بقلم الدكتور/ عادل عامر
ان الإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامي مثالي لبلوغ الاستقرار الحقيقي وتعميم فوائده، وهذا ما نطمح إليه جميعا دولة وشعبا وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطني هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل على نحو يضمن التنمية المستدامة.
إن التوجه المركزي في وصايا الصندوق هو تخفيض قيمة العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية بحجة تشجيع الصادرات وتخفيض الواردات من أجل زيادة قدرة الدولة في الحصول على المزيد من النقد الأجنبي، والذي يفضي إلى تقليص العجز في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات ، وهذا له أثره في زيادة التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية للأفراد ومن ثم تدهور مستوياتهم المعيشية.
أن الاستمرار في الإصلاح الاقتصادي يعفى مصر من التأثر بأي صدمات مستقبلية، وهو ما يتحقق بتشجيع الاقتصاد المحلى وتنمية قطاع السياحة والصناعة و تنمية التصدير. فيما يتعلق لإصلاح منظومة دعم الطاقة.
أن الخطة بدأت يوليو ٢٠١٤ حتى وصلت إلى يونيو ٢٠١٨ وهذه الإجراءات تستهدف تقليل دعم المحروقات التي لا يستفيد منها المستحقين، وبالتالي تم تطبيق الأمر من خلال برامج أخرى مثل زيادة المعاشات والتموين. أن الاستهداف من المنتج هو تصحيح سعر المنتجات، لأنه إذا لم يقدم بسعر تكلفته يساء استخدامه، خاصة أن معدل استهلاك هذه المنتجات من البنزين والسولار والمنتجات الأخرى يعكس أننا وبيع سلع رخيصة، ولا يعكس حجم النمو والتنمية في المجتمع.
أن «دعم الطاقة يستفيد منه الأغنى والأكثر قدرة، وبالتالي لا يجب أن يستمر الأمر، والقيادة السياسية قالت مواجهة وليس احتضان أو طبطبة، والحمد لله بدأنا نأخذ القرارات". أن النقطة الهامة حاليا هي ضبط السوق، والسولار كان هو المؤثر ولذلك كان من الأهم ضبط أسعار المواصلات والاعتماد على المسافات، وكافة مستودعات البوتاجاز ملزمة بالبيت بيع. ٥٠ جنيها وستتم محاسبتهم بسحب لرخص في حال أي مخالفة، كما أن البائع لشريك نفس الأمر، ووزارة البترول وفرت كميات أكثر من المطلوب للاستهلاك.
تقف ثلاثة اسباب رئيسية وراء معارضة جهود الاصلاح، اولها اعتبارات ايديولوجية تتمثل بالأجماع على طبيعة الاصلاح الاقتصادي وادواته من جهة وغياب مشاركة الاطراف المعنية الفعلية في عملية وضع برامج الاصلاح وتطبيقها من جهة اخرى، امّا وراء العنصر الثاني، فهناك اعتبارات اقتصادية واجتماعية. يُتوقع ان تزيد بعض سياسات الاصلاح الفجوة بين الاغنياء والفقراء في مصر قبل ان يشعر الجمهور الواسع بتأثيراتها الايجابية، فنظرا لمعدلات الفقر والبطالة العالية اصلا، وقف الفقراء في مصر يقاومون الاصلاح. ثانيا، فإن فشل جهود الاصلاح في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وسواد الشعور بأن للإصلاح اضرارا اكثر من منافع، شجع معارضة جهود الاصلاح الحالية. اخيرا، السبب الثالث وراء معارضة جهود الاصلاح هو سعي نخبة اقتصادية وسياسية إلى حماية مصالحها وسط الترتيبات الاقتصادية الحالية والمستقبلية والتي سبق وتكلمنا عنها.
ما يزيد الفشل حدة هو غياب آليات نقاش الاصلاح بين مختلف الاطراف المعنية. تقتصر المشاركة في صنع السياسة وتطبيقها على النخبة الحاكمة والمقربين منها في مجال الاعمال والمجتمع السياسي وسط غياب مشاركة المعنيين الآخرين. طبقت بالتالي الحكومة اصلاحاً ينبع من اعلى الهرم وصولا إلى مستوياته الدنيا، عملا بطلب المؤسسات المالية الدولية من دون استيعاب جميع الاطراف المعنية على انهم لاعبين مهمين في عملية الاصلاح.
