الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

خانقاة سعيد السعداء من دار للوزراء لمأوى للفقراء

خانقاة سعيد السعداء من دار للوزراء لمأوى للفقراء
عدد : 09-2017
كتبت : الشيماء علي

بدات جولتنا في احد الأركان المنزوية بجوار مدرسة الجمالية الابتدائية،تجاه حارة المبيضة على يمين السالك من شارع الجمالية- ذاك الشارع العريق الذي يضم بين حواريه العديد والعديد من الاماكن التاريخيه - حيث استقر مسارنا به عند مكان محاطاً بالقمامة، وجذوع الأشجار المتراكمة التي تكاد تخفي واجهته ، عمره مئات السنين، ومن المؤسف انه بنفس حالة غيره من علامات مصر التاريخية التى تراكم عليها غبار الإهمال وأصبح منسياً لا يعرف قصته سوى من يبحث ورائها . ولم يكن حظه افضل من غيره من تراثنا المنسي الذي يحمل خلفه قصه لتراثاً لم يعد قائماً وسط زحام الحياة التى لم تسمح بالاهتمام بتراثنا واثارنا التي تسرد لنا قصة حقبة من تاريخها الطويل، والذى ربما ان وجد اكتفى بالظهور فى كتب تآكلت أطرافها بفعل السنوات والاهمال.. أنه خانقاه سعيد السعداء..


والخانقاه هي كلمة فارسية معربة عن كلمة خان و يقصد بها البيت او دار الأكل المخصص للملك, بالإضافة إلى أنها تعني البيت الذي ينزل به الصوفية ويقيمون فيه. وقد نسبت إلى لقب أحد موظفي الدولة الفاطمية وهو صاحب الدار- القصر الذي بناها في القاهرة برحبة باب العيد مقابل دار الوزارة الفاطمية والتي تعرف حاليًا بخانقاة "الجاشنكير" . وكانت تلك الخانقاه أول دار تعرف في عصر الدولة الفاطمية ب"دار سعيد السعداء"، وهو كما يقول "ابن ميسر" اسمه بيان ولقبه سعيد السعداء أحد الأستاذين المحنكين خدام قصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمى.

وكانت هذه الدار مقابل دار الوزارة فلما تولى الصالح طلائع الوزارة سكنها وفتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض ليمر فيها، فلما استولى صلاح الدين الأيوبى على مصر وقف هذه الدار على فقراء الصوفية الوافدين من البلاد النائية في سنة 569هـ ، والذي كان له اهتماما كبير بهم.

وكانت تلك أول خانقاه أنشئت في مصر فيها ينقطع الشيخ للعبادة فترة غير قصيرة، وتعرف بجامع سعيد السعداء وبمدرسة سعيد السعداء والخانقاه الصالحيه ، وبالتالي تحولت تلك الخانقاة إلى دار إقامة مخصصة لسكن استقبال الصوفية الوافدين من مختلف البلاد والجنسيات, وتم تجهيزها بكافة المستلزمات المطلوبة للتفرغ للعبادة الصلاحية وولى عليهم شيخا ،ووقف عليهم كثيرا من الأوقاف العقاريه بالقاهرة وقد جاء في شرط الوقفية أن من مات من الصوفية وترك عشرين دينارا فما دونها كانت للفقراء ولا يتعرض لها الديوان السلطانى ، ومن أراد منهم السفر يعطى تسفيرة ورتب للصوفية في كل يوم طعاما ولحما وخبزا وبنى لهم حماما بجوارهم، وهنا يقول المقريزى: فكانت أول خانقاه عملت بديار مصر وعرفت باسم (دويرة) الصوفية ونعت شيخها بشيخ الشيوخ واستمر ذلك بعده الى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة ست وثمانمائة .

واتغيرت الاحوال وتلاشت الرتب فلقب كل شيخ خانقاه ب"شيخ الشيوخ" وكان سكانها من الصوفية يعرفون بالعلم والصلاح وترجى بركاتهم وولى مشيختها الاكابر والاعيان كأولاد شيخ الشيوخ (بن حموية ) ، مع ما كان لهم من الوزارة والامارة وتدبير الدولة وقيادة الجيوش وتقدمه العساكر ووليها ذو الرياستين الوزير الصاحب قاضى القضاة تقى الدين عبد الرحمن بن ذى الرياستين الوزير الصاحب قاضى القضاة تاج الدين ابن نتب الاعز وجماعة من الاعيان.

