بقلم دكتور/ إسلام محمد سعيد
لم تكن عبارة " سنة ماخزوقوا سليمان الحلبى " التى قالها الفنان الكبير عادل أمام فى احدى مشاهد فيلمه " رساله الى الوالى " الذى تم انتاجه مع مطلع عام 1998م تحمل فى طيتها المنظور الكوميدى او الوحى الخيالى من قبل السيناريست ولكنها وصفت حادثه هامه لاحدى ابشع الجرائم التى ارتكبها الجيش الفرنسى خلال حملته على مصر والتى استمرت ثلاثه أعوام منذ عام 1798م وحتى عام 1801 م فى حق شاب سورى الاصل من بلده حلب يُدعى "سليمان محمد الامين " الشهير ب "سليمان الحلبى " يبلغ من العمر 24 عاماً، قدم الى مصر مرتان، جاءت الاولى رغبهً فى الالتحاق و الدراسه بالأزهر الشريف وعاد بعدها مرة اخرى الى الشام وهناك تقابل مع احدى ضباط الجيش العثمانى عقب الهزيمة التى وقعت بهم من قبل الجيش الفرنسى وكان يدعى " أحمد أغا باشا" الذى بدوره ابدى رغبته فى تقديم يد العون و المساعدة لسليمان الحلبى بشرط ان يغادر للقاهرة مرة ثانية ولكن ليس بهدف طلب العلم كالمرة الاولى ولكن لقتل سارى عسكر الجنرال " كليبر" قائد الحملة الفرنسية على مصر انذاك،
وعلى الفور وافق سليمان الحلبى وذهب فى اول الامر الى غزة للحصول على دعم مالي من حاكمها بأمر من أحمد أغا باشا، وهناك اشترى سليمان الحلبى الخنجر الذى استخدمه فى طعن الجنرال كليبر ثم تحرك بعدها الى مصر مع احدى القوافل التى كانت تحمل صابون ودخان، وجاء للقاهرة ونزل ببيت احدى مُعلمى الخط العربي وكان اسمه مصطفى أفندي البروسلي لمدة يوم واتجه بعدها للجامع الأزهر وسكن هناك مع المجاورين قرابه الشهر ونشأت بينه وبين اربعه من طلاب الازهر صداقه جعلته يطلعهم على سره وماكان يخطط له وهو قتل سارى عسكر الا انهم اعترضوا على ما ينوى فعله ونصحوه بالاقلاع عن هذا الامر ولكنه لم يلتفت لحديثهم .. وفى يوم السبت الموافق 14 يونيو عام 1800 م اتجه سليمان الحلبى لحديقه سراى الالفى بيه بمنطقة الازبكية مقر القيادة للقائد العام للقوات الفرنسية و بمجرد رؤيته للجنرال كليبر الذى كان بصحبه مهندسه المعمارى " بروتان" اقترب الحلبى وهو متنكرًا فى زى احدى العمال واتجه لسارى عسكر وطعنه طعنه نافذة بخنجره الحاد فحاول المهندس بروتان التصدى لسليمان الحلبى الا انه طُعن هو الاخر عدة طعنات اودت بحياته وعاد مرة اخرى سليمان الحلبى ليطعن كليبر ثلاثة طعنات اخرى لكن الطعنة الاولى كانت كافيه لتودى بحياته على الفور ، اسرع بعد ذلك الحلبى للهروب الا ان الجنود الفرنسيين تمكنوا من القبض عليه وعمت حاله من القلق و الحذر من قبل القوات الفرنسية فأحاطوا البلد بالكامل و عمروا المدافع والاسلحة المختلفة اعتقادا ان تلك الحادثه مؤشراً من الشعب المصرى على قيام ثورة اخرى بالقاهرة بعد الثورتين الاولى و الثانيه .
هذا وبعد القبض على سليمان الحلبى تم التحقيق معه ولكنه انكر فى بدايه الامر رغم ثبوت التهمه عليه الى ان تم تعذيبه و ضربه بأساليب عنيفه جعلته يعترف بإرتكابه للجريمة وتم القبض على زملائه الاربعة و عدد من القيادات الازهريه وحُقق معهم .. وعليه في يوم 16 يونيو بعد الحادثه بيومان اقيمت محكمة عسكرية بأمر من الجنرال جاك مينو برئاسة الجنرال رينيه، وبعضوية 9 ضباط بالجيش الفرنسي وكان الحكم النهائي بإدانة سليمان الحلبي وزملاؤه الأربعه، وحكمت المحكمة باعدام الأربعة بقطع الرؤوس لعلمهم بإرتكابه للجريمة و تسترهم عليه، أما سليمان الحلبي فحكمت عليه المحكمة أولا بقطع يده التي اغتالت ساري عسكر بعد احراقها حية، ثم الأعدام باستخدام " الخازوق" وهى وسيلة إعدام عثمانية شهيرة حيث يُقيض المتهم من الايد و القدم ويُربط بإحكام ثم يتصاعد عموداً حديديا من الارض مخترقًا جسده من فتحة الشرج وصولا الى رقبته ليخرج بعدها من فمه و تطورت تلك الطريقة بعد ذلك لكى تصبح اكثر بشاعه وذلك بإخراج العمود من الكتف بدلا من الفم..
هذا ولو يقتصر الامر على ترك جسد سليمان الحلبى مطروحا بعد ذلك ليدفن فى مصر او فى بلده بالشام ، بل تم قطع رقبته و اُرسلت الى متحف كلية الطب بالعاصمة الفرنسية باريس، قبل ان تُرسل بعد ذلك الى متحف الانسان بباريس ايضاً برفقه الخنجر الذى قتل به الجنرال كليبر ليتم عرضهم تحت عنوان جمجمة مجرم وخنجره .
الجدير بالذكر فى عام 2011 م ظهرت حركة مصرية سورية لجمع عدد من التوقيعات الشعبية لأرسالها للحكومة الفرنسية من اجل المطالبه بإسترداد جمجمة سليمان الحلبى ولكن لم يبث فى الامر حتى الان .
|