بقلم/ محمود فرحات
(جد) او (دد) من اقدم واهم العلامات التصويرية والتمائم في مصر القديمة ، وتعني كلمة (جد) او (دد) باللغة المصرية القديمة (مستقر/ثابت) وهي كلمة توحي بالثبات والاستقرار .. ومن المعروف ان الانسان المصري كان في كل رموزه الدينية يسعى الى الاستقرار والثبات والابتعاد عن كل ما يساعد على الفوضى ويمكن ذلك قد اتى بسبب حياة الانسان المصري التي كانت قائمة على الزراعة
ترسم علامة (جد) على هيئة عمود فقري يعتقد انه العمود الفقري لاوزيريس (أوسر) وهذا ما يعلل على ارتباط العلامة بهذا النتر وخاصة خلال عصر الدولة الحديثة حيث رسمت على التوابيت واستخدمت كتمائم للمتوفي ، ولكنها كذلك ارتبطت بنتر آخر وهو (بتاح) حيث نجد مشهد في مقبرة الملكة (نفرتاري) النتر (بتاح) يقف في شبه مقصورة وخلفة عمود (جد) حيث اتت النقوش تفيد بثبات الحماية والحياة والاستقرار ، وقد كان (بتاح) نفسه يدعى ب(جد)
وهناك رأي آخر يرى انها مستمده من احد شعائر الحصاد الساذجة والتي كان يقيم فيها الفلاحين في العصور الغابرة اعواد من حزم القمح المربوطه بشكل رأسي في الحقول ، بما يفيد ان انتصاب هذه الاعواد قائمه في وضع راسي يعني الحياة والتغلب على الموت والسكون والفناء ومنه اتت فكرة انتصاب عمود (جد) لتدل على استمرارية الحياة.
ولذلك اصبح لزاماً على كل ملك أن يقيم العمود الفقري لاوزيريس (أوسر) في مشهد تمثيلي رمزي يحاكي فيه الملك المصري حورس (حر) والذى قام به فى الأزل لأن تكرار نموذج الزمن الأول هو الذى يحقق الثبات والاستقرار ويحفظ مصر والكون من السقوط فى هاوية الفوضى والظلام
يقول رندل كلارك حول طقسة اقامة عمود (جد): "لم ينهض اوزيريس ويغادر قبره او العالم السفلي في صورة رجل نشط اذ نرى في لاهوته المكتمل ان روحه هى التي تحررت لترقى الى السماء في صورة نجم او تندمج لتتجسد في قوى لحياة التي تعمر السنة التاليه ، وجاوز اوزيريس نطاق اسطورته اذ مثل روح الحياة ذاتها كما تتجلى في نمو النباتات وفي بذر الانسان والحيوان وكان اعظم ما حققه المصري في ديانته من انجاز هو تحويل هذا الله الذي يرعى الخصوبة بصفه عامة الى مخلص للموتى او بمعنى ادق منقذهم من الموت .. لقد امن المصريون القدماء بانهم سيواصلون الحياة في روح اوزيريس لذا كانت قيامة اوزيريس لب الحياة العاطفي والحقيقة التي ارتكز حولها بنية الكون وللتعبير عن هذا الكائن الهائل استخدموا رمز مستمد من ماضيهم شبه المنسي وهو عمود خشبي سموه عمود (جد) والتي تعني الثبات او الاستقرار"
وقد خصص الفصل رقم 155 من كتاب (الخروج للنهار) وهو احد الكتب المقدسة في مصر القديمة للتحدث عن قلادة عمود (جد) ويحدثنا الفصل عن ان من توضع له هذه القلادة حول رقبته في اليوم المحدد سيكون من اتباع اوزيريس (اوسر) وكل من يعرف هذا الفصل من كتاب (الخروج للنهار) سيكون روحاً طاهرة في مملكة العالم الغرب وسيعطى من فطائر اوزيريس وسيخرج منتصراً على اعداءة في مملكة العالم الاخر.
وقد ارتبط العلامة (جد) بعلامات مثل (تيت) التي تكلمنا عنها في الحلقة السابقة وعلامة (عنخ) وغيرها من العلامات التي سنتحدث عنها في الحلقات القادمة..
وللحديث بقية .. فأسرار الحضارة المصرية لا تنتهي. |