بقلم دكتور/ إسلام محمد سعيد
ماجستير ارشاد سياحى
قامت الحضارة المصرية القديمة على عدة ركائز أساسية ساهمت فى تدوين دستورها المعروف بقانون الماعت رمز العدالة والمساواة، وقد كان الحب اهم تلك الركائز التى نبعت من ارض مصر، فعاش المصرى القديم فى بيئة ومجتمع لم يعرف سوى معانى العفة و العاطفة السامية التى كانت موضوعا هاما دارت حوله العديد من الاساطير، فكثيرا ما كان يحرص المصرى القديم على ابراز مظاهر الحب و العشق من خلال تسجيل احتفالاته على جدران المعابد والمقابر اعتماداً على فن التصوير في التعبير عما يكنه من مشاعر في داخله قد لا يستطيع التعبير عنها في نصوصه ، هذا ومع الوصول للعصر الراهن لم تختلف مظاهر الاحتفالات التى يتبارى العشاق فيها بتبادل الزهور و الهدايا فى يوم عيد الحب او الفلانتين كما يُعرف ، فقد كان المحبين والعشاق فى مصر القديمة منذ آلاف السنين يحرصون على اهداء الورود والزهور لمن يحبون تعبيرا عن العشق و الغرام في احتفالية يطلق عليها "الوليمة". وتحتوى العديد من المقابر فى الجيزة وسقارة على عشرات الجداريات التي تصوّر مظاهر احتفاء المصري القديم بمعشوقته، لعل اهمها وابرزها مقبرة المطرب " كاهاى" مغنى البلاط الملكى و زوجته "ميريت ايتس" احدى كاهنات معبد آمون، تم اكتشاف تلك المقبرة عام 1966م بمنطقة سقارة ويرجع تاريخها الى مايقرب من 4400 عام، زُخرٍفت جدرانها بالعديد من المناظر التصويرية الهامة من بينها نقش جدارى يُسجل اول و أجمل قصة حب عرفها التاريخ، وهو مشهد للزوجين ( كاهاى ) و ( ميريت ايتس) يحدقان في عيون بعضهما البعض ليتبادلوا مشاعر الحب و الطيبة، وتظهر الزوجة (ميريت ايتس) وهى تضع يدها اليمنى على الكتف الأيمن لـ للزوج (كاهاي) تعبيراً عن الاحتواء و الحنان، هذا ولم يغفل الفنان المصرى القديم اعطاء المشهد المثالية فى كمال التفاصيل سواء كانت فى التعبير عن الغرض الاساس من المشهد وهو ابراز مشاعر الحب و العاطفة او فى التعريف بهوية ومكانه الشخص داخل المجتمع فنجده اخذ يصور الزوج " كاهاى" وهو مرتدياً شعرا مستعارا، وقلادة على كتفيه، وتنورة، وأساور وجلد نمر،ويسمك عصا وصولجان والتي كانت بمثابة رموز تدل على السلطة والمسؤولية التي ربما تتعلق بترقيته إلى منصب مدير حفلات الغناء، أما بالنسبة لتصويره لملابس الزوجة (ميريت ايتس) فتشمل شعرا مستعارا طويلا، وعقد، وقلادة عريضة، وأساور، ولباس ضيق طويل بحمالات كتف صورت على مايبدو أنها تركت إحدى ثدييها مكشوفا...وتلك هى الحضارة المصرية القديمة التى جسدت مبادىء الحب و القيم والاخلاق فى أجمل مشهد لأجمل قصة حب منذ آلاف السنين ظلت معانيه باقيه رغم كل الازمات و الصراعات و مظاهر التحرش و ازدراء المرأة و حقوقها .
|