ونزل بها الاكابر من الصوفية ، كما يقول الشيخ احمد بن على القصار -رحمه الله تعالى- انه أدرك الناس فى يوم الجمعة يأتون من مصر الى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عندما يتوجهون منها الى صلاة الجمعة بالجامع الحاكمى كى تحصل لهم البركة والخير بمشاهدتهم وكان لهم فى يوم الجمعة هيئة فاضلة وذلك انه يخرج شيخ الخانقاه منها وبين يدية خدام الربعة الشريفة قد حملت على رأس اكبرهم والصوفية مشاة بسكون وخفر الى باب الجامع الحاكمى الذى يلى المنبر فيدخلون الى مقصورة كانت هناك على يسرة الداخل من الباب المذكور تعرف بمقصورة البسملة فانه بها الى اليوم بسملة قد كتبت بحروف كباب فيصلى الشيخ تحية المسجد تحت سحابة منصوبة له دائما وتصلى الجماعة ثم يجلسون وتفرق عليهم اجزاء الربعة فيقرأون القرآن حتى يؤذن المؤذنون فتوخذ الأجزاء منهم ويشتغلون بالركع واستماع الخطبة وهم منصتون خاشعون فاذا قضيت الصلاة والدعاء بعدها قام قارئ من قرأ الخانقاه ورفع صوته بقراءة ما تيسر من القرآن ودعا للسلطان صلاح الدين ولواقف الجامع ولسائر المسلمين فاذا فرغ قام الشيخ من مصلاه وسار من الجامع الى الخانقاة والصوفية معه كما كان توجههم الى الجامع الحاكمى فيكون هذا من أجمل عوايد القاهرة وما برح الامر على ذلك الى ان ولى الامير يلبغا السالمى نظر الخانقاه المذكورة فى يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخر سنة 797 فنزل اليها وأخرج كتاب الوقف واراد العمل بما فيه من شرط الواقف فقطع من الصوفية المنزلين بها عشرات ممن له منصب ومن هو مشهور بالمال وزاد الفقراء المجردين وهم المقيمون بها فى كلي يوم رغيفا من الخبز فصار لكل مجرد اربعة ارغفة بعد ما كان ثلاثة ورتب بالخانقاه وظيفتى ذكر بعد صلاة العشاء الآخر وبعد صلاة الصبح فكثر التكير على السالمى مممن أخرجهم وزاد الاشلاء فقال بعض ادباء العصر ذلك :

يا أهل خانقة الصلاح أراكم *** ما بين شاك للزمان وشاتم
يكفيكم ما قد تكلتم باطلا *** من قفها وخرجتم بالسالم

وقد أفتى شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينى فى ذلك الوقت أن يعمل بوقفية الخانقاه، وتكون الخانقاه وقفا على الطائفة الصوفية الواردة من البلاد الشاسعة والقاطنين بالقاهرة ومصر فإن لم يوجد كانت على الفقراء من الشافعية والمالكية الأشعرية وكان فى ذلك الوقت والى القاهرة الامير علاء الدين على بن الطبلاوى.


وشغلت هذه الخانقاة مساحة واسعة حيث امتازت بالبناء المتكامل, وكانت لا تحتاج إلى ترميم أو إضافات سوي حمام ألحق بجانبها.وبها المدخل الرئيسي عبارة عن باب خشبي مكون من مصراعين خالي من الزخرفة يعلوه عقد حدوى الشكل, وعلي يمين مدخل الخانقاه يوجد النص التأسيسي.

اما داخل الخانقاه عبارة عن واجهة حجرية بسيطة الشكل بها صحن أوسط مربع مكشوف يحيط به أربعة إيوانات يستخدم كل منها للدرس والتعلم والذكر, حيث تم التدريس فيها على أيدي علماء وشيوخ على درجة كبيرة من الشهرة والعلم, حيث كان الإيوان الشمالي الغربي مخصص لخلاوى الصوفية, في حين أن الإيوان الجنوبي الشرقي يعد من أهم الإيوانات حيث كان مسم إلى ثلاثة أروقة, ويطل علي الصحة ببائكة مكونة من خمس عقود محمولة على أربعة دعامات حجرية مثمنة, ويحتوى هذا الإيوان على المحراب.

وقد جددها العزيز عثمان بن صلاح الدين سنة 593 هـ / 1196 م وأوقف عليها عدة أوقاف منها وكالة بمدينة دسوق نص نقشها التأسيسي على أنها أوقفت على دار سعيد السعداء بمحروسة القاهرة.

وقد تغيرت معالم هذه الدار في عهد الأشرف قايتباي وظلت عناية المماليك قائمة علي هذه الخانقاه حتى ظلت محتفظة بهيبتها وطقوسها وأوقافها المخصصة لها والأخرى, وعرفت بتسميات متعددة منها خانقاة سعيد السعداء, والصلاحية, ودويرة الصوفية.

وتمتعت هذه الخانقاة بنظام وترتيب داخلى للقيام بالعبادة ووظيفة الذكر, حيث كان شيخ الخانقاة في ذلك الوقت يترأس مجلس الذكر, وكانت الخانقاة لا تحتوي في بداية الأمر على مسجد جامع حتى عصر المماليك, وأضيف إليها مئذنة ومنبر, على نسق المنشأت الدينية متعددة الوظائف في العصر المملوكي, كما احتوت الخانقاة علي لجنة طبية من طبيب وجراح وكحال وصيدلية مجهزة بالأدوية والأشربة للحفاظ على صحة الصوفية, والذين تم اختيارهم بدقة.

وتخضع الخانقاه حالياً لعملية ترميم طبقا لمشروع تطوير القاهرة التاريخية ولكن من المؤسف أن معظم ملحقات هذه الخانقاة الفريدة دخلت ضمن ما يجاورها من مبانٍ مستحدثة، حتى حمام الخانقاة!!!

 
 
الصور :