بقلم الدكتور / عادل عامر
التفكير النقدي هو من سمات التطور الفكري والمعرفي للإنسان المعاصر، وهو الجوهر الفلسفي الذي يؤهله للحفاظ على كينونته وهويته المتفردة من جانب، ولتشكيل دوره الفعال في البناء المعرفي للنسيج الاجتماعي ، والثقافي، والحضاري المحيط به من جانب آخر.
حين نفكر ونخطط ونحلم، نقوم بكل ذلك على نحو طليق وسخيٍّ، لكن حين نأتي للتنفيذ نجد أننا مقيَّدون بقيود الزمان والمكان والإمكانات المتاحة، وأحياناً تتدخل رغباتنا وأهواؤنا وقصورنا التربوي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى وجود مفارقة ـ كبيرة أو صغيرة ـ بين ما نقول ونطلب ونتمنى وبين ما هو موجود على أرض الواقع؛ وهذا هو الذي يجعل النقد شيئاً مشروعاً ومطلوباً.
فالناقد الجيد الذي نحتاج إليه في كل مجالات الحياة، هو ذلك المفكِّر الذي يرى المفارقة أو المسافة الفاصلة بين ما هو كائن وبين ما يمكن أن يكون، أو ينبغي أن يكون؛ لأن هذه المسافة هي جماع العِلل والمشكلات والأزمات التي تعاني منها الأمة، إنها المسافة الفاصلة بين المرض والعافية والتدهور والازدهار،
لكن لا بد من القول: إن رؤية الناقد للصورة التي ينبغي، أو يمكن أن نصير إليها هي رؤية اجتهادية ظنية، كما أن رؤيته للواقع تصدر عن قناعة شخصية ومن زاوية خاصة، فهي أيضاً اجتهادية.
وينبني على هذا أن تكون الرّؤى النقدية عبارة عن رُؤى اجتهادية غير ملزمة، لكن الناقد يُضيء المناطق المظلمة في واقعنا ورُؤانا، ويثري الحلول المطروحة والاجتهادات المتوفرة، وهذا ليس بالشيء القليل.
إن التفكير النقدي هو القدرة على تقدير الحقيقة ومن ثم الوصول إلى القرارات في ظل تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة وعدم تجاهل وجهات النظر المختلفة، ويتضمن التفكير الناقد مجموعة من مهارات التفكير الهامة التي يمكن تعلمها وإجادتها، ومن أهم هذه المهارات الاستقراء والاستنباط و التحليل و التقييم وحل المشكلات وصنع القرار، وهو كذلك يتضمن قدرة المفكر الناقد على تعلم كيف ومتى يسأل، وما الأسئلة التي يطرحها، وكيف ومتى يعلل، وما طرق التعليل
إن عملية التفكير الناقد لها مكونات خمسة ، إذا افتقدت إحداهم ، لا تتم العملية بالمرة ، إذ لكل منها علاقتها الوثيقة ببقية المكونات " . فالمكونات هي :
1. القاعدة المعرفية : وهي ما يعرفه الفرد و يعتقد فيه ، وهي ضرورية لكي يحدث الشعور بالتناقض .
2. الأحداث الخارجية : وهي المثيرات التي تستثير الإحساس بالتناقض .
3. النظرية الشخصية : وهي الصبغة الشخصية التي استمدها الفرد من القاعدة المعرفية بحيث تكون طابعاً مميزاً له ( وجهة نظر شخصية ) . ثم أن النظرية الشخصية هي الإطار التي يتم في ضوئه محاولة تفسير الأحداث الخارجية ، فيكون الشعور بالتباعد أو التناقض من عدمه.
4. الشعور بالتناقض أو التباعد : فمجرد الشعور بذلك يمثل عاملاً دافعاً تترتب عليه بقية خطوات التفكير الناقد .
5. حل التناقص : وهي مرحلة تضم كافة الجوانب المكونة للتفكير الناقد ، حيث يسعى الفرد إلى حل التناقض بما يشمل من خطوات متعددة ، وهكذا فهذه هي الأساس في بنية التفكير لناقد
مفهوم التفكير
تعددت تعريفات التفكير فمنهم من يرى أنه: العملية التى ينظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة لحل مشكلة معينة ، بحيث تشتمل هذه العملية على إدراك علاقات جديدة بين الموضوعات أو العناصر فى الموقف المراد حله ، مثل إدراك العلاقة بين المقدمات والنتائج ، وإدراك العلاقة بين السبب والنتيجة ، وبين العام والخاص ، وبين شيء معلوم وآخر مجهول. أما معناه الخاص فيقتصر على حل المشكلات حلا ذهنيًا عن طريق الرموز ، أي حل المشكلات بالذهن لا بالفعل وعرف أيضا أنه : القدرة على التحليل والنقد والتوصل إلى نتائج تستند إلى استنباط أو استدلال سليم وحكم سديد .
