بقلم الدكتور/ عادل عامر
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
ان التقدم الذى أحرزته مصر فى برنامج الإصلاح الاقتصادي وإتمام اتفاق صندوق النقد الدولي بمنح مصر 12 مليار دولار، ونجاح إصدار مصر لسندات دولية بقيمة 7 مليارات دولار، وتعبئة أرصدة الاحتياطي النقد الأجنبي لمستوى 36 مليار دولار، مؤشرات هامة تصب فى زيادة ثقة المؤسسات الدولية والمجتمع الاستثماري العالمي فى مستقبل الاقتصاد المصري بالتالي استمرار النظرة المستقبلية المستقرة من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني الدولي، وتحسن التصنيف مستقبلًا بما يشجع على جذب الاستثمار الأجنبي.
لذلك الأسعار انخفضت 0.5% عن مستواها قبل عام في الشهر الماضي لتسجل أول هبوط منذ مطلع القرن الحالي وتراجعت 0.4% عن مستواها في ديسمبر. وانخفضت أسعار الأغذية والمشروبات 5.2% مقارنة مع مستواها قبل عام في يناير لأسباب من بينها استقرار الدولار الأمريكي المربوط به بالجنية شهدت أسعار السلع الغذائية الرئيسية استقرارا ملحوظا في الأسواق المصرية خلال شهر مارس الماضي بسبب تراجع حركة الطلب والركود الحاد بالسوق، بنحو 50 % مقارنة بالعام الماضي .
ولم ينعكس الانخفاض الملحوظ في أسعار الغذاء العالمية والذي قدره البنك الدولي بمتوسط 9 % خلال شهر فبراير ، علي السوق المصري الذي يعاني من ارتفاعات سعرية منذ ديسمبر من العام الماضي تتراوح ما بين 5 الي 25 %.لان متوسط إنفاق المصريين علي الطعام بنحو 250 مليار جنيه سنويا ( 36.7 مليار دولار)، منها 80 مليار جنيه يتم استيرادها، بنسبة 50 % من متوسط دخل الفرد سنويا، والمقدر بنحو 2700 دولار .
أن شهر اكتوبر الماضي شهد استقرارا نسبيا وربما يكون مؤقتا بسبب تراجع الطلب في السوق بشكل حاد. على المستوى الشهري تراجع معدل الزيادة فى التضخم إلى 1.0% فى سبتمبر 2017، حيث بلـغ الرقـم القياسي العــام لأسعــار المستهلكين لإجمالي الجمهوريـة (262.3) لشهـر سبتمبر 2017، مسجـلًا ارتفاعـًا قـدره (1.0%) عـن شهــر أغسطس 2017. وكان معدل الزيادة قد وصل إلى 1.2% فى الشهر السابق (أغسطس عن يوليو).
فقد شهدت الأسواق خلال الفترة الحالية استقرار إلى حد ما في أسعار الفاكهة والخضروات، وذلك من خلال رصد الأسواق والتجار، ووصلت الأسعار إلى سعر الكيلو الطماطم 5 جنيهات، والخيار الصوب 8 جنيهات، والخيار البلدي 6 جنيهات، الباذنجان الرومي 5 جنيهات، والباذنجان العروس الأسود 5 جنيهات، والباذنجان الأبيض 5 جنيهات، والبطاطس 4 إلى 5 جنيهات، البصل الأحمر 5 جنيهات ، والبصل الأبيض 4 جنيهات، والجزر 7 جنيهات. بينما وصل الثوم البلدي 20 جنيها للكيلو، والثوم الصيني 15 جنيها، والفلفل الرومي 6 جنيهات، والبطاطا 5 جنيهات، والملوخية 2 جنيه للرابطة، والليمون 14 جنيها، الكوسة 10 جنيهات والبامية 20 جنيها، والفلفل الألوان 14 جنيها، السبانخ 2 جنيه للرابطة، القلقاس 12 جنيها، والفاصوليا 20 جنيها.
وهذا يرجع الي زيادة الاحتياطي النقدي يهدف الي توفير السلع الأساسية، حيث أن المعدل الآمن لها والمتعارف عليه عالميًا، تغطية 3 أشهر من الواردات السلعية، وفى الحالة المصرية، فإن معدل الاستيراد الشهري لمصر يصل إلى نحو 5 مليارات دولار قيمة استيراد مصر من الخارج، وبالتالي فإن الأرصدة المتوقعة بنحو 32 مليار دولار، بنهاية يونيو 2017، تشير إلى ارتفاع تغطية الواردات إلى أكثر من 6 أشهر من الواردات السلعية للبلاد، بما يؤكد قدرة مصر على توفير السلع الأساسية والاستراتيجية.
