بقلم الدكتور /عادل عامر
إن الحديث عن الأمن والسلام الاجتماعي لا ينبغي أن يعني أن لكل من هذه الكلمات معان منفصلة وذلك لان الأمن بمفهومه العام وليس الخاص إنما هو يرتبط بالمجتمع تماماً كالسلام ولعل الاستخدامات المهنية جعلت من كلمة الأمن وطيدة الصلة بالدولة وبالنظام السياسي وأن تحقيق الأمن (وظيفة) يقوم بها أفراد بعينهم بمقابل وربما كانوا هم أنفسهم غير آمنين، مما يعني أن الأمن الحقيقي هو أمن مجتمعي فالمجتمع هو الذي يحقق الأمن لنفسه وبنفسه وبمعني آخر فإن الأمن الذي تسعي الدولة لتحقيقه هو أمنها وليس أمن المجتمع.
لم يعد موضوع السلام هو وقف الحرب فقط، بل أصبح للسلام أبعاد عديدة ترتبط بها مدلولات عدة، فمحور العدالة الاجتماعية و احترام حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحكم الرشيد و مسائل العيش المشترك و غيرها، كلها تدخل ضمن أبعاد مفهوم السلام و ثقافته.
و ثقافة السلام تتسم بالحياة المشتركة و العملية الاجتماعية لأفراد المجتمع بمختلف أعراقهم وثقافاتهم وسحناتهم و تقاليدهم و أعرافهم …الخ, و الاهم هو عملية تنموية اجتماعية شاملة ذات طابع يمتاز بالسلم والمحبة و الإخاء و لا مجال للعنف أو أعمال من شانها تكدر صفو الانسجام المعاش لأفراد الأسرة المصغرة خاصة وأفراد المجتمع عامة.
السلام هو حالة يخلو فيها العالم من الحروب والنزاعات، أو بأنه حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح التطور والازدهار للجميع.
السلام هو حالة من التوافق تتحقق اذا توفرت ارادة الانسجام و العيش المشترك و الاحترام و قبول الآخر و العيش في تعددية وتآخي و تكافل و قبول بعضنا الآخر.
السلام يبدأ في داخل كل الانسان قبل ان يصبح ممارسة مع الآخرين. و بالتالي لا يمكن ان تنشأ حضارة سلام و تقدم ورفي الا بتربية الاجيال و تنشئتهم علي قيم كونية و روحية تتمثل في ثقافة السلام و التسامح و نبذ ثقافة العنف بكافة أشكاله.
فما بزل من مجهود لصناعة و تطوير آلات القتل و الدمار الشامل اذا ما خصص أو بذل في تربية الانسان خلقيا و روحيا لا نعطف تاريخ البشرية الي الأفضل و لعاش الجميع مسلمين و مسيحيين تحت ظلال وشجرة السلام و الأمن .
إذن السلام الحقيقي هو الذي يأبى سَفْكَ الدماء ويرفض التدمير؛ هو الذي تعزِّزُه المحبةُ و التسامح و التكافل. هو أصل كلِّ حضارة و تقدُّم و رقي. انطلاقا من معني السلام بصفة عامة، والذي إما يُعرف بغياب المظاهر السلبية مثل العنف، أو بحضور المظاهر الإيجابية مثل الهدوء، والاستقرار، والصحة، والنماء، الخ،
يمكن أن نقترب من مفهوم السلام الاجتماعي Social Peace. يتكون كل مجتمع من مجموعة من البشر، مختلفون بالضرورة عن بعضهم بعض، سواء في انتمائهم الديني، أو المذهبي، أو موقعهم الاجتماعي، أو الوظيفي، ولكن يجمعهم جميعا ما يمكن أن نطلق عليه “عقد اجتماعي”، أي التزام غير مكتوب بينهم، يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع. الخروج علي هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق طرف، وإخلالا بالتزامات طرف آخر مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف. تعد العدالة الاجتماعية ركنا أساسيا من أركان السلام الاجتماعي.
لا يمكن أن يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت أقليته تحتكر كل شيء، وغالبيته تفتقر إلي كل شيء. الصراع بين الطرفين سيكون السمة الغالبة. ولا يقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية علي المشاركة في الثروة، وتوسيع قاعدة الملكية لتشمل قطاعات عريضة من المجتمع، والحصول علي نصيب عادل من الخدمات العامة، ولكن يمتد ليشمل ما يمكن أن نطلق عليه “المكانة الاجتماعية”، التي تتحقق من خلال مؤشرات واضحة مثل التعليم. وتقتضي العدالة الاجتماعية أن يحصل كل شخص علي فرصة حياتية يستحقها بجهده، وعرقه، وهو ما يعني انتفاء كافة أشكال المحسوبية والواسطة، التي تعد الباب الملكي للفساد. يحتاج المجتمع إلي إعلام تعددي، يساعده علي ممارسة التعددية من ناحية، ويكشف الأمراض الاجتماعية والسياسية والثقافية بهدف معالجتها، والنهوض بالمجتمع. هنا نفرق بين نوعين من الإعلام. إعلام المواطنة، وإعلام ضد المواطنة. ما يحتاج إليه السلام الاجتماعي- قطعا- هو إعلام يعزز المواطنة.