تتصل القيود الثلاثة المذكورة اعلاه اتصالا وطيدا بالترتيبات المؤسسية السائدة في مصر. تعاني هذه البلاد من عجز مؤسسي. كانت قدرة المؤسسات على تصميم وتطبيق اصلاحات شاملة تأخذ بعين الاعتبار السياسات الاجتماعية وتسعى الى توسيع قاعدة الملكية محدودة جدا. كذلك، فشلت المؤسسات الحالية الخاصة والعامة في التأقلم مع التغيرات الناجمة عن برامج الاصلاح وعن التخفيف من العواقب السلبية لسياسات الاصلاح.
الا انه يتوقع استمرار هذا الوضع على الامد القصير قبل بروز فرص اقتصادية جديدة للمواطنين المصريين. لذلك، بينما يمكن القول بشكل دقيق ان مصر توصلت إلى نتائج ايجابية على مستوى الاقتصاد الكلي، يجب الا ينسى ان هذه الاخيرة تعود اساسا إلى عناصر خارجية وقد امتزجت مع فشل في خلق بيئة تنافسية، وتحسين قوانين الاعمال، وخفض الفساد، وتعزيز الشفافية في المؤسسات الحكومية وبين القادة السياسيين.
وصل معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة مع بدء تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي وتحرير سعر الصرف ووصل إلى حوالى 35.26% يوليو الماضي، هذا المعدل انخفض ليسجل المعدل السنوي للتضخم العام 31.92% في أغسطس. وأظهرت بيانات وزارة المالية ارتفاع الإيرادات خلال الربع الأول من العام المالي 2017 - 2018، بنحو 32.2 مليار جنيه، بزيادة قدرها 33% على أساس سنوي، لتسجل 129 مليار جنيه بنحو 3% من الناتج المحلي، مقابل إيرادات بلغت 96.8 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي السابق، بما يمثل 2.8% من الناتج.
أن قفزة الإيرادات خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، ترجع إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية بنحو 33 مليار جنيه؛ وسجلت الإيرادات الضريبية نحو 97.2 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2017 (تمثل 75.3% من إجمالي الإيرادات)، مقابل 64 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام المالي السابق. بينما تراجعت الإيرادات غير الضريبية خلال الفترة هامشياً إلى 31.8 مليار جنيه، مقابل 32.7 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام السابق. وبلغت المصروفات خلال الربع الأول من العام المالي الجاري نحو 214.1 مليار جنيه، مقابل 172.2 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي الماضي.
إن الحرص على الكفاءة الاقتصادية دون اعتبار للتكاليف الاجتماعية هو أمر غير معقول ، فهو يعطي لمطالب السوق أولوية على احتياجات المجتمع وذلك هو الذي يدفع المنافسة في السوق الحرة العالمية .وقد أصبح من حتميات النظام بأسره تجاهل التكاليف الاجتماعية ، وذلك تشويه مهني لمهمة الاقتصاديين.
ان التحركات الحاصلة تجتمع على عنوان واحد هو الإصلاح وترفع شعار تعميمه في كل المجالات، وفي مقدمها إصلاحات سياسية، تؤمن توسيع قاعدة المشاركة والفصل بين السلطات وتداولها، وإصلاحات اقتصادية، تستهدف التركيز على تسريع التحول إلى الاقتصادات الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، وتوزيع أكثر عدلا للثروة، ورفع إنتاجية القطاع العام، وتحسين سياسات التشغيل ومكافحة البطالة، وإصلاحات اجتماعية، تخفف من عمق الهوة بين الطبقات الأكثر غنى والأكثر فقرا، وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى كحلقة اتصال وتواصل، وضخ استثمارات مجدية في إصلاح التعليم والتدريب والتكنولوجيا والرعاية الاجتماعية والصحية، وإصلاحات قضائية، تسهم في مكافحة الفساد وتصويب مكامن الخلل عبر إحقاق الحق وتعميم سيادة العدالة.
ويجب هنا التركيز علي إن هناك قصورا في إدراك أهمية التعرف إلى مواطن الفساد في الإدارة والاقتصاد ودورها في توليد وزيادة مشاعر الإحباط لدى المواطنين، ولا سيما لدى الشباب منهم. وهذه كلها أمور تزيد من الأسباب الداعية إلى الفشل في تحقيق التوقعات وبالتالي إلى زيادة حدة اليأس والشعور بانسداد الأفق.
على الرغم من التحديات الكبيرة أمامنا، فالجميع يتطلع إلى المرحلة المقبلة بتفاؤل وأمل كبيرين، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتحفيز التنافسية العالمية للاقتصاد من خلال تحديث الاقتصاد وتطوير المناهج التعليمية بحيث يتمكن الشباب من المنافسة محليا وعالميا، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة والفقر.
|