ويرى البعض أن التفكير بأنه مجموعة العمليات أو المهارات العقلية التى يستخدمها الفرد عند البحث عن إجابة لسؤال أو حل لمشكلة أو بناء معنى أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة له من قبل وهذه العمليات أو المهارات قابلة للتعلم من خلال معالجة تعليمية معينة .
خصائص التفكير :
حدد الباحثون مجموعة من الخصائص منها :
التفكير نشاط عقلي غير مباشر. .
يعتمد التفكير على ما يستقر فى العقل من معلومات. .
ينطلق التفكير من الخبرة الحسية ولكنه لا ينحصر فيها ولا يقتصر عليها..
.إنّه انعكاس للعلاقات بين الظواهر والأحداث والأشياء فى شكل رمزي لفظي.
مستويات التفكير :
ميز الباحثون في مجال التفكير بين مستوين للتفكير هما:
أولهما / تفكير أساسي :
وهو من النشاطات العقلية غير المعقدة التي تتطلب ممارسة إحدى مهارات التفكير الأساسية ، والمهارات الفرعية التي تتكون منها عمليات التفكير المعقدة كمهارات الملاحظة والمقارنة . وتضم مهارات التفكير الأساسية ما يأتي :
1-بعض مهارات تصنيف بلوم ( المعرفة ، الاستيعاب ، التطبيق ) .
2-مهارات الاستدلال .
3-مهارات التفكير الناقد .
4-مهارات التفكير فوق المعرفية .
ثانيهما / تفكير مركب :
وهو مجموعة من العمليات العقلية المعقدة التي تضم التفكير الناقد ، والتفكير الإبداعي ، وحل المشكلات ، واتخاذ القرارات والتفكير فوق المعرفي .
لِمَ تختلف أنماط التفكير ؟
تختلف أنماط التفكير تبعا لاختلاف الأهداف ، والمواقف ، والمدخلات الذهنية لدى الفرد ، ويمكن تحديد مسوغات اختلاف أنماط التفكير لدى الأفراد بما يأتي :
أولا : يختلف الأفراد في الأشياء التي ينتبهون إليها .
ثانيا. تختلف أنشطة الخلايا العصبية وعددها لدى الأفراد .
ثالثاً : تختلف الاهتمامات التي تتطلب المعالجة الذهنية .
رابعاً : اختلاف ظروف التنشئة التي يتعرض الطفل لها تطور اتجاهات تفكيرية مختلفة .
خامساً : اختلاف الخبرات ، واختلاف الأهداف يتطلب استعمال أنماط تفكير مختلفة .
سادساً : تختلف قدرات الأفراد اختلافاً تجعلهم يطورون نتائج تفكيرية مختلفة
ثالثاً أنواع التفكير:
إن عملية التفكير عملية معقدة ، لذلك فهي متعددة الأنواع والجوانب ، ولعلنا نذكر أهم هذه الأنواع وهي :
1- التفكير العلمي:
ويقصد به ذلك النوع من التفكير المنظم الذي يمكن أن يستخدمه الفرد في حياته اليومية أو في النشاط الذي يبذله أو في علاقته مع العالم المحيط به.
2- التفكير المنطقي:
وهو التفكير الذي يمارس عند محاولة بيان الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء ومحاولة معرفة نتائج الأعمال ولكنه أكثر من مجرد تحديد الأسباب أو النتائج إنه يعني الحصول على أدلة تؤيد أو تثبت وجهة النظر أو تنفيها.
3- التفكير الناقد:
وهو الذي يقوم على تقصي الدقة في ملاحظة الوقائع التي تصل بالموضوعات ومناقشتها وتقويمها والتقيد بإطار العلاقات الصحيحة الذي ينتمي إليه هذا الواقع واستخلاص النتائج بطريقة منطقية وسليمة مع مراعاة الموضوعية العملية وبعدها عن العوامل الذاتية كالتأثير بالنواحي العاطفية أو الأفكار السابقة أو الآراء التقليدية .
4- التفكير الإبداعي:
وهو أن توجد شيئًا مألوفًا من شيء غير مألوف وأن تحول المألوف إلى شئ غير مألوف .
5- التفكير التوفيقي:
وهو التفكير الذي يتصف صاحبه بالمرونة وعدم الجمود والقدرة على استيعاب الطرق التي يفكر بها الأخرين فيظهر تقبلاً لأفكارهم ويغير من أفكاره ليجد طريقًا وسيطًا يجمع بين طريقته في المعالجة وأسلوب الآخرين فيها .
هذا ما تيسر عرضه بالنسبة للتفكير ، فأرجو أن أكون مُوَفَّقاً في طرح هذه المادة القيمة التي أسأل الله من خلالها عموم النفع والفائدة .
