بقلم الدكتور/ عادل عامر
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
إن عملية استرداد الأموال مهمة صعبة وشاقة، حيث إنه من الصعب إقناع أي دولة في العالم بفك السرية عن الحسابات المصرفية في بلادها لتتبع هذه الأموال، وقد أعطى ذلك انطباعا لدى الدول التي سبق وأن جمدت بعض الأصول المملوكة لمبارك، بأن الحكومة المصرية لا تمتلك دليلا مقنعا على أن هذه الأموال تم التحصيل عليها من فساد، أو استغلال المنصب، أو بأي طرق أخرى غير مشروعة، ان مصر يحب ان تستخدم حجمها وثقلها السياسي في الضغط علي الدول الأجنبية برد الاموال بأسلوب سياسي وليس قانوني، ولدينا امثله لدول استطاعت رد اموالها بسياسات مختلفة فإيران استرد اموالها عام 1979 المهربة إلي أمريكا عن طريق القوة والعنف وكانت نحو 24 مليار أخذها شاه ايران وهربها لأمريكا.
تعد سرقة الأصول العامة مشكلة إنمائية على أكبر درجة من الخطورة، وتتجاوز التكلفة الحقيقية للفساد بكثير قيم الأصول التي ينهبها قادة البلدان، مما يفضى إلى تردى المؤسسات العامة وعدم الثقة بها، وبخاصة تلك المنخرطة في إدارة الماليات العامة وحوكمة القطاع المالي.
وادراكاً منه لتلك المشكلة الجسيمة والتي تهدد عملية التنمية في دول العالم المختلفة، طرح المجتمع الدولي إطاراً جديداً لتيسير تتبع الأصول المنهوبة من خلال الممارسات الفاسدة وتجميدها ومصادرتها وإعادتها إلى بلدانها الأصلية، وذلك في فصل كامل باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث عرفت الاتفاقية إعادة الأصول بأنها مبدأ أساسي من مبادئ الاتفاقية، والدول الأطراف مطالبة بأن تقدم لبعضها البعض أكبر قدر من التعاون والمساعدة في هذا الصدد.
ان الثابت تاريخيا ان القانون الدولي عنصر سياسي وليس قانونيا فقط فالقضية اذن قضية سياسية أكثر من كونها قانونية ومن المهم جدا علي المستوي الداخلي اتخاذ الإجراءات القانونية السليمة؟ حيث لا يمكن استرداد ما في الخارج وهذه الدول لا تعرف الا القواعد المؤكدة. و انه لابد من اتخاذ إجراءات تحفظية ومخاطبة كل الدول المشتبه فيها بتجميد ارصدة الاموال المنهوبة ويتم ذلك علي اسس قانونية سليمة، كما يكون هناك تحقيق قضائي نهائي وادلة وسند جاد باتهام حقيقي ضد مرتكب هذه الجرائم؟ باستردادها أو مصادرتها. أن الأسباب التي ساقها الجانب السويسري تستهدف في حقيقتها التنصل من تطبيق نص قانونى جديد أقرته سويسرا على ن أنه تم الاستناد في غلق التعاون القضائي إلى سببين رئيسيين، أولهما:
عدم إرسال وزارة العدل السويسرية لـ"بعض طلبات المساعدة القضائية المصرية" إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها على سند عدم توافر المقتضيات اللازمة قانونا للتنفيذ في ضوء أحكام الاتفاقية الثنائية والتشريعات السويسرية بعدم وجود ما يفيد تورط الأشخاص محل تلك الطلبات في ارتكاب الوقائع محل التحقيقات الجنائية المصرية، وعدم تحديد الرابط بين الجرائم محل التحقيق في مصر بسويسرا.
السبب الثاني جاء به "أن وزارة العدل السويسرية أرسلت طلبات المساعدة القضائية المصرية الأخرى والخاصة بكل من سوزان ثابت، وعلاء مبارك، وهايدي راسخ، وجمال مبارك، وأحمد عز، وخديجة أحمد كامل ياسين، وعلاء محمد فوزى على سلامة، وشاهيناز عبدالعزيز عبدالوهاب النجار، وأحمد أحمد عز، وزهير محمد وحيد جرانه، إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها، غير أن العناصر اللازمة لتنفيذ تلك الطلبات، لم تتحقق خاصة بعد صدور أحكام نهائية بالبراءة ولتقادم بعض الدعاوى.
