بقلم الدكتور/ عادل عامر
تعد صناعة السبح من الفن المصري الأصيل للتراث اليدوي، مهما نافسها أي منتج دولي آخر، وحتى إن كانت الصين.
الصناعة التي تمتد لمئات من الأعوام، يتوارثها الأجيال جيلًا يلي الآخر، ورغم أنها من الصناعات القابلة للاندثار، إلا أنها تظل متفردة عن الصناعات الصينية المنافسة لها، بسبب العنصر اليدوي الذي يميزها، ولا يوجد في الصناعة الصينية التي تهتم بالكم دون الكيف.
أن هناك سلعا استفزازية لكنها لا تمثل نسبة كبيرة من جملة المستورد.. كما أن هذه السلع كانت في فترات من 2010 وحتى أوائل العام الماضي ولم تعد تستورد بالكميات التي كانت تستورد بها منذ عام. فاتورة الاستيراد مؤخرا اتت بنتيجة مفزعه مصر تستورد سنويا بـ 60 مليون دولار سبح وجلاليب لان حركة السوق الداخلية أيضا توضح حجم استهلاك الفرد المواطن ونوعية استهلاكه وهو ما يشير إلى معدل الدخل.
إن الاستهلاك المحلى تحول بشكل كبير إلى الاستهلاك العائلي والذى يتعلق بالمنتجات الضرورية وتحول أيضا إلى السلع الشعبية مثل الفول والخبز والذرة والمنتجات الغذائية منخفضة الثمن في مقابل انخفاض ملحوظ في استهلاك اللحوم والدواجن والسلع الغذائية مرتفعة الثمن والابتعاد عن السلع المستوردة التي تكون في الغالب مرتفعة الثمن متأثرة بارتفاع سعر الدولار.
أن عمليات الاستثمار تحتاج إلى حركة شاملة للسوق لأنه بدون استهلاك فإن المشاريع معرضة للفشل. أن أي تغيير في سعر العملات الأجنبية الرئيسية وخاصة الدولار يؤثر سلبا أو إيجابا على السوق المصرية ويبدو ذلك جليا في ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي تدخل فيها مكونات مستوردة.
أن مُصدر السلعة التي يدخل فيها خامات مستوردة سوف يتحمل زيادة سعر الدولار بينما سيستفيد من تلك الزيادة المصدرون لسلع خاماتها محلية مثل الحاصلات الزراعية من الخضر والفاكهة. أن نسبة السلع المهربة المتداولة في السوق حاليا تتراوح بين 20 إلى 30 ٪ من حجم السلع المتداولة مما يعنى أن السوق المصرية تعمل في السلع الرديئة أو المهربة.
أن السوق المصري في حركة دائمة ومستمرة بحكم آليات الطلب المتزايد نتيجة التزايد السكاني وضرورة إشباع تلك الاحتياجات عن طريق الاستهلاك المباشر وغير المباشر لما يطرح بالأسواق سواء سلع أو خدمات .
أن السوق المصري سوق استهلاكي من الدرجة الأولى وهو ما يدفع الحكومة والقطاع الخاص إلى القيام بعمليات استيراد كبيرة من الخارج في بعض الأحيان تكون تلك العمليات لمنتجات تتوافر في الأسواق من الإنتاج المحلى
تشهد صناعة وتجارة السبح رواجها السنوي المعتاد خلال شهر رمضان لكن العاملين بها يشعرون بالقلق على مستقبل الحرفة بسبب عزوف الأجيال القادمة عن تعلمها. وتواجه هذه الحرفة بالغة الدقة، والتي تشتمل على تقطيع وتهذيب ونظم قطع صغيرة من الخشب في حبات صغيرة، خطر أن تصبح حرفة عفا عليها الزمن لأن أعداد الشباب الذين يحاولون تعلمها تقل.
ورغم ارتفاع مبيعات السبح خلال شهر رمضان المبارك فإن أصحاب الحرفة يشكون من أنهم يعانون أيضا من صعوبة الحصول على الدعم الحكومي. إن المبيعات تزيد في رمضان بنحو 60% وسط الأجواء الإيمانية التي يشهدها شهر رمضان. وتتضمن الحرفة المعقدة استخدام أدوات أو آلات قديمة لتقطيع قطع صغيرة من الخشب وتنعيمها وتحويلها إلى تصاميم زخرفية دائرية ومستطيلة مختلفة قبل نظمها في خيوط كل 33 حبة في خيط أو كل 99 حبة في خيط. وتم إدراج الآلات مؤخرا في عملية الإنتاج للمساعدة في عمل التصاميم التفصيلية الأصغر حجما، ولكن بالرغم من ذلك لا تنجذب الأجيال الأصغر سنا إلى هذا العمل. إن المهنة تنقرض ببطء مع تضاؤل المساعدات الحكومية.
