بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
قلعة الحصن هي قلعة كاثوليكية تعود لفترة الحروب الصليبية علي المشرق العربي وتقع ضمن سلاسل جبال الساحل ضمن محافظة حمص في سوريا وتبعد عن مدينة حمص حوالي 60 كم ونظرا للأهمية التاريخية والعمرانية لها فقد إعتبرتها منظمة اليونيسكو قلعة تاريخية هامة لإحتوائها على تراثٍ إنساني عظيم وفي عام 2006م سجلت القلعة على لائحة التراث العالمي إلى جانب قلعة صلاح الدين الأيوبي التي تقع في نطاق محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا وتعتبر قلعة الحصن واحدة من أهم قلاع القرون الوسطى المحفوظة في العالم بتصميمها وطرازها المعماري الفريد الذي يعتبر من أكمل وأجمل وأهم ما وصلنا من جماليات وإبداعات فنون العمارة خلال العصور الوسطى ويعتقد أنها قد أقيمت فوق أطلال قلعة أقدم منها كان إسمها شبتون أقامها الفراعنة عندما غزوا سوريا بقيادة الملك رمسيس الثاني في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعلي الرغم من أن الآراميون قد سكنوا المنطقة منذ فترة طويلة إلا أنه ليس في هذا الحصن مايشير إلى وضع آرامي قديم ولكن ربما يعود في أساساته إلى العهود اليونانية وما بعدها حيث يذكر بعض المؤرخين أن اليونانيين القدماء قد بنوا معقلا عسكرياً في المنطقة المتوسطة عند ملتقي الطرق بين طرابلس وحمص وقد سماها اليونانيون بيرجاز أي الحصن أو المعقل وتسرب هذا التعريف إلى العربية بكلمة برج هذا وتتميز قلعة الحصن بكونها نموذج كامل للقلاع العسكرية المحصنة .
ولم يتم بناء هذه القلعة دفعة واحدة وإنما تم بناؤها على عدة مراحل مختلفة فقد شيد المرداسيون الحصن عام 1031م من قبل شبل الدولة نصر بن صالح المرداسي فأقام فيها حصنا صغيراً كان هدفه حماية طريق القوافل التجارية القادمة من سواحل بلاد الشام إلى داخل بلاد الشام ولذلك فقد سكن موقعها في البدايةً الأكراد الذين جلبهم المرداسيون لتحقيق هذا الهدف وكنتيجة لذلك فقد كانت تعرف بإسم حصن الأكراد بمعنى قلعة الأكراد وفي عام عام 1099م إستولى على الحصن ريموند صنجيل وهو دوق إقليم الناربون في فرنسا والذى إشترك في الحملة الصليبية الأولى وشارك في حصار القدس عام 1099م والإستيلاء عليها وقد قام بنهب ما في محيط القلعة من قرى ومزارع ثم إسترجعها منه أمير حمص سنة 1102م وقام بعدها تانكرد صاحب أنطاكية عام 1110م بالإستيلاء عليها مرة أخرى فعمل على تحصينها وتزويدها بالمنشآت الدفاعية والمرافق الحيوية كمستودعات الحبوب والزيت والفرن والمعصرة والطاحونة ومرابط الخيل وأقبية وأحواض وآبار للماء والتي من شأنها أن تكفل لها الصمود أمام أى حصار من الممكن أن تتعرض له لأطول وقت ممكن .
وفي عام 1144م قام ريموند الثاني أمير طرابلس بتسليمها إلى فرسان القديس يوحنا المعروفين بإسم فرسان المشفى وهي فرقة عسكرية صليبية أو جماعة دينية صليبية محاربة ساهمت بشكل بارز في الحروب الصليبية في المشرق العربي خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادى وحتي قرب أواخر القرن الثالث عشر الميلادى وأقامت في البداية بجزيرة رودس ثم إحتلت طرابلس في ليبيا وقامت بتسكين حامية تابعة لها من المتطوعين لأعمال الطب والتمريض بتلك القلعة بهدف علاج وتمريض مصابي الحروب الصليبية داخلها ومن ثم أصبحت تعرف باللغة الفرنسية بإسم كراك دو أوبيتال وقد بقيت في حوزتهم حتى سقطت في عام 1271م علي يد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس وقد حاول نور الدين زنكي الإستيلاء على القلعة في عام 1163م إلّا أنه فشل في ذلك وعاد بعد ثلاث سنوات لإحتلالها ولكنّ محاولته باءت بالفشل وفي عام 1170م أصيبت القلعة بزلزال شديد دمر أجزاء منها وهدم أسوارها وقام الصليبيون بإعادة البناء على حاله وفي عام 1188م حاصر السلطان صلاح الدين الأيوبي القلعة لمدة وصلت إلى ثلاثين يوما خلال عام 1188م وذلك بعد الإنتصار الذي حقّقه في معركته الشهيرة حطين عام 1187م وهو في طريقه لإستعادة السواحل السورية من أيدى الصليبيين ولكنها لم تسقط وفي عام 1202م حدث زلزال آخر نتج عنه تدمير الكثير من أجزاء القلعة وتمت بعد ذلك عملية الإعمار لها وقد أضيف إلي البناء برج للقائد في أعلاها إلي جانب قاعة كبرى للفرسان وبرج دفاعي في الجزء الشمالي من المدخل . وفي النهاية