أن تلك الأسباب غير صحيحة على وجه الإطلاق، خاصة وأنه لا تزال هناك تحقيقات جارية حتى الآن بصدد الأشخاص محل طلبات المساعدة القضائية المرسلة من مصر إلى الجانب السويسري، إلى جانب عدم وجود تصالح مع الأسماء المذكورة سلفا، حيث أن أعمال التصالح التي تمت قد وقعت مع أشخاص بخلاف الواردة أسماؤهم، وأخطرت السلطات السويسرية بهذه التصالحات حال إبرامها، وليس من بينهم الأسماء التي اشتمل عليها قرار النيابة العامة السويسرية بغلق التعاون القضائي، بالإضافة إلى عدم انقضاء الدعاوى الجنائية بحق المتهمين أو سقوط العقوبة المقضي بها عليهم.
فقد صدرت أحكام قضائية بالإدانة ضد بعض المتهمين ممن وردت أسماؤهم بقرار النيابة العامة السويسرية أو ممن كانوا محلا لطلبات مساعدة قضائية، سبق إرسالها إلى السلطات السويسرية من قبل السلطات المصرية، ومن بينها الحكم الصادر بالإدانة بحق الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال في القضية المعروفة إعلاميا بـ"الاستيلاء على أموال القصور الرئاسية".
و أن محكمة الجنايات كانت قد أصدرت في جلسة 9 مايو 2015 حكما حضوريا بحق مبارك ونجليه بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات وتغريمهم متضامنين فيما بينهم 125 مليونا و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين بأداء مبلغ قدره 21 مليونا و197 ألف جنيه، وقد طعن المتهمون على الحكم أمام محكمة النقض التي قضت في 9 يناير 2016 برفض الطعن موضوعا.
ويضاف إلى ذلك حكم الإدانة الصادر ضد محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، حيث قضت محكمة النقض بجلسة 21 ديسمبر 2016 بتأييد حكم محكمة الجنايات الصادر ضده بجلسة 21 سبتمبر 2015، وإلزامه برد مبلغ 194 مليونا و140 ألف جنيه، ورد مبلغ 54 مليون جنيه، ورد مبلغ 6 ملايين و934 ألف جنيه، وتغريمه مبالغ مساوية للمبالغ المقضي بردها.
و صدور حكم بالإدانة ضد رجل الأعمال محمد مجدى راسخ، حيث قضت محكمة الجنايات غيابيا بجلسة 29 مارس 2012 بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات، ورد مبلغ 970 مليونا و700 ألف جنيه، و81 مليون جنيه، و13 مليونا و869 ألف جنيه مع تغريمه مبالغ مساوية.. ولم يقم المتهم باتخاذ إجراءات إعادة المحاكمة في هذا الحكم سواء بنفسه أو عن طريق محام عنه، اكتفاء منه بهروبه من الملاحقة القضائية.
و أنه صدر أيضا حكم بالإدانة بحق حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، حيث قضت محكمة الجنايات حضوريا بجلسة 15 أبريل الماضي بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات، وإلزامه برد مبلغ 196 مليون جنيه وتغريمه مبلغا مساويا.
و في ضوء ما تقدم،
فإنه يتضح أن الجانب السويسري يحاول التنصل من تطبيق القانون السويسري الجديد على الحالة المصرية تحت زعم فشل المساعدة القضائية، حيث يتضمن النص القانوني "أنه يجوز للمجلس الفيدرالي بالإضافة إلى ما تقدم أن يأمر بتجميد الأموال بهدف مصادرتها إذا كان قد سبق تجميدها بناء على طلب مساعدة قضائية في حالة ما إذا أضحى هذا الطلب غير متصور قبوله لعدم احترام الإجراءات الجنائية بالدولة الطالبة للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1950 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966".أن رفض سويسرا استرداد مصر لأموالها المهربة تنصل من القانون الدولي و أنه في مثل هذه الحالة، كان ينبغي بمقتضى القانون السويسري أن تقوم الحكومة السويسرية بإصدار قرار إداري بالتحفظ على الأموال في ضوء نص المادة 14 من القانون تمهيدا لمصادرتها إداريا وإعادتها إلى الدولة المعنية، ووفقا لنص المادة 15 من ذات القانون، فإنه يفترض عدم مشروعية مصدر هذه الأموال في حالاتي،
الأولى:إذا كانت أموال الشخص المعنى محل زيادة كبيرة بالمقارنة مع دخل وظيفته العامة،
والثانية: حالة ارتفاع درجة الفساد في الدولة المعنية.. وفى الحالتين ينتقل عبء الإثبات إلى مالك المال ليقوم بإثبات مشروعية مصدر أمواله متى توافرت أدلة على فساده.