وفي الوقت الذي لم يتبق فيه سوى أيام قلائل على نهاية شهر رمضان يتوقع العاملون في صناعة السبح عملا مستقرا في الوقت الراهن فيما يفكرون في المستقبل غير المضمون لمهنتهم. لان حالة البيع والشراء انخفضت عن العام الماضي بنسبة تصل إلى 90%.
غلاء أسعار المواد الخام وإغراق السوق المصري بالسبح الصينية، مستجدان يهددان صناعة السبح اليدوية في مصر بالاندثار، بعدما ظلت مصر الأولى عالميا في تصنيع وتوريد السبح إلى كل دول العالم بما فيها أرض الحرمين الشريفين. أن "المصريين أخذوا صناعة السبح عن تركيا في العهد الفاطمي حينما كانوا يشاهدونها في يد القادمين من الدولة العثمانية لتسبيح الله، وذاع صيت السبحة كمظهر من مظاهر التقوى".
"أسعار السبح التي نتحدث عنها تبدأ من 500 جنيه (حوالي 70 دولارا أمريكيا) وقد تصل إلى بضعة آلاف، أما أسعار السبح الصينية فتبدأ من جنيه (حوالي 0.15 دولار أمريكي) ولا يتجاوز سعر الواحدة منها 5 جنيهات مصرية (حوالي 0.7 دولار أمريكي) فقط لا غير".
أن "السبحة الصينية بعد فترة وجيزة للغاية تفقد لونها وتبدأ في التلف نظرا لأنها مضغوطة بماكينات وألوانها ليست طبيعية، أما المصرية فيستخدم فيها حجر عتيق تزيد قيمته مع الوقت ولا يتلف أبدا". وتبدأ الصناعة بتقطيع حبّات السبحة وفقا للحجم المستهدف بواسطة "خراط" ثم يتولى عامل آخر لف هذه الحبّات كي تأخذ الشكل الدائري المعروف عن السبح، ليتولى عامل آخر تطعيمها بالفضة أو أي حجر كريم متوفر.
وبعد ذلك تأتي مرحلة الصنفرة وفيها يتم مساواة كل حبّات السبحة في حجم واحد متقن، لتستمر هذه العملية حتى تكتسب السبحة ملمسا ناعما مميزا وأخيرا يتولى عامل تلميع حبات السبحة كي تظهر بشكل برّاق قبل أن يتولى عامل أخير مسئولية تجميع حبات السبحة بشكل متجاور لتصبح جاهزة للبيع والتداول.
السبحة هي قدر الإنسان أوقعته الأزلية منذ الخليقة تماما كما هي قاعدة التطور الزمني الدنيوي والديني عبر الأجيال الماضية كانت معه ولازمته مع كل العصور مرة ضرورة وأخرى حاجة ثم هواية ورغبة وهكذا
وكانت مع طقوسه الشكلية ثم سارت مع الإنسان للتزيين والتسلية مرة ومرة أخرى للتدين والتسبيح ومن هنا ارتبطت بأسماء الله الحسنى يسبح بها الرجل وتسبح بها المرأة على حد سواء ويدق طرقاتها اصواتا تسبح لله خرزة فوق الأخرى ويؤثر إيقاعها مع دقات قلب المؤمن المفعم قلبه بالإيمان والتوحيد قائلة له لا اله إلا الله ألا إن يوم الحساب قريب والساعة آتية لا ريب فيها يوم لا ينفع مال ولا بنون وكل نفس ما كسبت واحتسبت.
ولكل ذلك ترتبط السبحة بالإنسان العارف إنسانيته وخلقه وخلفه وصلاحه وورعه ،تارة يسرح في التأمل وتارة أخرى في التعبد والتذكر والتبتل هدهدت أصواتها شعور المتصوفة حتى كانت شارتهم عبر الأجيال كما ربطت قلوب المؤمنين بالمناسك والعبادات والدعاء والعطاء.
لقد كان المؤمن والمتصوف والمتبتل يقتنيها واحدة لا غيرها طول البقاء لا يفكر في معدنها ولا في لونها ولا في ثمنها ولا يهيئ لها الصياغة والفن ولا يربط مئذنتها بحلقات الذهب والفضة خيطها سائبا ليس فيه زينة كالقلوب والكراكيش والكرات أو الزناجيل الذهبية والفضية إما الشاهدان فقد كانا على شكل مخروط من الخشب أو مربع أو مستطيل خال من أي نقش أو فن وفي اغلب الأحيان تكون من الخشب. |