بقلم الدكتور/ عادل عامر
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
تصدرت مصر الدول الإفريقية في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي، وفقا للتقرير الصادر عن مؤسسة أف دي أي انتل جنس، التابعة لمؤسسة فايننشال تايمز. وبلغت حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المعلنة التي جذبتها مصر خلال العام الماضي نحو 14.5 مليار دولار، لتتصدر بذلك قائمة الدول الأفريقية رغم تراجع حجم تلك الاستثمارات بنسبة 19% مقارنة بعام 2014، وبلغ حجم المشروعات التي جرى ضخ فيها تلك الاستثمارات نحو 59 مشروعا.
«إن تحقيق التنمية، الذى يعتبر بحق التحدي الرئيسي الذى نجابهه جميعاً، يستدعى منا تطوير آليات العمل الأفريقي المشترك والأخذ بنموذج التكامل والاندماج الإقليمي خاصة في ضوء الارتباط الوثيق بين متطلبات التنمية الاقتصادية في أفريقيا والحاجة إلى تنفيذ مشروعات إقليمية عملاقة في مجالات عدة بما في ذلك البنية الأساسية، فضلاً عن تعزيز تنافسية أسواقنا الوطنية بما يزيد من قدرتها على جذب الاستثمارات والنفاذ إلى الأسواق الدولية أخذاً في الاعتبار التحديات المتزايدة التي يواجها الاقتصاد العالمي،
وأود التأكيد كذلك على أهمية محور تنمية القدرات البشرية في عملنا المشترك وإيلاء الاهتمام الكافي بالشباب الأفريقي الذى يشكل عماد حاضر القارة وأساس مستقبلها، ويتعين الاستثمار فيه بزيادة الاهتمام بالتعليم وتطويره على نحو يتيح للشباب اكتساب المهارات اللازمة للانخراط بكفاءة في سوق العمل ورفع معدلات الإنتاجية والنمو وكذا التركيز على التحول إلى مجتمعات المعرفة بتطوير مجالات البحث والابتكار كركيزة أساسية للانطلاق إلى المستقبل». تسمح التشريعات في جمهورية مصر العربية بفرص ومجالات استثمارية عديدة في مختلف المجالات وفق حجم رأس المال المستثمر والتكلفة الاستثمارية المتوقعة للمشروع وقنوات التمويل ومن أهم تلك المجالات ما يلي :
- تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات :
يمكن الاستثمار في أنشطة تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات في مجالات تصميم وإنتاج الحاسبات الآلية وتطبيقاتها وتشغيلها بالإضافة الى أنشاء أدارة المناطق التكنولوجية .
-الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات :
يعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات احد الدعائم الحيوية الأساسية في مجالات الاستثمار في مصر بمردود عالي سنوي .
- النقل و اللوجستيات :
يعد أيضا قطاع النقل اللوجستيات من أهم وابرز القطاعات الحيوية لمجالات الاستثمارات في مصر .
-البتر وكيماويات :
من أهم وابرز الأنشطة الاستثمارية في مصر في الوقت الراهن والمتوقع لها مستقبل ونموا خلال الفترة القادمة .
- المنتجات البترولية :
حيث يتيح ذلك النشاط فرص مستقبلية أمام المستثمرين في مجالات الحفر والاستكشاف وصيانة الآبار والمعدات البترولية .
- الصناعات :
تعد مصر قاعدة صناعية متكاملة للانطلاق حول العالم حيث تسمح القوانين المصرية الاستثمار في كافة المجالات الصناعية على اختلاف أشكالها فضلا عن أنشطة التجميع وكافة الصناعات المغذية المتكاملة .
-التعليم :
يعد التعليم في مصر من انجح الفرص الاستثمارية في الوقت الراهن حيث تسمح القوانين المصرية بإنشاء الجامعات الخاصة والمدارس والجامعات الدولية لاستيعاب التطور السكاني في مصر عاما بعد أخر .