و أن استحداث هذه المادة في القانون الجديد كان يتمثل في عدم السماح للأشخاص الفاسدين من استرداد أموالهم، لمجرد إخفاق الدولة المعنية في تحقيق شروط التعاون القضائي في المجال الجنائي، خاصة وأن في ذلك تأثير على سمعة سويسرا الدولية.
و أن السبب الحقيقي وراء غلق الجانب السويسري للتعاون القضائي، هو حكم المحكمة الفيدرالية الجنائية الصادر في 12 ديسمبر 2012 ، والذى كان قد علق الإنابات القضائية المصرية، وإن كان لم يتم ذكره صراحة في أسباب غلق التعاون القضائي.
و أن هذا الحكم الصادر في ديسمبر 2012 (إبان فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية في مصر)، كان قد استند إلى عدم وجود استقرار مؤسسي بسبب قرارات رئيس الجمهورية في ذلك الوقت بعزل النائب العام، وعدم احترام الأحكام القضائية، وتحصين قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، الأمر الذى ارتأت معه المحكمة أن هناك توغلا من السلطة التنفيذية (وقتئذ) على السلطة القضائية، وهو ما يترتب عليه عدم الاعتداد بالتعهدات المقدمة من السلطة المصرية. و أن هذا الحكم افترض استمرار وضع قانونى معين في مصر يتصل بملف استرداد الأموال المصرية، وهو وضع أتى مخالفا للواقع، حيث استقرت حاليا مؤسسات الدولة المصرية بوجود رئيس منتخب، وتشكيل برلمان منتخب، بالإضافة إلى الاستقرار المؤسسي للدولة، وذلك على خلاف الوضع السابق خلال فترة حكم جماعة الإخوان، والذى اتسم بعدم الاستقرار المؤسسي وعدم احترام القانون وحصار المحكمة الدستورية العليا وعزل النائب العام من منصبه.
و أن تمسك مصر بتطبيق القانون ليس اعترافا منها بعدم احترامها لحقوق الإنسان، إذ أن الوضع الحالي لملف استرداد الأموال هو وضع قانونى وليس فعليا بصدور حكم المحكمة الجنائية الفيدرالية، والذى أصبح نهائيا وباتا لفوات مواعيد الطعن عليه من قبل النيابة السويسرية، والذى استند في أسبابه إلى الأوضاع التي مرت بالبلاد عام 2012،
ومن ثم لم تنفذ سويسرا طلبات المساعدة القضائية المصرية ولم تمكن مصر من الاطلاع على تحقيقاتها الداخلية، الأمر الذى فرض على مصر وضعا قانونيا وليس فعليا في مطالبتها بتطبيق القانون. و أن طلبات المساعدة القضائية، التي كان الجانب السويسري قد أرسلها إلى مصر بهدف إمداده بمعلومات تفيده في تحقيقاته الداخلية الخاصة بغسل الأموال والجماعة الإجرامية المنظمة، جاءت مفرغة من أية معلومات تفيد الجانب المصري، وذلك على الرغم من أن الجانب المصري أمد نظيره السويسري بكافة المعلومات التي طلبها، وفى المقابل أحجمت السلطات السويسرية عن تنفيذ طلبات المساعدة القضائية المصرية المرسلة لها رغم تعهدها في العديد من اللقاءات الثنائية بالتنفيذ.
كما يوجد 31 شخصية مصرية جري تجميد أموالها في سويسرا وهناك 3 طرق لاسترداد الأموال المنهوبة أولها الأحكام القضائية الموجودة وكذلك يجب الضغط السياسي على الحكومة السويسرية لإعادة الأموال.
و نيجيريا نجحت في استرداد أموالها المهربة في سويسرا بالرغم من أنها كانت معقدة أكثر من الأموال المصرية. إن القانون السويسري فقط يُطبق بشأن التعامل مع الأموال المصرية المُهرَّبة في البنوك السويسرية، وليس القانون الدولي. لان هناك اتفاقيات دولية تُلزم الجانب السويسري بالتعامل مع القاهرة لاسترداد الأموال المُهربة الخاصة بمبارك ورموز نظامه، منها اتفاقية مكافحة الفساد تحت إشراف الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها الجانبين المصري والسويسري، ويمكن الاستناد إليها في المطالبة باستمرار التعاون القضائي لاسترداد الأموال.
