بقلم الدكتور/عمرو محمد الشحات
خوند طغاي ، كانت في الأصل جارية تركية من المغنيات، اشتراها الأمير تنكز نائب الشام من دمشق بتسعين ألف درهم، ثم طلبها الناصر والمغنية (خوبي) اشتراها الأمير بكتمر الساقي بعشرة آلاف درهم، ثم اشتراها الأمير بشتاك بستة آلاف درهم واتفاق العوادة اشترتها ضامنة المغاني من مدينة بلبيس بمبلغ أربعمائة درهم، ثم قدمت لبيت الناصر محمد واشتهرت فيه واشترى الأمير الطبرس المنصوري جارية بخمس عشر ألف درهم، ودفع ثلاثة آلاف درهم لكسوتها ، وتشير أحداث (سنة 748هـ/1347م) إلى إنعام الأمير أرغون شاه على أحد مماليكه بخمسة عشر فرساً.. وجارية بخمسة آلاف درهم.
تزوج الناصر محمد من جاريته طغاي وجعلها الخوند الكبرى ولم يدم على محبة امرأة غيرها، وفضلها على جميع زوجاته رغم أن كل زوجاته كن من بنات أمراء جميعا ، و كانت الخوند الكبرى بعد ابنة نوكيه؛ ( خوند أردكتين) وهي أكبر الزوجات، مُقدمة حتى على خوند ابنة الأمير سيف الدين تنكز وكانت بديعة الحسن بارعة الجمال ورأت من السعادة ما لم تنله غيرها من النساء " وقد حجت وكان بصحبتها القاضى كريم الدين الكبير، واحتفل بها احتفالاً كبيراً، فحمل لها البقول فى محاير طين على ظهور الجمال وأخذ لها الأبقار الحلابة من اجل اللبن وعملا الجبن وكان يقلى لها الجبن فى الغذاء والعشاء، كان القاضى كريم الدين وعدة من الأمراء يترجلون عند النزول ويسيرون بين يدى محفتها، ويقبلون الأرض لها كما يفعلون مع السلطان
وقد وصلت إلى مكانة كبرى حيث اصبحت ولاية العهد لم تكن بمنأى عن التدخل السياسي لها فلعبت دوراً هاماً في تولية ابنها ، فقام الناصر محمد عهد سنة (732هـ / 1331م) بولاية العهد لابنها الأمير أنوك ، بناءً على رغبة زوجته المدللة طغاي، وذلك على الرغم من أن إخوته كانوا أكبر منه سناً، فركب بشعار السلطنة ، ووزعت الخلع على الأمراء، لكنه لم يلبث أن عدل عن رأيه، ورسم أن يلبس أنوك شعار الأمراء، وربما كان السبب في ذلك هو صغر سنه إذ كان آنذاك في التاسعة من عمره، أو ربما خشى عليه من إخوته، حيث لم يكن أنوك مثل إخوته عند والدهم الناصر، فكان يتمتع بمنزلة مميزة لديه، وذلك لحبه الزائد لأمه خوند طغاي، لذا أعطاه دون سائر إخوته أعلى رتبة عسكرية في الجيش المملوكي، وهي رتبة أمير مائة مقدم ألف، في حين أعطى أخواته رتبة أقل منه وهي أمير أربعين ، فكان إخوته الكبار يركبون وينزلون في خدمته فيخلع عليهم ويعطيهم ، كما منحه والده رنك جده المنصور قلاوون .
وقد برر البعض ذلك بالقول " لم يكن عند أبيه أعز منه لأنه ابن الخوندة وهي خوند طغاي الزوجة المفضلة لديه.
وفي ذات المنحى ما ذكرته بعض المصادر أنه بفضل صلة القرابة بين الناصر محمد بن قلاوون والأمير اقبغا بن عبد الواحد -حيث كان الأخير أخا زوجته المفضلة طغاي- وكان آثار ذلك عليه أنه ترقى في دولة الناصر محمد وعلا حيث عدَّ أحد المقدمين، كما ولى شئون الاستدارية ثم أصبح مقدم المماليك ، وعلا شأنه، حتى أصبح جباراً كثير الظلم، بسبب السلطة التي تمتع بها بعد زواج السلطان الناصر من أخته طغاي، وظل كذلك حتى تولى السلطان المنصور أبو بكر ابن الناصر محمد (741-742هـ/1341م) السلطنة الذي لم يعجبه الأمر فعزله عن كل مناصبه وصادره.
وكانت خوند طغاي تتدخل لرد العقوبات من نفي وغيره، وخير مثال على ذلك تشفعت لدى زوجها في الأمير فضل بن عيسى أمير عربان الشام الذي قد كان خرج عن طاعته، فبشفاعتها عفي عنه، وأعاده إلى أمرة العرب في سنة (722هـ/1322م) ، وقد استمر نفوذها حتى بعد وفاة زوجها الناصر، وظلت معظمة في عهد أبنائه، والدليل على ذلك عندما أراد السلطان الكامل شعبان مصادرة الطواشي كافور الهندي ونفيه إلى الشام شفعت فيه عند السلطان الكامل الذي اكتفى بنفيه إلى القدس.
كما نقلت لنا الروايات أن خوند طغاي تسببت في إلغاء مكس من المكوس، حيث أبطل زوجها الناصر محمد عن مكة المكس الذي كان يؤخذ على القمح بناءًا على رغبتها . كما توسطت خوند طغاي والست مسكة عنده لرفع الظلم عن تاجر أخشاب ألزمه النشو بألفي دينار.
ونجد أيضاً أن تدخلها في شئون الحكم ومكانتها في البلاط لم ينسيها أمومتها فظهر مدى حبها لابنها وحمايته من عقاب والده ، حيث أن الأمير آنوك بن الناصر محمد كان قد شغف بحب جارية من المغاني تدعى زهرة عن زوجته ابنة بكتمر الساقي حتى علمت أمه خوند طغاي بذلك وإرضاءً له تسترت عليه وأمكنته من هواها فعلم السلطان الناصر فدخل إلى الدور واستدعى أنوك وهم بقتله فمنعته أمه طغاي . لولا تدخل أمه خوند طغاي التي أشفقت على ابنها حيث مرض لحرمانه منها وكاد أن يخسر حياته بسببها فمكنته أمه من لقائها سراً.
|