- الخدمات المالية :
نظرا للطفرة التشريعية التي شهدتها مصر في قوانين الاستثمار وتنظيم الأسواق المالية والنقدية نجحت بموجبها في جذب رؤوس أموال أجنبية وعربية في مجالات الخدمات المالية وتعد معها فرص استثمارية ناجحة
- تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة :
لدى مصر أيضا مجالات جديدة للاستثمار من خلال تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة وإنشاء مدن جديدة وإقامة المرافق والبنية الأساسية لها . كذلك لا يجب إغفال أنشطة أخرى لها مردود اقتصادي في مجالات الزراعة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والسياحة وإذا كان الانخراط المصري القوى في إفريقيا قد ساهم في توسيع دوائر السياسة الخارجية المصرية وإعادة ترتيب أولوياتها بحيث تكون الدائرة الأفريقية على رأس أولوياتها بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح والتحديات المشتركة، بعد الإهمال خلال عقود، فإن دفع العلاقات المصرية الإفريقية ينبغي أن يرتكز على أسس قوية ومتينة وتتمثل في:
أولا: أن ترتكز على مفهوم المصالح المتبادلة والنفع المشترك بينها في جميع المجالات، وبعبارة أخرى ما الذى يمكن أن تقدمه مصر لإفريقيا وما الذى يمكن أن تستفيد منه مصر من القارة، فرغم أن العوامل التاريخية والجغرافية والثقافية تلعب دورا فى تقوية علاقات مصر بإفريقيا، إلا أن لغة المصالح هى الضامن لاستمرار وتطور تلك العلاقات، خاصة أن هناك مجالات واسعة من التعاون وتعظيم الفرص الاقتصادية والتنموية، فمن ناحية فإن إفريقيا تمثل سوق واعدة وواسعة، تبلغ المليار نسمة، للسلع والمنتجات المصرية والتى توائم مع مستويات دخول غالبية سكانها، فى ظل القيود الشديدة التى تفرضها الأسواق الأمريكية والأوروبية على تلك السلع لاعتبارات الجودة والملكية الفكرية، كما أن إفريقيا تمثل مصدرا مهما للمواد الخام الرخيصة التى يمكن الاستعانة بها فى مشروعات التنمية المصرية مثل محور التنمية فى قناة السويس
وكذلك اليورانيوم لاستخدامه سلميا فى المفاعل النووي المصري المزمع انشاؤه فى الضبعة، إضافة لجذب الاستثمارات الإفريقية من جانب الدول الغنية كجنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال وكينيا، ولاشك أن زيادة التجارة والاستثمار يتطلب بدوره إنشاء شبكة طرق برية تربط بين مصر ودول القارة، ومن ناحية ثانية تستطيع مصر أن تساعد دول القارة فى تحقيق التنمية ودعم مجالات البنية الأساسية والصحة والتعليم والخبرات الفنية.
ثانيا: مأسسة تلك العلاقات بحيث ترتكز على وجود مؤسسات متعددة تشمل الرئاسة وكل الوزارات المعنية، والمتابعة المستمرة من جانب جميع أجهزة الدولة لترجمة مشاركة الرئيس والاتفاقيات التى يبرمها مع القادة الأفارقة إلى خطوات ملموسة ومحددة على أرض الواقع، وإجراء عملية مراجعة دورية لمستوى تلك العلاقات والمشروعات ومعرفة ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه والتغلب على العقبات التى تواجهه أولا بأول،
ولذلك تبرز أهمية إنشاء وزارة خاصة بإفريقيا وإنشاء لجان متخصصة فى التعاون مع إفريقيا للمتابعة والتنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة وكذلك مع القطاع الخاص، الذى يقع عليه دور كبير فى تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين وإعطاء الأولوية للسلع الإفريقية مثل استيراد القمح واللحوم من أوغندا وأثيوبيا بدلا من استيرادها من مناطق أخرى، بما يوجد شبكة من المصالح المتبادلة.
كما تبرز أهمية الجانب الشعبي والإعلامي والبرلمانى فى الترويج المصري لفرص ومجالات الاستثمار الواعدة فى مصر أمام الاستثمارات الإفريقية وهنا يمكن إرسال وفود بشكل دوري من جانب البرلمان والإعلام ورجال الأعمال تحت مسمى «بعثة طرق الأبواب، لتعريف رجال الأعمال الإفارقة بفرص الاستثمار فى مصر، كذلك ضرورة أن يخصص الإعلام المصرى مساحات واسعة للشئون الإفريقية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لتغيير الصورة الذهنية التقليدية لدى المصريين عن إفريقيا.
ثالثا: عدم التعامل مع القارة ككتلة واحدة، فأفريقيا تضم 54 دولة متباينة فى مستوياتها الاقتصادية والتنموية والسياسية، ولذلك ينبغى التعامل معها كخمسة مناطق رئيسية وتحديد أنماط التعامل التجارى والاقتصادى ومجالات الاستثمار وفقا لظروف وأوضاع كل منطقة. كذلك عدم اختزال العلاقة مع أفريقيا فى قضية مياه النيل وسد النهضة، بل تتجاوز ذلك إلى مجالات أوسع وأرحب. وإذا كانت مصر تلك رصيدا وأساسا قويا فى إفريقيا يعكسه دعم مصر فى تحرير دول القارة من الاستعمار، فإن مستقبل العلاقات المصرية الإفريقية يتطلب رؤى واستراتيجيات جديدة.
|