الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

برج بيزا المائل

برج بيزا المائل
عدد : 07-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


تقع مدينة بيزا في وسط إيطاليا في ولاية توسكانا شمالي العاصمة روما وتحديدا في منطقة السهل الغريني فوق ضفاف نهر أرنو ويفصل بينها وبين بحر ليجوي مسافة تقدر بحوالي 10 كيلو متر تقريبا كما تبعد المدينة بنحو 80 كيلو متر عن غرب مدينة فلورنسا التاريخية وتعتبر المدينة ذات سهول خصبة بحكم موقعها بالقرب من السواحل البحرية الغربية لإيطاليا وتشتهر بوفرة المياه المعدنية بها هذا وتكثر في الجبال القريبة منها المعادن كالنحاس والرخام والمرمر أيضا وتشير سطور التاريخ إلى أن بيزا القديمة كانت تعرف ببيساي وكانت تخضع لحكم الدولة الرومانية وكانت تتخذ منها قاعدةً بحرية لها وخلال الفترة ما بين عام 180م وعام 313م كانت بيزا قد أصبحت عبارة عن مستعمرة رومانية بحتة وفي العصور الوسطي المبكرة أصبحت المركز التجاري الرئيسي بين إقليم توسكانا من جهة وكورسيكا وسردينيا والسواحل الجنوبية لفرنسا وأسبانيا من جهة أخرى وخلال الفترة من القرن الحادى عشر الميلادى وحتي القرن الخامس عشر الميلادى بدأت تنحدر تدريجيا مكانة مدينة بيزا من مدينة رئيسية وإن كانت ظلت مركزا حضريا ثانويا في إقليم توسكانا نتيجة وجود جامعة بها أنشئت في عام 1343م ثم بدأت تستعيد بعض الحيوية ويتوسع عمرانها في أواسط القرن الثامن عشر الميلادى نتيجة تجفيف المستنقعات التي كانت منتشرة بها حول دلتا نهر أرنو وإستصلاح الأراضي حولها ومكافحة مرض الملاريا إضافة إلى ظهور عدد من الصناعات الصغيرة فيها وما تزال حتي الآن مقر أسقفية كما أصبحت مركزا للصناعات الخفيفة ومحورا هاما من محاور طرق السكك الحديدية في إيطاليا .

ومما يدل على عراقة تاريخ المدينة هو ما تحتضنه من معالم سياحية تاريخية والتي تسمي مجموعة بيزا والتي يحتل برج بيزا المائل موقعا مميزا في قلب ساحة كاتدرائيتها الشهيرة والتي تسمي ساحة المعجزات وباللغة الإيطالية بيازا داي ميراكولي وقد أطلق عليها هذا الإسم الشاعر الإيطالي جابرييل دانونسيو وهي تشغل مساحة خضراء بالقرب من حائط مدينة بيزا في الجزء الشمالي الغربي من المدينة القديمة تلك المنطقة البعيدة نسبيا عن وسط المدينة وحيث توجد هذه المجموعة الشهيرة المشار إليها والتي تشمل كاتدرائية بيزا وبرجها المائل وكنيسة الغطاس أو المعمودية وهي أكبر كنيسة غطاس في العالم وهي عبارة عن مبنى دائري الشكل له قبة تعلوه وهي إحدى أهم أماكن السياحة في بيزا وتقع غرب الكاتدرائية وأسست بعد مائة عام من تشييدها كما أن تصميمها يشبه تصميم الكنيسة حيث تم إستخدام نفس مواد البناء بجانب ألوان الحجارة المختلفة والأروقة الغير مرئية والمعارض الصغيرة ونلاحظ أنه قد تحول طرازها من الطراز الرومانتيكي الإيطالي إلي الطراز القوطي لكي تحتفظ بشكلها الخاص وقد ساهم الرسام العالمي بابلو بيكاسو ومن بعده إبنه في تشكيل العديد من الأعمال الفنية الخلابة التي تم وضعها داخل هذا البناء المذهل بما يجعله أشبه بتحفة فنية معمارية رائعة كما تم حديثا تزويدها بمكان خاص بالصوتيات والذي يعرف بتفرده ويعد مركز الإهتمام بالنسبة لزائرى المكان . وبالإضافة إلي هذه المجموعة يوجد أيضا متحف خاص بالكاتدرائية وهو يعد من أفضل أماكن السياحة في بيزا وعلى الرغم من أنه يحظى بإقبال سياحي قليل إلا أنه يتمتع بموقع مميز ويضم عدد من الكنوز الأثرية وبإمكان زواره الإستمتاع بمشاهدة برج بيزا المائل من نافذة طابقه الثاني ومن ضمن كنوزه أعمال لا تقدر بثمن من الفضة والقطع المزخرفة الفاخرة والمنحوتات والرسومات بجانب المقابر الأثرية الكبيرة والتي تسمي باللغة الإيطالية كامبوسانتو مومنومنتالي والمجموعة الإسلامية المرصعة بالرخام الملون والتي تعد من أبرز مجموعات المتحف ومن أهم قطع هذه المجموعة منحوتة الحيوان الخرافي البرونزية وكذلك بعض من أعمال بيكاسو التشكيلية بالإضافة إلى منحوتة يوليوس قيصر الشهيرة هذا وتعد مجموعة بيزا بالإضافة إلي متحف الكاتدرائية من أعظم المنشآت المعمارية في إيطاليا من العصور الوسطى والتي كان لها تأثير كبير على الفن المعماري في إيطاليا خلال الحقبة الزمنية مابين القرنين الحادى عشر والرابع عشر الميلاديين حيث بنيت تلك المباني الدقيقة الزركشة من الرخام الأبيض الناصع وتقف على أرضية واسعة خضراء فتعطي منظرا خلابا وقد سجلت منظمة اليونيسكو العالمية التابعة للأمم المتحدة بيازا داي ميراكولي كموقع تراث عالمي في عام 1987م .

