيضا دعوة ملايين المصريين الى ركوب الدراجات باعتبارها وسيلة انتقال أنفع صحياً وأوفر إقتصادياً من غيرها التى تسببت فى أن تكون مصر الاولى عالميا فى عدد وفيات حوادث الطرق بخلاف التكدس المرورى الذي انعكس على المصريين سلباً وجعلهم أشد حدة وعصبية وكآبة ، لافتاً انتباههم الى قدرتهم على التخفيف عن أنفسهم من معاناتهم مع التكدس المرورى متى أرادوا بمجرد انتهاج سلوك مختلف.
ولكن تلك الدعوة المتكررة من السيد الرئيس والتى صاحبها اجراءات أكثر تأمينية للمطارات المصرية لم تجد صداها المطلوب عند دول هى الأكبر عددا فى تصدير السياح الى مصر مثل روسيا وبريطانيا حتى الآن أو بالنسبة للمصريين الذين اكتفوا بإلتقاط الصور السيلفى مع دراجاتهم الخاصة وتبادلها عبر صفحات التواصل الاجتماعى!!!
ولكنى كنت ولازلت ممن تروق لهم تلك الوسيلة التاريخية التى عرفها العالم منذ عام 1790 على يد المخترع الفرنسي الكونت دي سيفراك ، ونظمت من أجلها مسابقات عديدة بجوائز بملايين الدولارات حول العالم ، ونجحت فى دخول الأوليمبياد منذ عام 1896، وأثبتت الكثير من الدراسات العلمية أنها قادرة على تهدئة الأعصاب وتقليل خطر الإصابة بالأزمات القلبية والسرطان وارتفاع ضغط الدم وتقوية العضلات والحفاظ على المفاصل ومعالجه زيادة الوزن والوقاية من الضعف الإدراكي وخرف الشيخوخة وحمايه خلايا الدماغ العصبية من التلف، وخفض نسبة الوفيات 40%.
لذا أدعو محافظة القاهرة بعد أن قررت تفعيل مشروع "البسكلتة" فى شهر يناير القادم على مستوى منطقة وسط القاهرة والقاهرة الفاطمية ، أن تقوم بتوفير بًنية تحتية عالية الجودة توفر حماية حقيقية لراكبي الدراجات، وتحديد مسارات خاصة لهم ، وأن تنظم المكتبات العامة وقصور الثقافة المنتشرة فى أنحاء المحافظات ندوات توعوية تتناول فيها فوائد ركوب الدراجات للكبار والصغار إناثا و رجالاً على حد سواء بين طبقات المجتمع المختلفة، وأن تحفز المواطنين على ركوبها إما بامتلاكها بالتقسيط أو استئجارها من أماكن محددة بمبالغ زهيدة ، وأن لا تتردد الدولة فى تعميم المشروع فى أنحاء محافظات مصر باعتباره مشروعا قوميا سيحقق مكاسب إجتماعية وصحية واقتصادية هائلة للدولة.
وأدعو الذين يستنكرون ركوب الدراجات باعتبارها وسيلة متخلفه بينما نحن فى عصر الطائرات الى تأمل تجربة الصين مع (الدراجات التشاركية) لحل أزمة التكدس المرورى لديها والتى باتت يستخدمها أكثر من 300 مليون مواطن صينى ، مع الاخذ فى الاعتبار أن الصين رائدة فى براءات الاختراع وتخطط حالياً لانشاء محطة مدارية مأهولة دائمة بحلول عام 2022. أو تأمل تجربة اليابان مع ركوب الدراجات حتى بات مشهداً مألوفاً بين السائحين والمواطنين على حد سواء ،أو ألمانيا التى تعد من كبرى الدول المصنعة للسيارات الا ان الدراجات أصبحت وسيلة الانتقال الاولى بها.. وعلى المستوى المحلى شاهدنا الشاب المصرى"ياسين الزغبى" فى مؤتمر الشباب الأخير بالاسكندرية يجوب المحافظات بالدراجة،ولم تمنعه قدمه الصناعية من الاستمتاع بركوبها وتأديه مهمته المخلصة الوطنية بنجاح!!
فلنسعى جميعاً الى تغيير ثقافتنا المجتمعية والاستمتاع بركوب الدراجات باعتبارها وسيلة نقل مستدامة حتى ولو بدأنا بقطع مسافات قصيرة بها، فمما لاشك فيه أثر ذلك سينعكس سريعا على مرآة المجتمع ككل وتصبح شوارعنا أكثر اتساعا ونظافة وصحة وحيوية .
|