بقلم الدكتور/ إبراهيم حسن الغزاوي
المهنة: مواطن مصري
eommar@hotmail.com
algh0031@umn.edu
داهمتني الفكرة على غير انتظار أو توقع ...فكلما ابتعدت عنه كثيرا ..يغيب عن بالي لبعض الوقت ..وما أن أذكره حتى تتداعى في فكرى العواطف والمشاعر...فأشعر بالتقصير..وربما الذنب...فما عهدى به أنه ابتعد عنا ..حتى وإن تباعدنا نحن عنه سنين وسنين ...ومهما دارت بنا الدوائر...في الخير وفي غير ذلك ..كان هو دوما هناك...على البعد قريب منا جميعا...أبو الهول ... رمز البقاء لمصر العزيزة في كل الأزمان....
وقادني إليه اليوم إحساسي به دون استئذان...في ذهني تلاطمت الأفكار ..وعندي من المواضيع العديد التي وددت لو طرحتها عليه في وقتها...لكنه الانشغال ربما ..أو خشيتي من حساباته اليسيرة الصعبة..فما يفرحني عادة يحوله هو إلى مسارات فكرية عميقة ...صحيح استفيد منه ..فالمعرفة كنز من صاحب المعرفة الأبدية في تاريخنا الطويل ..لكن يؤلمني أنها تظل حبيسة الصدور..لا تبارح النفوس إلى الأفعال...اتفقت معه في كل ما قاله سابقا ..وهذا ربما ما أبعدني عنه لبعض الوقت...
نعم...إنه يحاسبنا جميعا ...لا بأس سأذهب إليه ...فأنا إليه جد مشتاق ..وطلته الرائعة في البهاء الوجودي تنطبع في قلبي قبل أن تراه عيناي...
لا أنكر أنني أحب أن أهيم في حضرته ...وهو يأخذني برحلة أبديه في ملكوت البقاء والديمومة...لكنني أيضا لا أنكر فضله في الفكر وطرح أمورنا في بساط التحليل الطيب والعاقل...ليختصر لنا من العمر أزمانا ..فقط لو كنا نعقل له قولا أو نسمع منه فكرا... ولذلك عندما أطربني اعتماد بابا الفاتيكان لأيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر ...جاءتني صورته على عجل ...فقررت أن أحاوره ..وأرى رأيه في ذلك...فذهبت إليه...في ظهيرة اليوم..وأجواء صيف يحتضر ..ونسيم يوم لطيف ..لمحته في البعد رابضا كعادته ...فاقتربت منه ...أحبه في النهار أكثر من الليل ..وأحترمه وأجله في الليل أكثر من النهار...لكنني استمتع منه باللقاء في الليل والنهار ...ولست أدرى..أهو لهف المحبين أم إجلال المقدرين ...
السلام عليك يا حارس التاريخ ... التفت إلي في بهاء النهار المشمس بلطف ...وابتسم هو في تؤده ووقار ليس غريبين عليه ...وقال ..وعلى مصر السلام والمحبة والمسرة دوما بإذن الخالق الأعلى ....
وكأنه قرأ في عقلي الفكرة ..السلام...المحبة...المسرة....كيف له ذلك ؟
سيدي ....
وكأنك علمت ما أنا قادم إليك فيه...فكيف تراه؟
وما الجديد يا ولدي؟.. إن هي إلا خطوة ظاهرية تحتفلون بها لخواء جعبتكم من الإرادة ..لكنها ليست بالجديد...فمصركم مسيحية مثلما هي إسلامية..ومصركم فرعونية في أصل حضارات البشر ... وقوة مصر الأبدية في احتضانها لأديان الديان كلها ...ولا تنسى يا ولدي أن بلادكم هي أصل التوحيد ...فكان طبيعيا أن تحتضن العائلة المقدسة ..السيدة مريم البتول و أبنها النبي عيسى عليه وعلى نبيكم وكل أنبياء الله كل الصلاة وكل السلام...
