الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الحلواني

الحلواني
عدد : 05-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة (كنوزأم الدنيا)
tbadrawy@yahoo.com


كلمة حلواني إسم منسوب إلى حلوى والحلواني هو صانع الحلْوى وكذلك بائعها وهو حرفي متخصص في صناعة الحلويات والمعجنات وغالبا ما تقترن وترتبط هذه المهنة إرتباطا وثيقا بفن إبداع وتزيين وصناعة الحلويات والمعجنات مع غيرها من الأنشطة والمهن القريبة منها إرتباطا وثيقا كالخباز وهو الشخص الذي يخبز المخبوزات أو المعجنات من خبز وكعك وخلافه والشوكولاتي وهو الحرفي المتخصص في صناعة الحلويات والمعجنات الشوكولاتية من جاتوهات وتورتات وخلافه وصانع الآيس كريم ومتعهد خدمات الحفلات وغالبا ما نجد الحلواني الماهر على دراية جيدة فوق تخصصه بالحرف المرتبطة والقريبة من حرفته وللحلواني زى أو يونيفورم مهني يميزه وذلك في الأساس لأسباب متعلقة بالنظافة والسلامة المهنية وللمحافظة علي الصحة العامة وعدم تلويث منتجاته بأى ميكروبات أو جراثيم وغالبا يكون هذا الزى من اللون الأبيض ويتكون من سروال طويل وسترة تتميز بأزرار كبيرة وغالبا تزينها علامة مميزة لمهنة الحلواني ولفن الطبخ على الجانب الأيمن أو الأيسر منها إلي جانب حذاء سلامة ومئزر وقفازات المطبخ وقبعة الطبخ وتسمي السلاطيرى وذلك لتلافي سقوط أى شعر من رأسه علي الحلويات التي يقوم بتصنيعها هذا وتستعين الفنادق والقرى السياحية بالعديد من الحلوانية من أجل تصنيع أصناف عديدة سواء من الحلويات الشرقية أو الغربية وذلك لتقديمها للنزلاء في وجبات الغذاء والعشاء والتي تؤثر جودتها وحلاوة مذاقها علي تقييم هذه الفنادق والمنتجعات .


كما ترتبط هذه المهنة في الأساس بالحلويات التي يطلق عليها الحلويات الشرقية والتي يكثر الإقبال عليها بصفة خاصة في شهر رمضان المعظم ففى شهر رمضان يتناول الصائمون وجبات من هذه الحلويات بشكل شبه يومى مما يجعل الصائمين لا يميلون للإلتفات إلى أصناف الحلوى الغربية كالجاتوه والتورتات وتشمل الحلويات الشرقية عدة أنواع منها الكنافة والتي تعد نوع من أنواع الحلويات المشهورة في بلاد الشام ومصر منذ قديم الزمن وينتشر تقديمها أيضا في العزائم والمناسبات والإحتفالات وهناك أنواع عديدة منها فمنها الكنافة النابلسية والكنافة المبرومة والكنافة بالقشطة والكنافة بالجبن ومن الحلويات الشرقية أيضا نجد القطايف وهي نوع من أنواع الحلويات السورية الأصل وتقول بعض الروايات إنها تعود للعصر العباسى ومنهم من يقول الأموى وثالث أنواع الحلويات الشرقية هو البسبوسة وسبب إطلاق هذا الإسم عليها يعود لطريقة عملها الذي يتطلب البس أي مزج الدقيق بالسمن والسكر حتى يمتزجا تماما ورابع أنواع الحلويات الشرقية هو البقلاوة وهي صنف من الحلويات موجود في العديد من المطابخ العربية والآسيوية كالمطابخ الشامية والمغربية والتركية وأيضا مطابخ جنوب شرق قارة آسيا والمطابخ البلقانية وهي تصنع من رقائق عجين خاص وتحشى بالجوز أو الفستق الحلبي ويتم تحليتها بالسكر أو العسل وخامس أنواع الحلويات الشرقية هو بلح الشام وهي حلوى سورية المنشأ ويرجع سبب تسميتها إلى سبب إبتكارها حيث قام صانعو الحلوى بإنتاج هذا النوع من العجينة المسقية بالسكر ويشكلونه علي هيئة البلح ومن هنا أطلق عليه بلح الشام وينتشر تناوله في مصر وبلاد الشام والعراق وتركيا وأخيرا نجد النوع السادس من الحلويات الشرقية وهو حلاوة الجبن وهي حلوى تقليدية شهيرة في سوريا وتصنع من الجبن والسميد والسكر وماء الزهر وتأخذ في النهاية شكل شرائح طرية تكون حلوة الطعم وتقدم محشية بالقشطة أو سادة وإلي جانب هذه الأصناف توجد بعض الأنواع الأخرى مثل عيش السرايا وتصنع من السميد والسكر والنشا والقشطة والبسيمة وتصنع من السميد والسكر والحليب والسمن وجوز الهند والهريسة وهي تشبه البسبوسة وتصنع من السميد والسكر والحليب وجوز الهند والزبدة أو السمن ومن الملاحظ أن هذه الحلويات التي تحدثنا عنها حلويات سهلة وبسيطة يتغلب عليها الطابع الشرقى ويمكن إنجازها فى دقائق وبأقل التكاليف كما يمكن أن يتم تقديمها للضيوف كهدايا فى العزومات كما يمكن للسيدات إنجازها فى المنازل .



