بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن الإعلام لدينا ليس ضعيفًا كما ينظر له من بعض الجهات الحكومية أو حتى المتخصصين، محملاً المسؤولية على من يستخدم هذه الوسائل وعن كيفية استخدامها، مطالبًا بتوظيف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة التوظيف الحقيقي الذي يثمر عن تحقيق الأمن للمجتمع ومشاركة المواطن في حيثيات تحقيقه.
تلعبُ الشائعات منذ القدم دوراً هاماً في حياتنا، مهما كانت درجة ثقافتنا ووعينا، ولا تقتصرُ على المجتمعات المتخلفة، ففي المجتمعات المتطورة تنتشر الإشاعات أيضاً بما في ذلك هنا في ألمانيا، لكن الفارق هو طبيعة ونوع الإشاعة ودرجة إتقان نسجها. لتُصبح صناعة الإشاعات اليوم عِلماً بحد ذاته، تقوم به أجهزةٌ مُختصّـة، بما في ذلك “قسم الإشاعات في أجهزة المُخابـرات”، حيث تنتجُ المخابرات العالمية سـنوياً آلاف الأفلام المفبركـة التي تتحدثُ عن حدث ما يخصّ الشعب، صحن طائر أو زيارة مخلوقات فضائية أو احتلال مدينة ما، أو تتقصد شخصاً بعينـه مُعادٍ لها، بهدف الإسـاءة لهُ.
يمكن للشائعة أن تهدم بلداً أو تنصرَ جيشاً في معركة كانت خاسرة، ويمكن أن تقضي على سُـمعة شخص أو تقتلُ قائـداً، فالثائرة الفرنسية جان دارك، قتلتها إشاعة الهرطقة التي بثها دوق بيدفورد، والطامع بالعرش الفرنسي عوضاً عن ابن أخيه هنري السادس، فعارضتهُ جان دارك المسؤولة عن تتويج غريمه شارل السابع، وبُثتْ الإشاعة بالتعاون مع الاحتلال الإنكليزي، وأعدمتْ حرقاً مرتين.
نظرياً؛ ومع التطور السريع لوسائل الاتصالات، يتوقع المرء تراجعَ تأثير الإشاعة وانتشارها ودفنها في مهدها، الذي حصلَ أنها باتتْ أسرعُ انتشاراً وأكثرُ عدداً، والسبب الحقيقي هو أخلاقي أولاً، فالناس باتت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي أكثرُ عشقاً لتناقل الأخبار وأشدّ فضولاً لمعرفة المجهول، بالإضافة للانحطاط الأخلاقي العام، كما أنّ سهولة نقل الإشاعات أصبحت تحتاج لأقل من ثانية كي تصل من أقصاها لأقصاها.
أخطـر الإشـاعات هي التي تكون وراءها سُـلطة الدولة أو رجال الـدّين، هنا لا يمكن مُناقشـةُ صحتهـا، فإن تجرأ أحدٌ وشكك بها، كانت عقوبتـهُ التكفيـر أو السجن وغالبـاً تُكلّفهُ حياته.
خلال الحرب العالمية الثانية قام عالما النفس الأمريكيان؛ Gordon W. Allport, Leo Postman، بدراسة مستفيضة للإشاعة وتأثيرها على الشعوب وأفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم، ونشرا عام 1947 كتاب The Psychology of Rumor، سيكولوجيا الإشاعة، خلصا للنتيجة التالية: “تنتشر الشائعات بشكل أكثر في زمن الحروب والأزمات والكوارث المترافقة دائماً مع الخوف والقلق، خاصّـة عندما يكون هناك تعتيمٌ إعلاميٌّ وعدم وجود تصريح رسمي حول ما يجري، أو تصريح كاذب على لسان مسؤول حكومي.”
وحول انتشار الشائعة قال العالمان الأمريكيّان: “كلما كان موضوع الإشاعة هاماً وغامضاً كان انتشاره أوسع وأسرع، والعكس صحيح.”
أسـبابُ الإشـاعات:
1. إشاعات الثرثاريـن: أبسط أنواع الإشاعات، يُطلقها أشخاص دون هدف معين سـوى الفراغ والتسلية وانعدام الوازع الأخلاقي، ويكون للنساء الثرثارات دور أساسي فيها.
2. أسباب عدائيـة: تستهدفُ شخصاً لتشويه سمعتهِ وتغيير تقييمهُ أمام الآخرين، وتحدث تجاه الأشخاص الناجحين والمشهورين وأصحاب المناصب، كاتهام مسؤول بالاختلاس أو فنان بتعاطي المخدرات أو قائد عسكري بالخيانة.
3. أسـباب إسـقاطية: يُسقطُ فيها مُروّجُ الإشاعة صفاتـه السـيئة على أشخاصٍ آخرين، فالسـارق يتهم الآخرين بالسرقة، والمُرتشي يتهم زملاءه الموظفين بقبول الرشوة، والمرأة العاهِـرة تتهمُ باقي النساء بالعُهـر. وهكذا.