تمكن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس من إسترداد هذه القلعة في عام 1271م بعدما نصب المجانيق حولها وتم قذفها بها وكان قبل التوجه إلي القلعة قد إستولى على قلاع صليبية أصغر في المنطقة منها القلعة البيضاء في يوم 3 مارس عام 1271م وعندما وصل بيبرس إلى قلعة الحصن كانت بالفعل محاصرة من قبل قوات المماليك منذ عدة أيام وكان هناك بعض الفلاحين الذين كانوا يعيشون في المنطقة قد فروا إلى الحصن طلبا للأمان وبقوا في الجناح الخارجي للقلعة وبمجرد وصول بيبرس بدأ في نصب المجانيق وهو سلاح قوي في الحصار ووجهه نحو القلعة وبعد يومين كان خط الدفاع الأول قد سقط في أيدي المحاصرين والمقصود الساحة الخارجية لمدخل القلعة وقد أعاقت الأمطار الحصار وأطالت أمده نسبيا لكن في يوم 21 مارس عام 1271م تفجر البرج الموجود بالركن الجنوبي الغربي نتيجه قذفه بالمجانيق وإنهار فهاجم جيش بيبرس القلعة عن طريق إختراق الجناح الغربي لها ودخوله حيث واجه أولا الفلاحين الذين لجأوا إلى القلعة وبعد سقوط الجناح الخارجي وبعد مقتل حفنة من أفراد الحامية تراجع الصليبيون إلى الجناح الداخلي الأكثر تحصينا وبعد فترة هدوء إستمرت عشرة أيام لجأ بيبرس إلي الخداع حيث تم نقل رسالة إلي الحامية المحاصرة بالقلعة يفترض أنها من كبير سادة فرسان المشفي في طرابلس والذي يمنحهم فيها الإذن بالإستسلام للمحاصرين وعلي الرغم من أن الرسالة كانت مزيفة إلا أن الحامية إستسلمت وحافظ السلطان على حياتهم وبعد الإستيلاء عليها أمر السلطان الظاهر بيبرس الحاكم الجديد للقلعة من جانبه صارم الدين قايمار بأعمال الإصلاح والترميم والإضافات في القلعة تحت الإشراف المستمر له وركز بصفة رئيسية على الجناح الخارجي لها كما تم تحويل كنيسة القلعة إلى مسجد وأضيف إلى المدخل محرابين وقام بتجديد ماتهدم من القلعة نتيجة قذفها بالمجانيق ووضعها في الخدمة وجعلها مركزا لنائب السلطنة ومن ثم فقد تم إضافة أبراج ومنشآت لمباني القلعة وعلى الأخص في الواجهة الجنوبية التي تم تدعيمها بواسطة برج تمت تسميته برج الملك الظاهر بيبرس وكذلك أضاف السلطان سيف الدين قلاوون برج مستطيل ضخم بارز على الجهة الجنوبية للسور الخارجي ومؤرخ عام 1285م كما تم إضافة حمامات وبعض الأجزاء الأخرى في الجهة الشمالية الشرقية وقد صيغ الإسم الحالي لها وهو قلعة الحصن في القرن التاسع عشر الميلادى .
وبوجه عام تعتبر قلعة الحصن من أهم الآثار التاريخية والمعمارية في سوريا حيث تعد من أهم القلاع وأكبرها وأضخمها في القرون الوسطى والتي لا تزال قائمة إلى الآن حيث تبلغ مساحتها حوالي ثلاث هكتارات وهذه المساحة تستوعب جيش قوامه 3 آلاف جندى بعدتهم وعتادهم وخيولهم وهي تتميز ببنائها المميز وجدرانها العالية وهندستها العسكرية وقوة حصونها وسلسلة شرفاتها البارزة ومرامي سهامها وموقعها الإستراتيجي المتميز عند ملتقى الطرق التجارية والعسكرية للقوافل بين حمص وطرابلس وطرطوس حيث تتنصب فوق هضبة بركانية على سلسلة جبال شديدة الإنحدار من جهاتها الثلاثة وقد إتخذت شكل مضلع غير منتظم طول قطره الكبير 200 متر والصغير 140 متر وتمتد القلعة مسافة 240 متر من الشمال للجنوب و170 متر من الشرق إلى الغرب وهي تتكون من حصنين أولهما الحصن الداخلي وهو قلعة قائمة بذاتها يحيط بها خندق يفصلها عن السور الخارجي ولها بوابة رئيسية تتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل ينحدر تدريجيا حتى الباب مؤلفا منعطفا دفاعيا في منتصفه ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق ويمتاز بأبراجه العالية ويتألف من طابقين الأرضي ويضم فسحة سماوية تحيط بها الأقبية والعنابر وقاعة الإجتماعات والكنيسة والمطعم والحجرات والمعاصر والطابق العلوي ويحتوي على أسطح مكشوفة ومهاجع للجنود وأبراج أما الخندق المحيط به فمحفور في الصخر وقد حفرت به قنوات تنساب فيها مياه الأمطار إلي داخله ويتألف السور الداخلي للقلعة من خمسة أبراج دفاعية وحامية للسور الداخلي وهناك خندق مائي يفصل بين السور الداخلي والسور الخارجي الذى يبلغ طوله قرابة 70 متر والذى يمثل الحصن الثاني للقلعة وهو يعتبر حصن قائم بذاته وهو يتألف من عدة طوابق تشمل القاعات والإسطبلات والمستودعات وغرف الجلوس وهو مزود بعدد 13 برج للمراقبة والدفاع عن القلعة بعضها دائري وبعضها مربع أو مستطيل وهو محاط أيضا بخندق .
|