ومهنة الحلواني مهنة قديمة جدا إرتبطت بالنشاط الإنساني منذ بدء الخليقة وكثيرا ما يتردد في مجتمعاتنا أقوال كثيرة دون أن نعرف مدى صحتها ولكننا نستخدمها كثيرا فى كلامنا ومن ضمن هذه العبارات اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى كما كانت هذه العبارة ضمن كلمات غناها الفنان على الحجار فى تتر المسلسل التليفزيوني الشهير بوابة الحلوانى وأصل هذه القصة هو أنه يقال إن القائد الفاطمي جوهر الصقلى الذى قام ببناء القاهرة الفاطمية والتي مر علي بنائها حوالي 1050 سنة تعود أصوله إلى الأرمن فى كرواتيا الحالية وقد ولد وعاش فيها قبل أن ينتقل إلى صقلية التى ذاعت شهرته بها ونسب إليها وكان معروفا عنه أنه يجيد صناعة الكنافة والحلوى قبل أن يباع كمملوك للخليفة المنصور بالله ثالث الخلفاء الفاطميين ووالد الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله والذى ألحقه بالجيش الذى ترقى فيه حتى صار أشهر رجاله ثم أصبح قائدا للخليفة الفاطمي المعز لدين الله من بعده وقد جاء إلي مصر قائدا لجيش الفاطميين وإسترد مصر من الإخشيديين وتم بناء القاهرة وسورها القديم والجامع الأزهر على يد هذا القائد العسكرى الحلوانى قبل مجىء الخليفة المعز لدين الله الفاطمى إلي مصر وقد قام بتسميتها بـالقاهرة لا لأنها تقهر أعداءها كما كان شائعا ولكن لأن النجم القاهر ظهر في سمائها وقت وضع حجر الأساس لها وهكذا إختار جوهر الصقلي إسم القاهرة للمدينة الوليدة تيمنا بهذا النجم و قد بدأ تأسيس مدينة القاهرة ببناء سورها القديم وبوابات هذا السور والتي من أشهرها باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر وكان يقع في مركزها القصران الخاصان بالخليفة وما بينهما وهو حي بين القصرين ثم بدأ البناء بالداخل و بناء الجامع الأزهر لتصبح القاهرة عاصمة الفاطميين و منبر المذهب الشيعي الإسماعيلي الذى كان يعتنقه الفاطميون .