وكذلك جاءت نسب استهلاك المصريين الي الانخفاض ترشيد الاستهلاك مما ادي الي تقليل الضغط الاستيرادي للسلع بالتالي ادي الي عدم الضغط علي الدولار لتوفير الفاتورة الاستيرادية للسلع الاستهلاكية للمصريين أن الملابس البالة المستوردة تأتي من الاتحاد الأوروبي وهو ما جعل هناك زيادة بالغة في الأسعار التي أثرت على البائعين كما أنها أثرت على المشتري الذي انصرف عن الشراء من وكالة البلح بسبب الزيادة المتواجدة في أسعار الملابس. ، أن مثل هذه الإجراءات لا تؤدي لخفض دائم ومستقر للأسعار بدليل ارتفاع معدلات التضخم، ولكن هي إجراءات مؤقتة لتعويض شرائح من المواطنين عن موجات الغلاء التي حدثت في الماضي والآن.
بسبب الأحوال السياسية و أجواء الإرهاب التي شهدتها مصر علي مدار العامين المنصرمين، فقد أدى هذا إلى تدهور حالة السياحة بشكل سيء للغاية مما أدى إلى انخفاض العائدات السياحة كنتيجة طبيعية وأيضاً ارتفاع سعر الدولار فقد كانت السياحة المصرية من أهم مصادر العملة الصعبة داخل البلاد .
في وسط كل ما سبق والارتفاع الشديد في سعر الدولار الذي صاحبه إجراءات تعسفية من البنك المركزي و تقليل الحد المسموح به للسحب، فقد لجأ المستثمرون للسوق السوداء لسد احتياجاتهم من العملة الصعبة ليقعوا تحت رحمة تُجار العملة و أماكن الصرافة و التي تقوم ببيع الدولار بسعر أغلى من البنك، فقد يتراوح الفارق بين 1.5 إلي 2 جنيهاً مصرياً بينهم و بين البنك، هذا غير أن منهم من أحس بقدوم الأزمة و قام بتجميع ما يستطيع من الدولار ليستطيع صرفه بعد ذلك وسط انفجار الأزمة وهذا بالطبع سبب انخفاض كمية الدولار في السوق و ارتفاع سعره.
تحدث حالة ارتفاع الأسعار نتيجة أسباب مختلفة منها حالة العرض والطّلب في السّوق، فهناك فترات زمنيّة تحدث فيها زيادة طلب على سلعٍ معيّنة وبالتّالي ترتفع أسعار تلك السّلع نتيجة نقصان المعروض، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار جشع التّجار واستغلالهم للوضع الاقتصادي الذي يسمح لهم بزيادة الأسعار بدون وجودٍ رقيبٍ عليهم وعلى تصرّفاتهم، وقد يكون الاحتكار أيضًا من الأساليب التي تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار، فالتّاجر عندما يقوم باحتكار السّلع من خلال وضعها في المخازن ثمّ عرضها في وقت حاجة النّاس إليها فإنّ ذلك يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بلا شكّ، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار قلّة إنتاج السّلع في الدّول المنتجة والمصدّرة.
إنّ الدّول تتّخذ سياسات اقتصاديّة متنوّعة للتّعامل مع حالة ارتفاع الأسعار، فالدّول الاشتراكيّة تقوم بتنفيذ سياسات تستهدف إعطاء الدّول دوراً أكبر للتّدخل في سياسات السّوق وضبط الأسعار من خلال تحديد قائمة أسعار لعددٍ من السّلع والخدمات وخاصّة السّلع الأساسيّة منها، كما توفّر تلك الدّول سياسة أمان اجتماعي تستهدف توفير الحماية لذوي الدّخول المتدنّية والمحدودة للحدّ من تغوّل ارتفاع الأسعار في حياتهم ومعيشتهم، وهناك الدّول الرأسماليّة التي تترك السّوق على حاله بمعنى أنّه يحكم نفسه بنفسه وفق معطيات العرض والطّلب وإن وفّرت بعض تلك الدّول حزمة سياسات لتحقّق الأمان الاجتماعي لبعض الشّرائح الفقيرة. المواطن فـي ظل ارتفاع الأسعار صفوة القول، وفى ضوء الجهود الحكومية المبذولة لمحاصرة ظاهرة التضخم، فإننا نعتقد أن رسم استراتيجية وطنية تستهدف زيادة نسبة المكون المحلى فى النشاط الاقتصادي هي أهم تلك الجهود قاطبة!
إن التحليل السابق يكشف عن حقيقة أساسية مفادها أن ارتفاع الأسعار فى السوق المصرية أخيرا يرجع فى جانب مهم منه لانخفاض نسبة المكون المحلى فى النشاط الاقتصادي، كما يوضح أن أحد معايير الحكم على فاعلية السياسات الاقتصادية فى مكافحة التضخم هو مدى قدرتها على زيادة نسبة المكون المحلى فى النشاط الاقتصادي. |