بقلم د/ إسلام محمد سعيد
ماجستير فى الارشاد السياحى
"يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها" احدى مقولات الكاتب الامريكى الساخر " مارك توين " والتى يمكن ان تطبق بالنظر الى " تمثال الحرية " اهم معالم الولايات المتحدة الامريكية المهداه من فرنسا فى الثامن والعشرون من شهر اكتوبر عام 1886 م لتوثيق مبادىء الصداقة بينهم فى ذكرى الاحتفال بمئوية الثورة الامريكية، فقد ظلت الحقيقة مستترة حتى دخل عالمنا القرن الحادى والعشرون، ليقوم معهد إدارة المتاحف " سميشسونيان " بالولايات المتحدة الامريكية بنشر مقالاً فى يوم الخامس و العشرون من شهر نوفمبر عام 2015م بالجريده الصادره عنه يكشف لنا حقيقة قكرة تصميم تمثال الحرية والتى تعود جذورها الى افتتاح قناة السويس الملاحية عام 1869 م، فقد اراد النحات الفرنسى " بارتولدى" نشر رساله الحرية و الحضارة الانسانية فى صورة امرأه مصرية محجبة ترتدى ثوباً طويلاً و تحمل جرة، كان قد شاهدها خلال رحلته الى مدينة الاقصر، فأتت إليه الفكرة على الفور بتصميم تمثالا يمثل نفس هيئة تلك المرأة وهى تحمل فى يداها شعله تنير بها العالم على ان يكون التمثال مطلا على موقع ساحلى، الأمر الذى جعله يتجه الى الخديوى اسماعيل ليعرض عليه نموذج مصغرا للتمثال يقترح تصميمه ونصبه عند مدخل القناة فى مدينة بورسعيد عند افتتاحها كتمثيلا لمصر وهى تحمل شعله حرية الملاحة أمام العالم، الا ان التكاليف المبدئية لتشيد التمثال كانت باهزة وقتئذا فقد وصلت الى 600 ألف دولار الامر الذى جعل الخديوى اسماعيل يرفض اقتراح "بارتولدى" معتبراً اياه مبلغا ضخما لا يقدر عليه بعد ما تم انفاق الكثير على حفر القناة و التجهيزات لحفل الافتتاح .. وعلى أثر رفض الخديوى للأمر، عاد النحات الفرنسى الى دولته ليستغل فكرته فى مواكبه فترة حرص الجمهورية الفرنسية الثالثة على اهداء عددا من دول العالم هدايا تذكارية لتأصيل مبادىء الصداقة و التعاون معها، فعرض نموذج التمثال لتوافق فرنسا بعد ذلك علية ويبدء العمل على التصميم الفعلى من اجل اهدائه للولايات المتحدة الامريكية كما ذكرنا سالفا، الا ان الامر لم يكن هيناً فقد تم تقسيم العمل بين البلدين، ففى حين صمم الفرنسيون جسد التمثال قام الأمريكيون بتصميم القاعدة التى ارتكز عليها التمثال ولإتمام المشروع قامت حملات ضخمة فى البلدين لإيجاد التمويل الازم الى ان تم الانتهاء من تصميم التمثال فى فرنسا وشحنه بعدها الى ميناء نيويورك داخل 214 صندوقاً حملوا اجزاء التمثال المقسمة الى 350 قطعة تم تخزينها لحين انتهاء أمريكا من بناء القاعدة التى ارتكز عليها التمثال بجزيرة بدلو فى مدينة نيويورك و التى عرفت بعد ذلك بجزيرة الحرية نسبة لصفة التمثال..هذا ولم يكن الامر شقاً فقط على فرنسا وامريكا فى تنفيذ المشروع بل تملك ايضاً من "بارتولدى" الذى حُتم عليه تغير رؤيته الفنية التى نبعت من الهوية المصرية فى ملامح وهيئة التمثال المجسد للمرأة المصرية المحجبة، فأخذ يفكر كثيرا فى تحوير شكل التمثال على قدر الامكان ليواكب الحدث المصنوع من اجله وذلك بالاعتماد على افكار و اهداف الحدث نفسه فاتبع رمزيات و تعبيرات الثورة الامريكية التى نادت بالتحرر من قيود الاستبداد فمثلها فى صورة فتاة رفعت بيداها اليمنى مشعلا يرمز للحرية وحملت بيداها اليسرى كتاباً منقوشاً على غلافه تاريخ " 4 يوليو 1776م "وهو تاريخ اعلان استقلال امريكا، وعن رآس التمثال فقد عجز بارتولدى عن التخلص من رؤيته الفنية المتأثره بالفن المصرى فنجده حين اراد الاشارة فى تاج الرأس للسبع بحور رمزا للقارات السبعة استعان بشكل التاج الملكى الخاص بملك مصر البطلمى بطليموس الثالث المنقوش على احدى اوجه عملاته المعدنية فكان يمثل التاج الملكى وكأن اشعه الشمس تخرج منه على هيئة آسنة الامر الذى يُشابه بشكل كبير تاج تمثال الحرية الحالى..وهنا تتكشفت الحقيقة بعد مايقرب من قرن ونصف القرن من الزمن لتُثبت ان مصرنا الحبيبة شعله حضارية تًنير كل علوم وفنون العالم سواء كانت بطريقة مباشرة او غير مباشرة .
|