و يقال إن المؤرخين يعتقدون أن القاهرة الفاطمية تعتبر نموذجا رائعا بهيا متكاملا لتخطيط المدن فقد أحسن جوهر الصقلي في تصميمها وأبدع في بنائها وقد منع السكان من دخولها طوال فترة البناء التي إمتدت لحوالي أربعة أعوام كاملة و لما جاء الخليفة المعز لدين الله إليها قادما من تونس إنبهر بجمالها وجعلها عاصمته و أحضر رفات جدوده ليستقروا معه فيها وبالتالي فباني مصر الحلواني لم يكن مجرد حلواني فحسب بل كان قائدا عسكرياً عبقريا و رجلا شديد الذكاء ومن الواضح أنه كان علي مستوي عال من العلم والمعرفة فكان يفهم في الفلك وفي العمارة وفي صنع الحلوي بالطبع و كان يقدر العلم فبني جامعة عظيمة لاتزال من معالم مصر حتي الآن وهي الجامع الأزهر والتي أصبحت بعد إنتهاء عصر الفاطميين قلعة المذهب السني الشامخة الذى يعتنقه المصريون علي الرغم من أن الغرض من بنائها كان أن تصبح قلعة المذهب الشيعي الذى لم يعتنقه أهل مصر علي الرغم من أن حكامهم طوال أكثر من 200 عام كانوا من الشيعة وهكذا شعب مصر علي مر العصور لا يمكن أن تتغير عقيدته الراسخة مهما حاول حكامه وهو نفس ماحدث عندما إحتل الإنجليز مصر وحاولوا طمس اللغة العربية كما طمست في بلاد أخرى دون جدوى بل علم المصريون الإنجليز اللغة العربية .

ومقولة اللي بني مصر كان في الأصل حلواني تشعر بها عندما تأخذك قدماك إلى مناطق القاهرة الفاطمية الأثرية ومنها شارع المعز لدين الله الذي يحتفظ برونقه التراثي حتى اليوم وفي مدخل هذا الشارع العتيق من جهة شارع الأزهر ستجد تجسيدا حرفًا حيا لهذه المقولة المجازية يتمثل في الحاج سامي الحلواني بائع حلوى البسبوسة والكنافة الذي يعد علامة مميزة من علامات هذا المكان حيث يتواجد به منذ سنوات طويلة وارثًا مهنته كحلواني من آبائه وأجداده ويقوم بتقديم حلوياته لزوار شارع المعز والمترددين على مسجد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما وسوق خان الخليلي ومحيط الأزهر الشريف وأسواق الغورية والموسكي والعطارين التي تكتظ ليلا ونهارا بالمصريين والسائحين من مختلف الجنسيات ومن الغريب والعجيب أن الرجل لا يمتلك محلا لبيع حلواه ولكنه يمتلك فقط مجرد فاترينة صغيرة تحتوي على صينية بسبوسة وأخرى للكنافة فيما يقف هو من ورائها حاملا في وجهه قسمات سنواته السبعين وفي يديه حرفة تعجن الحلوى بسر الصنعة بينما لسانه يتجمل بكلمات إبن البلد الشهم فيما تتداخل من خلفية هذا المشهد روائح البخور والأعشاب والعطور المنبعثة من حوانيت جيرانه لتفوح من المكان روائح عبق الماضي ومذاق الحاضر .


