بقلم الدكتور/ عادل عامر
تأتي زيارة رئيس الوزراء لمصر لحسم عدد من الملفات المثارة بين البلدين على رأسها ملف التعاون حول التخزين في بحيرة سد النهضة والمتوقع أن تبدأ فيه اثيوبيا العام الجاري مع موسم الفيضان الجديد.
أن القاهرة لا تزال متمسكة بطرح البنك الدولي وسيطاً في المفاوضات الفنية، خاصة وأن الخلاف القائم حالياً تعذر حله على كافة المستويات الفنية والسياسية، وأن البنك الدولي هو الشرط الوحيد لاستمرار المفاوضات بعد أن تباعدت وجهات النظر بين الدول الثلاثة وأصبحت المصالح الوطنية هي المسيطرة على الفريق المفاوض.
أن حل الخلاف القائم حول تخزين المياه في بحيرة سد النهضة، هو نقطة انطلاق أي تعاون في ملفات أخرى بين القاهرة وأديس أبابا، حيث أنه لا يمكن تصور إقامة علاقات على مبدأ الثقة وحسن النية مع استمرار الخلاف في هذا الملف، لان حرص القاهرة على دفع كل سبل التعاون الاقتصادي والاستثماري مع اثيوبيا انطلاقا من السياسات المصرية التي تركز على القارة الإفريقية باعتبارها الامتداد الاستراتيجي لمصر،
وأن القاهرة ستبقى على كل مواقفها الثابتة التي تنطلق من التعاون مع كافة دول حوض النيل وفقاً لمبادئ القانون الدولي التي تنص على الاستخدام العادل والمنصف للمياه مع عدم الضرر لدول المصب، وضرورة التشاور قبل الشروع في أي مشروعات، وهو ما سيكون محور أي حدث مصري حول ملف مبادرة حوض النيل واتفاقية عنتيبى.
لذلك نري ان زيارة رئيس وزراء اثيوبيا، هي إثبات حسن نية بلاده تجاه مصر بعد تعثر المفاوضات خلال الفترة الماضية، وما أعقبها من تطورات مثل اقتراح وساطة البنك الدولي كطرف أساسي في المفاوضات. واثبات أن المسار السليم هو المفاوضات فقط.
المهمة الثانية التي يحملها رئيس وزراء إثيوبيا هو استئناف مفاوضات سد النهضة، وكما يوضح خبراء المياه أن تلك الزيارة سُتنهي الخلافات بين الدولتين «مصر - إثيوبيا» حول المفاوضات، أو على أقل تقدير سيتم الدعوة إلى استئناف اجتماعات الخبراء الفنيين للتوصل إلى حل يُرضي جميع الأطراف.
أحد أهدافها تأمين سد النهضة، بعد التلويح المصري بتدويل القضية في المستقبل، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى الخوف الإثيوبي من إريتريا، العدو التقليدي لأديس أبابا، وما يمكن أن تمثله من حل للأزمة، خاصة بعد زيارة رئيس وزراء إريتريا إلى القاهرة الأسبوع الماضي.
ان"ملف سد النهضة تم إثارته بالأمس في لجنة على مستوى الوزراء حيث كان لقاء رئيس الوزراء الأثيوبي "هايلي مريام ديسالين" إلا أن الجانب الأثيوبي لم يرد ولم تخرج عنه أي تصريحات إعلامية عن ذلك مما يدل على عدم التوصل لحل واستمرار عدم الرد الأثيوبي"، أن ذلك سيلقي بظلاله على اللقاء بين الرئيس السيسي وبين رئيس الوزراء الأثيوبي.
إن بناء سد النهضة هو بمثابة بدء الأمل في الاستقرار والتنمية في إثيوبيا فقط وعلى مصر أن تدعمها، وأن يكون هناك تعاون بين البلدين في جميع المجالات ولا يختزل التعاون على سد النهضة فقط.
و أنه لا داعي لوجود طرف دولي بين مصر وإثيوبيا في ملف سد النهضة "متوقعا أن هناك خيرا قادما لأفريقيا ومنطقة حوض النيل، وأن هناك انفراجه في الأزمة. أن نهر النيل لا يمكن أن يكون هدفا للتنافس أو الصراع بين البلدين، أن إثيوبيا بلد يرغب في النمو بشكل سلمى، كما أن بلاده تشكل أملا وليس تهديدا لأحد، أن سد النهضة يجب أن يمثل هذا الأمل.
ينبغي لمصر ربط استثماراتها في اثيوبيا بالاطمئنان على حصتها المائية القادمة من اثيوبيا؟!؟ ولماذا تستثمر مصر في اثيوبيا اجباريا ولا حديث عن تعاون مماثل؟!؟ على اثيوبيا ان تثبت لمصر انها صديق مخلص وليس عدو مكين ينفذ استراتيجيات للإضرار بمصر؟!؟ لقد سعت مصر منذ القدم إلى تنظيم علاقتها بدول حوض النيل والاتصال الدائم بها بالاتفاق على الأسلوب الأمثل لاستغلال مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض مع الحفاظ على حق مصر التاريخي في مياه نهر النيل،
وبالفعل نجحت مصر في ذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، ويصل عددها إلى أكثر من 15 اتفاقية، وقع بعضها أبان فترات الاستعمار، وكان لها تأثير على العلاقات الحالية بين مصر ودول الحوض.