بادرته وقد تدفقت في عقلي الفكرة ..ربما لم أتوقع رده...سألته: أراك ليس متحمسا يا سيد الزمان ..لماذا؟
أشاح بيده بعيدا ...ورد باستنكار شديد..من قال لك ذلك ؟ هل قرأت عقلي؟ إنما أنا مشفق من طموحاتكم العالية لأن هممكم بالغة الضعف والفتور...
كيف ذلك يا سيدي؟ سألته وقد حيرتني إجابته ...
يا ولدي...لقد حباكم الله بألف سبب وسبب للتفرد والتطور والغنى..وأنتم تباريتم على مر العصور في تجاهلها ..ولو كان لديكم نصف همة غيركم من المجتمعات المعتدلة في أمورها..لكان لكم شأن آخر...لكنكم اثاقلتم إلى الأرض ..ورضيتم بالقليل من العيش والزهيد من الثراء في كل صوره ...
زدني من العلم يا سيدي ..سألته وانا متحير أكثر...
يا ولدي ..دعنا من الذي فات وانتهى..لكنني فقط أود اليوم أن أضع موضوعكم الجديد في نصابه ..لأنه لا يصح مطلقا أن تعاملوه كما تعاملتم مع باقي أموركم المعيشية..وإلا كان ذلك لكم خزي وعار أمام شعوب البسيطة ...
كيف يا سيدي؟
إذا كانت إرادة الله أن يسخر لكم أولى الأمر في المسيحية في كبريات كنائسهم ..وأن يطوع لكم محبة وطاعة مسيحيي مصر والشرق والغرب ...وأن ييسر لكم محبة العالمين ...فما عليكم إلا أن تبادلوا الحب بحب ..والاحترام باحترام ..والتقديس بالتوقير...
كيف ذلك يا سيدي ؟
سألته ...
الله تعالى سخر لكم هذا الأمر ..ولعله يخرجكم من العنت الذي يحيط بكم..فعليكم أن تهتموا به بجدية ويقين...وتتعلموا من أشقائكم بالمملكة العربية السعودية كيف يكون الاهتمام بالحجيج..وكيف تسخرون كل طاقاتكم لجعل تلك الرحلة لحجيج العالم متعة ما بعدها متعة..متعة للروح وقبلها متعة وراحة للنفس والجسم...
عليكم أن تتعلموا كيف تتعاملوا مع ضيوفكم وتحسنوا إليهم..ولا تنفروهم أو تغتالوا متعتهم باستغلالهم...وعليكم أن تشعروهم أنهم في بلدهم وفي وسط أهلهم ...وكذلك أن تقدموا لهم ما يصح من التيسيرات التي تجعل وجودهم بينكم أمرا محببا لنفوسهم ...وأمنا وسلاما على نفوسهم ومتعلقاتهم ...
أحسنوا إليهم تحسنوا لأنفسكم...ولا تتركوهم نهبا لجشع أحد من الجهال...ولترتقوا بثقافاتكم لتحسنوا ضيافتهم..فهم حجيج لله أيضا ... وما هم في وجودهم بينكم إلا محبة منهم لدينهم وقربى من الله بزيارة مسار العائلة المقدسة...وهي مقدسة أيضا لديكم ..مسيحيين ومسلمين....
لكن يا سيدي...
قاطعني بشدة ..واعتدل في وقفته ...وقال ...يا ولدي ..أتركني الآن ..أنا في حضرة المسيح ...استجلبه بروحه وعطائه وسلام رسالته للبشرية ومودته إلينا ... وأعلم أنه في سماحته ونبوته ورسالته ..نفحة من نور الرحمن خالقنا جميعا ...اتركني وشأني يا ولدي فأنا الآن في أمر عظيم ...
تركته مسرعا ..ولم أره قبل ذلك في مثل تلك الحالة من الانشغال الداخلي بأمره ...وأطلقت العنان لفكري في مقولته الأخيرة أنه في حضرة المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ...
وأعلم أن كل ما قاله عن واجبنا نحو حجيج العالم الذين سيأتون إلينا في زيارة لمسار العائلة المقدسة ...صحيح كل الصحة ..
فهل نعتبر؟
|