بقلم / جهاد ناصر
اكتسبت الامطار مكانة هامة كونها احد عناصر الكون التي لعبت دورا في حياة المصريين حيث شكلت الكثير من مجريات حياتهم وان لم يكن دورها كدور نهر النيل في الحضارة المصرية وكان هطول المطر في مصر ذا شقين ايجابي وسلبي فالإيجابي يتمثل في حمايتهم من خطر المجاعة التي تهل عليهم من حين لأخر وخاصة اولئك الذين يعيشون في معزل عن وادي النيل وخيراته كاهل البدو وسكان الواحات في الصحراء الغربية الذين يتطوقون الي رؤية الامطار وهي تروي حقولهم وتملئ ابارهم وتتمثل سلبيتها في زيادة الامطار التي تتحول الي سيول جارفة تعبث بأمن واستقرار البلاد .
وفي محاولة لتفهم ماهية المطر وما يصحبه من رعد وبرق ذهب المصري القديم الي العديد من الآراء والتصورات التي تزخر بها النصوص المصرية القديمة وسنذكر البعض منها بما يتناسب مع معتقداتنا الحالية فقد تخيل المصري ان بالسماء بحرا واسعا منه تهطل الامطار كما اعتبره معجزة رأفة ورحمة من الالهة ويري البعض ان هطول المطر ما هو الا غصب من الالهة علي الارض والبشر خاصة هطوله في هيئة سيول وهناك ما ينافي هذا الراي حيث اعتبروا ان منعه نوع من العقوبات التي تنزلها الالهة علي اعداء مصر خاصة وعليها فيكمن القول بان المطر كالفيضان اذا كان زائدا عن حده قضي علي الاخضر واليابس اما اذا كان منخفضا حل الجفاف وحدثت المجاعات.
ولكن ما هي الوسائل التي اتبعها المصري لدرء هذه الاخطار المصاحبة للمطر ففي سبيل ذلك عمد المصري القديم علي حماية كافة مبانيه بعد ان راي تأثير الامطار علي هذه المباني خاصة الجنزية منها والذي يشكل المساس بها خطرا علي حياته بالعالم الاخر لما تحويه من مناظر ونصوص بالإضافة الي الاثاث الجنزي وقد تطورت هذه الوسائل مع تطور العمارة بالإضافة الي ذلك لعبت الحالة الاجتماعية والاقتصادية دورا في اخراج هذه التقنيات ومدي ارتباطها بالناحية الدينية وكانت اولي هذه التحديات في العصر الحجري الحديث حيث عمد المصري علي وضع اناء تستوي فتحته بمستوي ارضية المنزل حتي تتجمع فيه مياه الامطار المتساقطة من الاسقف المصنوعة من الحصير او الجلود ويمكن تفريغ هذه المياه منه خارج المنزل في سهولة ويسر كما يوجد ثقب اسفل الاناء لتصريف المياه خارج المساكن في باطن الارض كذلك استخدموا الملاط في سد الشقوق والفراغات التي كانت تظهر بين اعواد النباتات المستخدمة في تسقيف مساكنهم كذلك في المباني الحجرية بين الوصلات الراسية لالواح سطوح معابد الاهرامات وبحلول الدولة القديمة تطورت التقنيات ما بين قنوات ومجاري واحواض وانابيب نحاسية اتسمت بالتنظيم والدقة ظهر ذلك في عدد من معابد الاهرامات خاصة تلك الموجودة في جبانة منف حيث تم حفر قنوات لتصريف مياه الامطار والسيول تصب في قناه تجميع تقوم بدفع المياه في النهاية تجاه الارض المجاورة وما ان حلت الاسرة الخامسة حتي ابتكر المصريون نظاما محكما لصرف مياه الامطار متمثلة في عمل قنوات مائلة في الارضية تجري بها المياه خارج جدران المعبد كانت هذه القنوات اما منحوتة في الكتل الحجرية او علي هيئة انابيب نحاسية داخل قنوات حجرية تمتد اسفل المعبد باكمله الي احواض حجرية مبطنة بالنحاس ذات سدادات صغيرة من الرصاص ويظهر ذلك جليا في معبد ساحورع بابي صير واستمرت هذه التقنيات في عصر الدولة الوسطي الي جانب تطويرها بما يلائم الظروف المحيطة بتلك الفترة اضافة الي ذلك قد عثر علي خندق كبير في قاعدة هرم الملك سنوسرت الثالث باللاهون ذا جوانب مائلة ملئ بطبقة من الحصباء الموضوعة فوق الرمال لتمتص المياه خشية انزلاق احجار الكسوة الخارجية.
لم تقتصر هذه الاجراءات علي ابنيه الملوك او كبار رجال الدولة فقط بل امتدت لتشمل مباني العمال والموظفين كما هو الحال في مدينة العمال باللاهون وبحلول الدولة الحديثة نجد ان المصريين قد اولوا اهتماما بالغا لمواجهة الاثار السلبية التي تخلفها الامطار علي اسطح المعابد واسفر ذلك الي طرح العديد من الافكار التي واكبت التطور الكبير الذي شهده هذا العصر حيث حرص المهندسون علي تقوية الوصلات المتتابعة الموجودة بين الواح السطح ثم توجيه المياه من خلال مزاريب خارج جدران المعبد ومن ثم اصبح من المعتاد خلال عصر الدولة الحديثة قطع مجري او قناة مربعة نصفها في احد الالواح والنصف الثاني في لوح اخر ثم سد هذه القناة بواسطة سدادة او قطعة من الحجر حتي تحول دون تسريب المياه بين الواح السطح بدلا من الملاط وجدير بالذكر ان المزاريب كانت من العناصر المألوفة من العمارة المصرية القديمة وتنوع المصري القديم في تشكيل المزاريب فمنها علي هيئة الاسد وكانت توزع في اماكن عدة بأسطح المعابد ومزاريب بسيطة عبارة عن قطعة خشبية مستديرة او اسطوانية كقطعة من جذوع الاشجار او سيقانها الي فرغت من اجزائها العليا توجد في اسطح المنازل
وطبقا لما سبق رائينا اهتمام المصريين بحماية منشاتهم الدينية والجنزية اهتماما بالغا مقارنة بالمباني الدنيوية وعلي ايه حال كان المصريين يستخدمون تقنية واحدة او اكثر من تقنية لضمان توفير اكبر قدر من الحماية والحد من الاثار السلبية التي قد تنجم عن تدفق الامطار الغزيرة ويمكن القول ان المصريين قد ضاهوا ما وصلوا اليه من تقنيات تصريف مياه الامطار والسيول كثيرا من التقنيات الحديثة المعروفة سواء بمصر او في كثير من دول العالم ولا يسعنا من القول سوي ظلت العبقرية المصرية متحديا لكل ما هو صعب ومستجيبا لكل ما يطرا عليها من حين لاخر |