ويقول الحاج سامي أنا هنا من أيام جد الجد وذلك مع أول قطعة من الكنافة أو البسبوسة تدخل فمك في محاولة لإغرائك بالمذاق الحلو وإشعارك بقيمة ما تتناوله فهي قطع لا تحمل فقط مذاقًا حلوا سائغا ولكنها تحمل أيضا طعم التراث والأصالة ويضيف الرجل الذي يطلق على نفسه إسم أخصائي الحلويات الشرقية إن مهنة الحلواني توارثتها من أبي وهو ورثها بدوره عن أبيه وهو ما يمتد إلى أجدادي أيضا وذلك منذ القرن التاسع عشر الميلادى وجميعهم كانوا يجلسون بصواني البسبوسة والهريسة والكنافة والبقلاوة بمحيط منطقة الأزهر والغورية ومنطقة زقاق المدق وهو أحد الأزقة القديمة بمنطقة الحسين وكانت لهم شهرة كبيرة نظرا لجودة مذاق ما يصنعون من حلوى وبلغة الراوي يقص كيف أن العروس المصرية قديما كانت تشتري جميع ما تحتاجه من مفروشات من محلات شهيرة بالأزهر تسمى محلات عوف والتي كان يقصدها العروس وأهلها وجيرانها للشراء ثم يتم تحميل هذه البضاعة على عربات كارو ويمشي إلي جوارها أهل العروس وكانت هذه العائلات قبل الرحيل تختتم يومها بشراء البسبوسة والكنافة من أفراد عائلتي ومن هنا إكتسبت بضاعتنا شهرة كبيرة بين العائلات وكما توارثنا نحن صناعتنا توارث هؤلاء الأهالي على مدار الأجيال التالية مذاق البسبوسة والكنافة الخاصة بنا وأصبحوا أيضا من زبائننا ويتفاخر الحاج سامي بأن جده ظهر بشخصيته كبائع حلوى في إحدى لقطات فيلم زقاق المدق المأخوذ عن رواية للأديب المصرى الكبير الحائز علي جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ والذى يعد من أفضل أعمال السينما المصرية إنتاج عام 1963م وإخراج حسن الإمام وبطولة الفنانة الكبيرة الراحلة شادية وشاركها البطولة نخبة من أكبر فناني مصر منهم الفنان صلاح قابيل والفنان حسن يوسف والفنان يوسف شعبان والفنان محمد رضا والفنان توفيق الدقن والفنان عبد الوارث عسر والفنان حسين رياض والفنان بدر نوفل والفنان جمال إسماعيل والفنان محمود شكوكو والفنانة سامية جمال والفنانة عقيلة راتب والفنانة ثريا حلمي والفنانة سهير الباروني حيث ظهر وسط مجموعة من هؤلاء الفنانين الكبار الذين كانوا يمثلون أهالي الحي حاملا صينية بسبوسة .


ويترك حلواني شارع المعز التاريخ قليلا ليحدثنا عن حاضره فيقول إنه يقوم بصنع الكنافة والبسبوسة بنفسه داخل منزله الكائن بحي الغورية المجاور لشارع المعز مؤكدا أن ما تتميز به بضاعته أنها دائما طازجة بعكس محلات الحلويات الكبرى التي تبقى فيها الحلوى لأيام مبينًا أنه يعمل بالمثل الشعبي القائل بياع الصابح رابح ويوضح أنه يكتفي بقليل من الحلوى صينية أو إثنتين فما يهمه في المقام الأول المذاق الجيد الذي يعتبره رأسماله والذي يجذب به الزبائن سواء لتناول الحلوى أمامه أو شرائها مغلفة لتناولها في أماكن أخرى وكما أن صناعة الحلوى فن فالبيع والشراء فن أيضا وأنا لي طريقتي وأسلوبي في البيع فأنا أتحاور مع الزبون وأحاول فتح أحاديث معه خصوصا عن تاريخنا مع البسبوسة وأقيم معه علاقة ود ومحبة ويحكي بائع البسبوسة المخضرم أنه يعرف الكثير من زبائنه بالإسم والذين يقصدونه لتناول الحلوى عندما تشتاق أنفسهم إليها كما أن طلاب الأزهر الشريف كثير منهم يعرفون بضاعته ويبتاعون منه وعلي الرغم من مرور سنوات بعد تخرجهم يتذكرونه ويترددون عليه كلما سمحت ظروفهم بذلك ويذكر الحاج سامي موقفًا حدث له فيقول كان رئيس مجلس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب في زيارة لمنطقة القاهرة الفاطمية وقام بتفقد شارع المعز ولأنني أقف بمدخل الشارع وجهني مدير الأمن أن أفسح الطريق ففوجئت برئيس مجلس الوزراء يقول له عني إنه هنا من قديم الأزل وهي الكلمات التي أسعدتني بشدة وأكدت لي أنه ربما ذاق بضاعتي يوما ما وأعجبته وبلغة الخبير يعدد أخصائي الحلويات الشرقية مواصفات الحلواني الجيد موضحا أن سر الصنعة يتمثل في ضبط مكونات وخامات البسبوسة والكنافة من السمن والدقيق وكميات السكر .

 
 
الصور :