بقلم الدكتور/ عادل عامر
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
إن الفقر أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل والموارد ضمانا لمصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية، وضآلة إمكانية الحصول على التعليم وغيره من الخدمات الأساسية، والتمييز الاجتماعي، والاستبعاد من المجتمع، علاوة على عدم المشاركة في اتخاذ القرارات. لذا، يتعين أن يكون النمو الاقتصادي جامعا بحيث يوفر الوظائف المستدامة ويشجع على وجود التكافؤ
مهمة تحرير العالم من الفقر ليست بالمستحيلة، في حال وضعت الموارد والجهود في إطارها الصحيح، حينها يمكن القول إن القضاء على الفقر ليس مجرد شعار يرفع في اجتماعات التنمية الدولية.
يعبر مؤشر دخل خط الفقر عن الدخل الضروري لتوفير الحد الأدنى من غذاء يبقي على الصحة الجيدة للأفراد، ويلبي الحاجة الأساسية من الملبس والمأوى. ويستخدم هذا المؤشر لقياس مدى الفقر، حيث يصنف الفقراء ضمن الذين تقلّ دخولهم عن دخل خط الفقر، بينما الأشد فقراً هم الذين تصل دخولهم إلى أقل من نصف دخل خط الفقر واستناداً إلى دخل خط الفقر في ماليزيا الذي يقدر بحوالي 156 دولارا أمريكيا للأسرة الواحدة في الشهر، فإن مدى الفقر في الفترة 1990-1995، من 9.8% إلى 8.1%.
من جهة أخرى تم تبني استراتيجية لتوزيع الدخول في كل السياسات والخطط التنموية المشار إليها، هدفت مكافحة الفقر المدقع وإعادة هيكلة العمالة وزيادة تنمية الأعمال التجارية والصناعية للأغلبية الفقيرة من السكان الأصليين؛ مما أفضى إلى نتائج مهمة، منها انخفاض معدلات الفقر وتناقص فوارق الدخول بين المجموعات السكانية المختلفة.
وبناء على ذلك فقد حددت الحكومة من خلال الاستراتيجية أهدافا رئيسية لخصتها بتحسين التوافق بين كافة برامج خفض الفقر في القطاع العام والخاص والمجتمع المدني. وتوفير اجراءات حماية اجتماعية موسعة ومتنافسة وافضل استهدافا للأسر الفقيرة والمعرضة. وتوفير العمل اللائق للأردنيين خاصة الشباب والنساء والمعوقين. والعمل للقضاء على ظاهرة عمالة الاطفال، وتوفير الحوافز للأعمال الميكروية والصغيرة والتمويل الصغير والميكروي الأكثر فعالية للذكور والاناث من الأسر الفقيرة والمعرضة. وتوفير خدمات العناية الصحية الاساسية لتكون متاحة بسهولة اكثر للذكور والاناث من ابناء الأسر الفقيرة والمعرضة والمسنين والمعوقين.
كما جاء في هذه الأهداف ضرورة توفير خدمات التعليم الاساسية وخدمات التدريب المهني الأكثر فعالي لتكون متاحة بسهولة أكثر للذكور والاناث من ابناء الأسر الفقيرة والمعرضة والمسنين والعوقين. والتخفيف من آثار التغير المناخي والتدهور البيئي على افراد الأسر الفقيرة والمعرضة، وتوفير خدمات افضل في مجالات المواصلات والاسكان والخدمات العامة للأسر الفقيرة والمعرضة.
وفي الاستراتيجية، تم دمج السياسات والاجراءات المصممة لتحقيق الاهداف الرئيسية لاستراتيجية الحد من الفقر في خمسة محاور رئيسية تعكس الطبيعة الشاملة للسياسات المطلوبة للحد من الفقر، كما ان المواضيع الشاملة مثل المساواة والنوع الاجتماعي واستدامة البيئة تشكل عناصر رئيسية وهي مدمجة في كافة محاور الاستراتيجية.
وتوقعت الاستراتيجية أن تؤدي البيئة الاجتماعية- الاقتصادية الحالية الى زيادة في الفقر وانخفاض الموارد المالية المتوفرة لمعالجة هذه الظاهرة، ما يعني ضرورة الحد من الفقر واحتواؤه، فاحتواء الفقر يتطلب تعزيز المنعة (أي خفض درجة التعرض)، بينما يتطلب الحد من الفقر محاولات لخفض الفقر وعدم المساواة في آن واحد.
ومن المتوقع ان يتم تحقيق هذا الهدف المزدوج عن طريق استهداف الفقراء والفئات التي تقع مباشرة فوق خط الفقر الوطني، حيث تعتبر الفئة الثانية ضعيفة ومعرضة للسقوط في دائرة الفقر اذا حدث تدهور للمناخ الاجتماعي- الاقتصادي.
