بقلم الدكتور/ إسلام محمد سعيد
ماجستير إرشاد سياحى
" فإن أنت شببت و تزوجت و استقررت فى دارك، فتذكر أمك التى ولدتك، لا تدعها تلومك و ترفع كفها إلى الاله فيسمع شكواها.." هكذا كانت رسالة الحضارة المصرية القديمة إعتزازا بدور الأم منذ فجر الضمير، ومع ذكرى الاحتفال بعيد الأم كل عام يُخيل لدى البعض ان جذور هذا الاحتفال ترجع الى الفكرة التى طرحها الكاتب الصحفى الكبير "مصطفى أمين " وقدمها للشعب المصرى فى كتابة أمريكا الضاحكة عام 1943م رغبه فى تخصيص يوم للإحتفال بالأم يكون بمثابة رد للجميل لكل ماتقدمه من تضحيات، وبالفعل تمت الفكرة فى عام 1956م وجاء الاحتفال بأول عيد أم فى مصر فى أول يوم فى فصل الربيع .. الا ان تلك الفكرة كانت فى الاصل مستوحاه من حلم " آنا جارفيز " الناشطة الاجتماعية الامريكية التى نادت بجعل يوم اجازة رسمية لتكريم الأمهات وذلك بعد ان حلمت بوالدتها الراحلة وهى تُكرم وسط جمع من الامهات بفضل ما قدموهن من تضحيات اتجاه أبنائهم وبالفعل احتفلت " جارفيز " بأول عيد أم فى عام 1908م فى شكل حفل تأبين لأمها، ومع قدوم عام 1914م نجحت " جارفيز " فى جعل هذا اليوم أجازة قومية يحتفل به الاحد الثانى من شهر مايو كل عام .. ألا ان حلم " جارفيز "هو الآخر لم يكن أساس فكرة الاحتفال بعيد الأم، فمنذ عصر ما قبل التاريخ وتتمتع الام بحقوق لم تنالها فى عصرنا الراهن فقد عُثر فى مصرنا الحبيبة على بردية تعود لعصر الدولة القديمة يرجع تاريخها الى حوالى 5000 عام تذكر نصوصها احتفاء المصرى القديم بعيد الأم فى احتفالا مهيباً يُقام كل عام فى شهر " هاتور " اخر شهور فيضان النيل فى التقويم المصرى القديم مواكباً لفترة بدء خصوبه الارض وجاهزيتها لبذر البذور، فقد تجسدت داخل عقل وقلب المصرى القديم فكرة تشبيه الأم بنهر النيل الذى يهب الحياة و الخير والنماء للبشرية لذا فكان الاحتفال بها أقل تقدير يمكن ان يقدم فى مراسيم حوت الكثير من الهدايا و الزهور و التماثيل المقدسة المعبرة عن الامومة وضعت بغرفتها وهو الامر الذى يتشابه كثيراً مع اشكال الاحتفال بعيد الام فى عصرنا المعاصر وان اختلف نسبياً طبقا للزمن و العقيدة الدينية، يًضاف الى ذلك هناك عدد ليس بالقليل من البرديات و الاوستراكا وجدت بمقابر عصر الدولة الحديثة حوت نصوصها مظاهر احتفال و تبجيل الام المثالية فى عيدها.. هذا وقد نبعت فكرة الامومة فى مصر القديمة منذ نشأة الخليقة وظهور علم المثولوجيا المصرية فقد كانت مناظر " الألهة الام " واحدة من اكثر المشاهد الشعبية التى مثلت الام وهى ترضع طفلها فى العديد من التصويرات الجدارية والتماثيل الإلهية كان من بينهم تمثال الالهة ايزيس التى تظهر جالسة على العرش تطوى ذراعيها وتسند بيدها اليسرى رآس ابنها الرضيع ( حورس ) الجالس فى حجرها وتعطى له ثديها بيدها اليمنى فى مشهد يعبر عن نبع ونماء الحياة.
أنها الام التى اعزها الله فى كتابة الكريم بكل المعانى وكرمها بمكانة عالية فى كل الاديان وغرز محبتها فى القلب لتصبح فطرة حب وحنان تُعبر عنها الاقوال و الافعال تقديراً لقيمتها ودورها فى الحياة كما جاء فى بردية الحكيم المصرى القديم "آنى" ونصحه لأبنه قائﻻ : " أطع أمك و أحترمها، فإن الإله هو الذى اعطاها لك ، لقد حملتك فى بطنها حملاً ثقيلاً ناءت بعبئه وحدها، دون مساعدة و عندما وُلِدت قامت على خدمتك أم رقيقة لك، ثم ارضعتك ثلاث سنوات، وأرسلتك لدار العلم ..." |