يقصد بإعلام المواطنة أن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام. وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع. هناك هموم للفقراء، وهموم للمرأة، وهموم للمسيحيين، وهموم للعمال،……الخ. من الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في وسائل الإعلام. وكلما وجد المواطن- العادي- مساحة تعبير ملائمة عن همومه في وسائل الإعلام كلما كان ذلك مؤشرا علي أن الإعلام ذات طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن.
وعلي العكس مما سبق، هناك إعلام يلعب دورا ضد ثقافة المواطنة سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع، أو بتفضيل التعبير طبقيا أو سياسيا أو ثقافيا أو دينيا عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم. وقد يصل الأمر إلي أبعد من هذا حين يوظف الإعلام ذاته- كأداة صراع- سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو دينيا، من خلال تأليب مجموعات من المواطنين علي بعضهم البعض، أو نشر ثقافة البغضاء في المجتمع، أو تصوير قطاعات من البشر بصورة سلبية مما يدفع من المواطنين إلي التعامل معهم بتعالِ غير مبرر. يمتلك المجتمع القدرة على تفعيل أدوات الضبط الاجتماعي ومعالجة الاختلالات الناشئة من خلال دراسة الظواهر الاجتماعية السلبية ، والنفاذ إلى اسبابها ،
ووضع الحلول الناجحة لها ، حيث تتولى الدولة بما تملك من أجهزة وقدرات في التصدي لكل الأخطار ، وتتبع من الوسائل والاساليب ما يكفل معالجة الاختلالات عن طريق وضع الخطط الاستراتيجية في رسم صورة المستقبل وتحسين الاوضاع المعيشية ، فالخطط التنموية ترصد الجانب المعيشي وتسعى إلى زيادة معدلات الدخل ، والاخذ بيد الفئات الأقل خطاً لتنال نصيبها من الرعاية ، كما تقوم المؤسسات التربوية بإعداد النشء اجتماعياً ونفسياً ومعرفياً ليكونوا مواطنين صالحين ، وفيما يتعلق بالتصدي للجرائم فإن الدولة بما تملك من جهاز قضائي وأمني قادرة على تجفيف منابع الجريمة ، اضافة إلى الاجراءات للتخفيف من آثارها على أن هذا الدور الأساسي للدولة في تحقيق الأمن الاجتماعي والتصدي للآفات التي تهدده لابد وأن يحظى بمساندة مؤسسات المجتمع المدني الدينية منها والخيرية والشبابية والتطوعية ، ومنها يبرز دور المسجد في تهذيب الاخلاق والحث على المكارم ، والتحذير من الفتن فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصوم جُنة ، والذكر غذاء الروح ، ومبعث الطمأنينة ، وهنا يأتي دور الوعاظ في التوجيه والارشاد وتعريف الناس بالأحكام والحلال والحرام .
كما تشكل النوادي والجمعيات الخيرية داعماً رئيساً في مكافحة الآفات الاجتماعية عن طريق توجيه طاقات الشباب إلى العمل النافع والابتعاد عن رفاق السوء من خلال الانخراط في النشاطات الهادفة والاعمال التطوعية التي تعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة .
ولابد في هذا المقام من ابراز دور أجهزة الاعلام المطبوع منها ، والمسموع والمرئي والتي تساهم بشكل فاعل في خلق الرأي العام ، والتوجيه بما لديها من حضور ، وقدرة على الانتشار ومما تملك من سلطة معرفية ومعنوية .
وتبقى الاسرة الحاضن الأول وحجر الأساس في البناء التربوي ، فالتربية الصالحة المسؤولة تقدم للجميع أفراداً أسوياء قادرين على المشاركة في بنائه بكفاءة ، واقتدار ، وإما إذا ما أخلّت الاسرة بواجبها ، وعانت من التفكك ، فإن المجتمع بكاملة سيدفع الثمن .
وتكمّل المدرسة والجامعة ما بدأت به الأسرة من الاعداد والصقل وغرس القيم والفضائل ، وتزويد الاجيال بالمعرفة والخبرة ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمع صالح تسوده العدالة والمساواة تحت مظلة الأمن والأمان . |