وتتخذ كاتدرائية بيزا شكل الصليب اللاتيني الشهير الذى تتميز به العديد من الكنائس التي بنيت في إيطاليا وفرنسا مابين القرنين الحادى عشر والرابع عشر الميلاديين وهي مزودة بالأعمدة الجرانيتية في الجزء العلوي منها كما أن لها أيضا أبواب برونزية عددها أربعة يعود الفضل إلي بارتيج ياني وأوجستو سيرانو في تزويد الكاتدرائية بها أما برج بيزا المائل فهو عبارة عن برج لأجراس الكاتدرائية ومنفصل تماما عنها ويشمل عدد 7 أجراس مختلفة الأحجام والأوزان ويبلغ وزن أكبرها حوالي 3.5 طن ويأتي هذا البرج في المرتبة الثالثة كأقدم هيكل في ساحة الكاتدرائية بعدها وبعد المعمودية ومن الجدير بالذكر أنّ شهرته قد حظي بها نتيجة خطأ غير مقصود تم خلال بنائه إلا أن ذلك كان نافعا له بما منحه إياه ذلك الخطأ من شهرة كما أتت شهرة برج بيزا أيضا من قصة مفادها أن العالم الفيزيائي الإيطالي الشهير جاليليو جاليلي والذى كانت مدينة بيزا هي مسقط رأسه قد إستخدمه لإثبات نظريته والتي تقول إن سرعة سقوط أى جسم من أعلي لا تعتمد على كتلته فقد روي أنه أسقط كرتين عبارة عن قذيفتي مدفع ذوات كتل مختلفة من أعلي هذا البرج ومع أن هذه القصة لم يثبت صحتها إلا أن هذا لا ينفي أن القاعدة صحيحة وهو ما سمي بقاعدة تسارع السقوط الحر الذي يساوي 9.81 م/ث² كما تحتضن مدينة بيزا مطار جيستو الدولي ويعتبر بمثابة رمز للإتحاد الجوي في إيطاليا ويتألف من مدرجين مخصصين لإمكانية الهبوط نهارا وليلا كما يدعم المطار أيضا الطائرات التجارية النفاثة ورحلات النقل الطويلة والمتوسطة والقصيرة .


وبرج بيزا المائل كما ذكرنا هو برج أجراس كاتدرائية مدينة بيزا وكان من المفترض أن يكون البرج عموديا ولكنه بدأ يميل وينحرف عن المستوى العمودي بعد البدء في بنائه في يوم 8 من شهر أغسطس عام 1173م بمدة وجيزة وتحديدا بعد بناء الطابق الثالث عام 1178م مما أدى إلي توقف البناء لقرن من الزمان تقريبا وفي عام 1272م تم بناء أربعة طوابق إضافية بزاوية بهدف تعديل الميل ثم توقفت أعمال البناء مرة أخرى عام 1301م وفي عام 1372م بني آخر الطوابق وتم وضع الأجراس في البرج وبذلك بلغت مدة بناء هذا البرج 199 عاما ويبلغ سمك جدرانه عند قاعدته حوالي 8 قدم أى حوالي 2.5 متر وهو يتكون من ثمانية طوابق مبنية من رخام المرمر الفاخر ذى اللون الأبيض الصافي على الطراز الروماني بإرتفاع قدره 56,2 متر وبه درج مبني داخل الجدران يتألف من 294 درجة وهو مجهز حاليا بمصعد كهربائي وتقدر كتلته بحوالي 14.5 ألف طن ويقال إن سبب هذا الميل رخاوة وضعف وهبوط في التربة المبني عليها البرج وقد ظهر هذا الميل منذ المراحل الأولى لبنائه كما ذكرنا في السطور السابقة لكن المعماريين المشرفين علي بنائه إستمروا في البناء على أساس نفس الميل وفي عام 1275م عندما كانوا يبنون الدورين الرابع والخامس من البرج حاولوا تحريك مركز ثقل البرج لتلافي الميل ولكنهم لم يفلحوا في ذلك وحتى الآن تجري محاولات لوقف إزدياد الميل وذلك بإقامة دعامات ساندة أسفله .