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نبتهل إلى الله العلي القدير بالشكر الجزيل لمنحه لنا نعمة العقل والتفكير ، فبدونهما لا تحلو الحياة وكما نسأله دوام هذه النعمة العظيمة التي هي سببٌ لاستمرار الحياة على الأرض .
للتفكير ثلاثة مستويات هي : :
المستويات الدنيا : وتتضمن التذكر والحفظ وإعادة الصياغة حرفيًا .
المستويات الوسطى : وتتضمن طرح الأسئلة ، التوضيح ، المقارنة ، التصنيف ، الترتيب ، التطبيق ، التفسير ، الاستنتاج ، التنبؤ ، فرض الفروض ، التمثيل ، التخيل، التلخيص ، التحليل ، المستويات العليا : اتخاذ القرار ، التصميم ، حل المشكلات تفكير وراء معرفي .
و تعليم التفكير هو : تزويد الطلبة بالفرص الملائمة لممارسة نشاطات التفكير في مستوياتها البسيطة والمعقدة ، وحفزهم وإثارتهم على التفكير. وقد أشارت الدراسات والبحوث إلى أنه بإمكاننا رفع مستوى الذكاء عن طريق التربية من خلال تمارين الذكاء وبملاطفة الطفل من قبل الذين يعلمونه .
وهناك حاجة للتفريق بين مفهومي ( التفكير ومهارات التفكير )، ذلك أن التفكير ( عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات المسترجعة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها وهي عملية تتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والاحتضان والحدس وعن طريقها تكتسب الخبرة معنى.
أما مهارات التفكير: فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات مثل : مهارات تحديد المشكلة ، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص ، أو تقييم قوة الدليل ، أو الادعاء والعلاقة بين التفكير ومهارات التفكير كالعلاقة بين لعبة كرة المضرب وما تتطلبه من مهارات .
ويمكن تصنيف التفكير من الفاعلية وعدمها إلى
تفكير فعال :ويكون حينما يتحقق فيه شرطان :
- تتبع فيه أساليب ومنهجية سليمة .
- تستخدم فيه أفضل المعلومات المتوافرة من حيث دقتها وكفايتها .
ويتطلب التفكير الفعال إجادة مهارات التفكير واستراتيجياته ،
ويتطلب قابليات وتوجهات شخصية منها :
الميل لتحديد الموضوع أو المشكلة بكل وضوح .
استخدام مصادر موثوق بها للمعلومات .
البحث عن بدائل وفحصها باهتمام .
البحث عن الأسباب وعرضها .
الانفتاح على المدخلات والأفكار الجديدة .
الاستعداد لتعديل الموقف أو القرار عند توافر معطيات وأدلة موجبة لذلك .
إصدار الأحكام واتخاذ القرارات في ضوء الأهداف والوقائع ، وليس في ضوء مفاهيم جامدة أو رغبات شخصية أو عواطف .
الالتزام بالموضوعية .
المثابرة في حل المشكلة والإصرار على متابعة التفكير فيها حتى النهاية .
التشكك والتمهل في إصدار الأحكام .
تأجيل اتخاذ القرار أو الحكم عند الافتقار للأدلة الكافية أو الاستدلال المناسب .
تفكير غير فعال
وهو التفكير الذي لا يتبع منهجية واضحة دقيقة ، ويبنى على مغالطات أو افتراضات باطلة أو متناقضة أو ادعاءات وحجج غير متصلة بالموضوع أو إعطاء تعميمات وأحكام متسرعة أو ترك الأمور للزمن أو الحوادث لتعالجها وقد أورد الباحثون عددا من السلوكيات المرتبطة بالتفكير غير الفعال ، من بينها :
التضليل وإساءة استخدام الدعابة لتوجيه النقاش بعيدا عن الموضوع الرئيس .
اللجوء إلى القوة والتهجم الشخصي أو الجماعي بغرض إجهاض فكرة أو رأي .
إساءة استخدام اللغة بقصد أو من غير قصد للابتعاد عن صلب الموضوع أو الإيحاء أو الوصف والتقويم المجافي للحقيقة .
التردد في اتخاذ القرار المناسب في ضوء الأدلة المتاحة وهذا ما يسمى بالقرار من غير قرار.
اللجوء إلى حسم المواقف على طريقة أبيض وأسود أو صح – خطأ مع إمكانية وجود عدة خيارات.
وضع فرضيات مخالفة للواقع أو الاستناد إلى فرضيات مغلوطة أو مبالغ بها لرفض فكرة ما
التبسيط الزائد لمشكلات معقدة .
الاعتماد على الأمثال أو الأقوال المعروفة في اتخاذ القرار دون اعتبار لخصوصيات الموقف |