فإنه في حال إغلاق الحكومة السويسرية التعاون القضائي دون أسباب مقنعة، على الحكومة المصرية تقديم شكوى لدى لجنة مكافحة الفساد بالأمم المتحدة، والاطلاع على تحقيقات النيابة السويسرية بشأنها، لا إمكانية اللجوء للمحاكم الدولية، لعدم وجود اتفاقية دولية بين مصر وسويسرا.
أن هناك اتفاقية دولية وقعت عليها القاهرة لمكافحة الفساد والتي تسمح للحكومة بالاستعانة بالدول الأخرى في استرداد الأموال. أن التقدم بطعن على حكم الفيدرالية السويسرية أمرٌ حتمي، وكان من الواجب التقدم به في 2012، و في حال عدم استجابة السلطات السويسرية للمطالب المصرية بشأن استرداد الأموال المهربة -المتعلقة بالمتهمين الصادر بشأن أحكام نهائية وباتة - فمن الممكن التقدم بشكوى إلى مجلس الأمن باعتبار أن الأموال تتعلق بقضايا فساد ولابد من استرجاعها".
أن هناك شروطاً لوقف التعامل النهائي بين الدول في الشق القضائي، أبرزها انتهاء محاكمة المتهمين وعدم التوصل إلى أية أدلة تثبت تورطهم في قضايا فساد -تمثل مصدر لتلك الأموال-، وبالتالي فإن الفيدرالية السويسرية كان لابد لها من منع التعامل في القضايا التي انتهت بالبراءة، وليس جميع القضايا.
السلطات المصرية بتقديم قائمة تشمل تفاصيل كافة القضايا التي صدر بشأنها أحكام بالإدانة، وإرفاقها بأية شكوى يتم التقدم بها أمام الجهات الدولية المعنية، مشددًا على ضرورة الاستفادة من خبرات الدول الأخرى التي أدارت هذا الملف ونجحت في استرداد الأموال المهربة من الخارج.
وتُجيز اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ والتي دخلت حيز التنفيذ في29 سبتمبر عام 2003، في بندها رقم (55) للسلطات القضائية بمصر، أن تطلب المساعدة القضائية من باقي الدول وإمدادها بمعلومات تفيد التحقيق والقيام بإجراءات من شأنها تتبع هذه الأموال.
أن مسألة "استرداد الأموال" أمر قابل للتحقيق. ولكن الحالة المصرية دائماً متفردة في كل شيء، حيث أن جل ما توصلت إليه تلك الجهود هو تجميد أموال المسؤولين السابقين فقط، دون إعادة جزء ولو بسيط من تلك الأموال، مما يوضح أن هناك قصور من جانب الدولة المصرية في التعامل مع ذلك الملف الهام.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن وبشدة "لماذا تعثرت الدولة المصرية حتى الآن فى استرداد جزء من أموالها في الخارج؟" على الرغم من الجهود المبذولة في هذا المضمار. وفى هذا الإطار، يمكن القول أن من بين العراقيل التي تعيق عملية استرداد الأصول المصرية فى الخارج عدد من الأسباب وهى:
ضعف الخبرة القانونية المتعلقة بعملية استرداد الأموال، فضلاً عن ضعف التنسيق على المستوى المحلى بين اللجان المختلفة المشكلة لهذه المسألة وغياب الإرادة السياسية الحقيقية. ومن هنا ولكى تنجح مصر في إعادة أموالها، عليها أن توحد كل الجهود وأن تعمل على تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، مع التركيز على ذلك الملف الهام نظراً للآمال الكثيرة المتعلقة به، مع الأخذ في الاعتبار أن عملية استرداد الأموال بها الكثير من المعوقات، خاصة أن المسار القضائي الرسمي سيحتاج وقتاً طويلاً لأنه معقد، كما أنه يحتاج إلى أموال طائلة، لذلك يجب تتبع طرق غير تقليدية في عملية استرداد الأموال تتمثل في ممارسة ضغط دبلوماسي على الدول التي لديها ودائع مسروقة.
حيث أن الدول المطالبة قد تماطل في إعادة تلك الأموال، لأنها تسهم بشكل كبير في دوران عجلة أنظمتها البنكية، وبالتالي سيكون إرجاعها خسارة لمؤسسات تلك الدول.
ومن هذا المنطلق، يجب توحيد كل الجهود من أجل خلق نظام دولي متكامل لاسترداد الأموال يسترشد باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويكون مدعوماً بالإرادة السياسية. |