وهناك خلاف حول هوية المعماري الذي بنى هذا البرج نظرا للمدة الطويلة التي إستغرقتها عملية البناء ولسنوات عديدة كان بونانو بيزانو يعتبر المعماري الذي بناه وهو فنان معروف من القرن الثاني عشر الميلادى عاش في مدينة بيزا وكان مشهورا بأعماله البرونزية خاصة في كاتدرائية بيزا حيث أنه كان أول من أشرف علي بنائه قبل التوقف الأول للعمل فيه والذى دام 94 سنة ثم تم مواصلة العمل في البرج بعد ذلك بعد هذا التوقف الطويل على يد المعمارى جوفاني بيزانو الذى عاش أيضا ونشأ في مدينة بيزا ثم توقف العمل مرة أخرى كما ذكرنا ولما تم إستئناف العمل للمرة الثالثة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادى أشرف علي البناء المعمارى تومازو دي أندريا بيزانو والذى عاش ونشأ أيضا في مدينة بيزا وعلينا أن نلاحظ أن لقب بيزانو هذا ليس إسما لشخص ولكنه فقط يشير إلي البلد التي عاش ونشأ فيها وينتمي إليها هذا الشخص .

وفي ثلاثينيات القرن العشرين الماضي طلب بينيتو موسوليني رئيس مجلس وزراء إيطاليا من المهندسين المتخصصين بأن يحاولوا إعادة البرج إلى وضعه الرأسي وبالفعل حاولوا ذلك عن طريق صب الأسمنت في أساساته وكانت النتيجة غير متوقعة وعكسية تماما حيث غاص البرج بدرجة أكبر في التربة وفي أثناء الحرب العالمية الثانية تعرضت بيزا لخراب كبير أثناء تلك الحرب لوقوعها قرب منطقة خط الدفاعات الألماني المعروف بإسم خط بيرزارو ريميني حيث دارت معارك عديدة خلال عام 1944م دمرت فيها أجزاء من المدينة وكثير من معالمها المعمارية والدينية أُعيد ترميم أغلبها لكن أجزاءها الواقعة جنوب نهر أرنو مازال الكثير منها شاهدا على الدمار السابق وقد قام الجيش الأميريكي آنذاك بتدمير كل الأبراج في بيزا تقريبا خوفا من إحتمال وجود قناصة فيها وكان تفجير برج بيزا مخططا له أيضا ولكن قرارا جاء في اللحظة الأخيرة بالإنسحاب ومن ثم تم نجاة البرج من التدمير وفي يوم 27 فبراير عام 1964م طلبت الحكومة الإيطالية مساعدات لمنع البرج من السقوط فتم تعيين مجموعة متعددة الأطراف من المهندسين وعلماء الرياضيات والمؤرخين وإجتمعوا في جزر أزوريس التابعة للبرتغال لمناقشة طريقة تثبيته وبعد عدة عقود من البحث والعمل حول الموضوع تم إغلاق البرج أمام الزوار في شهر يناير عام 1990م وتم منع السياح من تسلقه حيث كان قد وصل ميله في ذلك الوقت إلي حوالي 5.5 درجة ولذا فإنه بهذا الوضع قد أصبح معرضا للإنهيار في أى لحظة .

وبعد مرور حوالي 11 عام من جهود التصحيح والتثبيت تم إعادة فتح أبواب البرج للزوار في يوم 15 ديسمبر عام 2001م وتم إقتراح العديد من الطرق لتثبيت البرج من ضمنها إضافة 800 طن متري من الرصاص كثقل مقابل على الطرف المرتفع أو من قاعدة البرج كما تم إقتراح إزالة 38 متر مكعب من التربة من تحت الطرف المرتفع من قاعدة البرج وذلك لعلاج ميله وفي النهاية تم إعلان البرج مستقرا وآمنا لثلاثمائة عام قادمة على الأقل هذا ويشهد موقع برج بيزا وساحة المعجزات إقبالا شديدا عليه من جميع أنحاء العالم ويزداد عدد السياح الذين يزورنه سنويا لما له من منظر مدهش وعجيب ولذا فهو يعد مقصدا سياحيا متميزا في مدينة بيزا بصفة خاصة وفي إيطاليا بصفة عامة بما ينعش حركة السياحة والتي تعد مصدرا إقتصاديا هاما لإيطاليا وقد تم بناء العديد من المتاجر والمقاهي والفنادق بالقرب من هذا البرج لإعطاء فرصة للسيّاح كي ينظروا إليه على مدار الوقت وإنك لتجد بأعين الزائرين له العديد من التساؤلات بسبب شدة غرابة هذا البناء حيث أن ميله ظاهر جدا وفي منتهي الوضوح وبشكل كبير للعيان ويكون السؤال الذى يراود الجميع هل برج بيزا المائل معرض للإنهيار يوما ما فيكون الجواب على هذا السؤال بأن هذا البرج معرض للإنهيار منذ بداية بنائه منذ أكثر من 800 عام ومايزال قائما حتي الآن يقاوم الزمن .
 
 
الصور :