والريادة او ثقافة تطوير او اختراع او اكتشاف او عمل الاشياء الجديدة، وبغض النظر عن الحجم، هي من الركائز الاساسية لاقتصاديات العديد من الدول، وهذا ينطبق كذلك على المشاريع الكبيرة وفي الدول المتقدمة، حيث يعزى سبب بقاء الكثير من الشركات العالمية قوية ومنافسة الى الابحاث والتطور المتواصل وتقديم الجديد للمستهلك وللمجتمع وبالتالي تطور الاقتصاد ونموه، ويتضح ذلك جليا في الشركات التي تحيا في عالم المنافسة الشديدة، مثل شركات التكنولوجيا، وكذلك شركات الادوية العالمية التي تتسابق لاكتشاف ادوية تعالج امراض العصر الحديث مثل السرطان والزهايمر والقلب والسكري والعديد من الامراض، والاقتصاد الفلسطيني ليس بالبعيد عن ذلك، سواء من حيث مقاومة الفقر من خلال مشاريع ريادية بسيطة ومتواضعة، او من خلال تشجيع ثقافة البحث والتطوير والاختراع عند الشركات والمؤسسات، وبالتالي نموها وتشغيل المزيد من الايادي العاملة وبالتالي محاربة الفقر وتبعاته.
وفي دول عديدة، وبالإضافة الى الاموال او الجهود المخصصة لمشاريع الحد من الفقر والبطالة، هناك صناديق استثمارية، سواء من اموال القطاع العام أو اموال القطاع الخاص حيث تبحث هذه الصناديق عن الافكار والاشخاص المبدعين او المحتاجين وتجذبها ، وتوفر لهم الاموال اللازمة والبيئة الملائمة للنجاح واكثر من ذلك, وبالطبع هناك الحوافز التي يجب ان توفرها الجهات الرسمية، سواء اكانت تتعلق بالبنية التحتية او الضرائب او التسهيلات اللوجستية والمالية من اجل البدء بمشاريع الريادة، ولا داعي للذكر ان مشاريع الريادة هي بشكل عام مشاريع تتسم بالمغامرة .
ويعود تصنيف خط الفقر إلى المعايير المتبعة في البلد نفسه. ففي أوروبا مثلاً إذا كان دخل الفرد أقل من 55% من دخل المواطنين المتوسطي الحال يعتبر مواطناً فقيراً. ولنأخذ نموذجاً عن الفقر في هولندا حيث يعتبر فقيراً من لم يتمكَّن من الحصول على المال الكافي لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً مثل الطعام والملبس والمسكن بما في ذلك الماء والطاقة. فعلى سبيل المثال في نهاية العام 2005 أصدر المكتب الهولندي للتخطيط الثقافي والاجتماعي والمكتب المركزي الإحصائي إنذاراً مشتركاً بأن هناك ما نسبتة أكثر من 10% من سكان هولندا كانوا مضطرين إلى العيش على "دخل منخفض"، ولا تشمل السلع الكمالية مثل شراء المساكن الخاصة، والسفر لقضاء الإجازات والكحول والتبغ. ويعتبر تقرير جديد صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسف)، بريطانيا أسوأ مكان في رفاهة الأطفال بين الدول المتقدمة لنشأة الأطفال. وذكرت سكاي نيوز الأربعاء في 15 أيلول/سبتمبر 2007 أن يونيسف قالت: إن أطفال بريطانيا هم الأكثر تعسًا وفقرًا، والأقل صحة، والأشد إهمالاً في الدول الإحدى والعشرين الأغنى في العالم، لتأتي في ذيل قائمة من 40 مؤشراً مختلفاً لرفاهية الطفل.
طبقاً لتقرير يونيسف الصادر تحت عنوان " فقر الطفل في المنظور: نظرة عامة على حالة الطفل في الدول الغنية"، فإن بريطانيا تتخلَّف عن الدول الصناعية من حيث الفقر النسبي والحرمان وجودة علاقة الأطفال بالآباء ونظرائهم، وصحة الطفل وسلامته، والسلوك والتعرض للمخاطر، وإحساس الصغار أنفسهم بالخير. وعلى الرغم من المستوى العالي في جودة التعليم، فإن بريطانيا مازالت في قاع كل المعايير الأخرى، لتأتي بذلك في مؤخرة الدول الإحدى والعشرين. وهذه هي أول دراسة تجريها يونيسف عن رفاه الطفل في العالم المتقدِّم، وهي تمثل ضربة قوية للحكومة البريطانية والتي جعلت من أهدافها الرئيسة تقليل فقر الطفل إلى النصف بحلول العام 2010.
من المنطلقات السالفة يمكن القول إنه لا يوجد مقياس واحد للفقر في الدول، ذلك أنه إذا أخذنا دولاراً واحداً كمعيار للفقر المدقع في الدول العربية، فإن نسبة الفقراء في الدول العربية لن تتجاوز 2.5 % أو 3.5%، ويبدو هذا الأمر غير مقنع، كما أنه يوجِّه رسالة مضلِّلة مفادها أن مكافحة الفقر ليست من أولويات التنمية في المنطقة العربية، إضافة إلى أن هذا المقياس "لا يصلح لتقييم وضع الفقر في معظم البلدان العربية ذات مستوى التنمية والدخل المرتفع أو المتوسط"(3). ولو احتسبنا الفقر وفق معيار من لا يحصل على الدولارين في اليوم، فإن نسبة السكان الفقراء تصل إلى 31.5%.
المهم الذي لا يقبل الشك، أن الفقر مرتبط ارتباطاً أساسياً بتوافر المال الضروري لتأمين الحاجات الإنسانية، لأن توافره يبعد عن الانسان العوز، والتشرُّد والارتهان لإرادة الآخرين. فإذا ما تأمَّن المال فإنه يساهم في تحرير الإنسان من ضغوطات الحياة، ويتمكَّن بالتالي من تملك القدرة على التحكم بمقدرات حياته. |