لقد وضعت اثيوبيا خططا لاستثمار اكثر من 12 مليار دولار في اقامة سدود على الانهار التي تمر عبر اراضيها المرتفعة، لتوليد اكثر من 40 الف ميجاوات من الكهرباء بطاقة المياه بحلول 2035 ، لتصبح بذلك اكبر مصدر للطاقة الكهربائية في القارة الافريقية ” بهذه الكلمات استهل وزير الطاقة الأثيوبي المايو تيجينو حديثة الى مؤتمر للطاقة عقد في العاصمة اديس ابابا خلال النصف الاول من شهر نوفمبر 2012 ،
ان مشكلة سد النهضة هو أنه مقام على النيل الأزرق، الذي يمد نهر النيل بحوالي 64% من إجمالي رصيد مياه نهر النيل. أن منبع القلق هو أن إجمالي مياه النيل الأزرق سنويا حوالي 49 مليار متر مكعب، وتريد أثيوبيا تخزين 74 مليار متر مكعب خلال 3 سنوات فقط، ولا تريد انتظار ورود فيضان غزير حتى لا تتأثر مصر والسودان. أن الدراسات الأمريكية التي عرضت على الكونجرس الأمريكي قالت إنه يجب ملء السد في فترة تتراوح من 7 إلى 10 سنوات على الأقل، لأنه في هذه الحالة تتضرر مصر بحوالي 10 مليار متر مكعب، ربما تعوضه من المخزون الموجود في السد العالي من أرصدة سابقة. وأنه إذا تم ملء السد في 3 سنوات، فهذا يعني أن أثيوبيا قد تصادر كل مياه النيل الأزرق، لأنه في بعض السنوات لا يكون به إلا 25 مليار متر مكعب فقط.
والباقي عن طريق مرفق الكهرباء، والاستثمارات الكهربائية، وقال الوزير ان 13 % من الانشاءات قد اكتملت بالفعل وان كل شيء يسير وفقا للخطة وان البلاد تسير وفقا لخطى حثيثة لاستكمال السد في الموعد المحدد بحلول عام 2015مايزيد من فرص التواصل والحوار أن الرئيس السيسي يلتقي مع رئيس الوزراء الإثيوبي على الأقل مرتين في العام دون أن يخلو أي لقاء لهما من التأكيد على نفس المبادئ التي تحول دون الإضرار بمصالح مصر المائية وتحض الطرفين على التغلب على اية مصاعب يمكن أن تواجهها مفاوضات الفنيين، سواء على مستوى الاجتماعات الثلاثية التي تضم وزراء الري الثلاثة مصر والخرطوم وإثيوبيا، أو السداسية تضم إلى جوارهم وزراء الخارجية الثلاثة.
برغم صعوبات التفاوض مع إثيوبيا في ظل مواقف نخبتها الحاكمة وهواجسها المتعددة التي كثيرا ما تجعل من مصر جهة تعلق عليها إخفاقاتها أو تتهمها بالتدخل في الشأن الداخلي لاثيوبيا دون سند حقيقي إلا أن على اثيوبيا أن تدرك بوضوح بالغ انه مع شدة حرص مصر على توثيق علاقاتها مع إثيوبيا ورغبتها في تعزيز العلاقات المشتركة والوصول إلى تسوية صحيحة لمشكلة سد النهضة تقبلها كل الأطراف فإن مصر ترفض بشدة توجيه أي اتهامات جزافية لها دون دليل.
لأن مصر تلتزم بعدم التدخل في الشأن الداخلي لأي من دول القارة بما في ذلك إثيوبيا، فضلا عن حرصها المتزايد على ضرورة بناء علاقات قوية مع كافة الدول الإفريقية خاصة دول حوض النيل، ليس بهدف إحراج أديس أبابا أو حصار مواقفها ولكن لتعزيز علاقات دول الحوض بما يمكنها من زيادة موارد نهر النيل وتحسينها والحفاظ علي مصالح كل الأطراف بحيث يصبح الجميع رابحين لأن فواقد النهر إذا ما تم الاستفادة منها تكفي احتياجات الجميع وتزيد.
رغم أن العلاقات المصرية الإثيوبية ليست على ما يرام في الآونة الأخيرة، على خلفية عدم الوصول إلى اتفاق في مباحثات سد النهضة، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، هيلا ميريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، بمقر رئاسة الجمهورية بالاتحادية. وتأتي هذه الزيارة للقاهرة ظل حرص مصر على علاقاتها بالجميع وحل مشاكلها بشكل دبلوماسي، أن مصر دولة كبيرة ولها ثقلها في المنطقة، وحريصون على أن نسلك الطريق الدبلوماسي.
أن علاقتنا مع أثيوبيا استراتيجية، حيث أن 85% من مياه نهر النيل لدينا تأتينا من هناك، لذا لابد أن يكون هناك صبر من الجانبين في الحوار واستمرار التواصل والعمل على تقريب وجهات النظر، فأزمة سد النهضة في النهاية، يمكن أن تحل بقرار سياسي من رئيس وزراء اثيوبيا. |