4. أسـبابٌ تنبوئيـة: وهي تتحدثُ عن احتمال وقوع حدث في المستقبل، فيُهيّء الشعب لذلك.
5. أسـبابٌ تجريبيـة: تكون الإشاعة عبارة عن بالون اختبار لدراسة ردة فعل الناس على حدثٍ يتم التحضير لهُ، فيُطرحُ اسم وزير ما، فإن رحبتْ به الجماهير، عُيّنَ بمنصبه، أما إذا ثارتْ فتسارع الدولة لنفي الخبر.
6. حـرفُ انتبـاه: يُقصدُ منها حرف انتبـاه الناس عن حدثٍ ما، بترويج إشاعة عن أمرٍ آخر، فعندما يعترضُ الناس على ارتفـاع أسـعار المواد الغذائية، يتم التـرويج لقـدوم منخفضٍ جـوي يُعيـد البلاد للعصر الجليدي، وينسون الأسعار.
7. لفتُ الانتبـاه: ينقلُ صاحب الإشاعة خبراً غريباً لم يُنشر على وسائل الإعلام، والمصدر خاصّ “العصفورة أخبرتني.”. أو يدّعي شخصٌ ما أنه تعرّض للاغتيال وهو يقطفُ وردة من البستان، للفت الانتباه إليه لشعوره بالنقص والدونية والإهمال.
•الإشـاعات المُفيـدة: كلّ إشاعة تضرّ بأناس وتُفيـد أناساً آخرين. فالمفيدة منها وإن كانت تستند لخبر كاذب، قد يكون المقصود منها تجنبُ خطر ما أو رفع معنويات الشعب. لكن أنبّهُ هنا لأمر هام وهو أنّ استخدام إشاعة بقصد رفع المعنويات بدون وجود أساس من الصحة فيها، له نتائج عكسية، فعندما ينشر أحدهم أن الجيش قام بتحرير منطقة ما أو حصلت في المدينة ثورة ضدّ المحتلين والنصر قريب، ثم يتأخرّ النصر أو يكون الخبر كاذباً، يؤدي لإحباط المعنويات تلك ودخول مرحلة اليأس. لهذا: “ليست كلّ إشاعة عن نصر ما، مفيدة.”
•الإشـاعات البسـيطة: هي إشاعات مؤقتـة سريعة لا تستندُ لأيّ أساس من الصحة، تُبنى على خبر مُختلق تماماً، يمكن التحقق من صحته بسهولة، كأن يقول الرجل المشياع: “حدث زلزال في المدينة كذا” أو “تزوجتْ الفنانة فلانة”، فينتقل الخبر سريعاً، ويتم تكذيبه بسرعة أيضاً. وتكون بمعظمها بسيطة التركيب يمكن للأشخاص العاديين خلقها، وهي الغالبة في الإشـاعات الاجتماعية.
•الإشـاعات المركبـة: وهي الأخطر، تستند غالبـاً على واقعة أو معلومـة بسيطة، يتمّ تضخيمهـا وحبكها بطريقة معقدة بحيث يصعب اكتشاف صحتها من قِبل العامة، تنتشر بينهم وقد تدوم فترة طويلة أو تصبـح حقيقـة علمية أو تاريخية.
الإشاعات الدائمـة /الحقيقـة/:
•إمّـا أن تكونَ إشاعة بسيطة؛ بُنيتْ على حدث عابر تم استغلالهُ وتضخيمهُ ليصبح ثابتاً، مثلاً: شاب يخرجُ مع فتاة مراتٍ قليلة في أماكن عامة، يراهما كارِهٌ، فتصبح القصّـة: “خرجتْ الفتاة من شقة عشيقها”، مع التكرار تتلطخُ سُمعة الفتاة لتصبحَ دائمة.
•أو تكون إشاعة مُركبـة؛ بنيتْ على حدَثٍ حقيقي، فتصبـح حقيقة علمية وتاريخية ثابتة رغم أنها كاذبة، والأغرب أن يُعاقبَ مَنْ يخالفها!. فتسود بين الناس وتنحفر في ذاكرتهم بصورة يصعبُ محوها حتى إن تمّ اثبات عدم صحتها، فالجيش الإسرائيلي لا يُقهر، رغم خسارته حرب تشرين وحرب لبنان 2006، مازال كثيرون يؤمنون بهذه الشائعة. مثال آخر: “هتلر قتل 6 ملايين يهودي”، إشـاعة اسـتندت على خبر صحيح تمّ تضخيمه ومضاعفة العدد مرات، فأصبحتْ اليوم حقيقة تاريخية يتم تدريسها للطلاب، ويُعاقبُ مَنْ يُشكك بحقيقة المحرقة أو عدد اليهود.
أن قنوات التواصل الاجتماعي وضعت القوة في يد المواطن، وهدمت نظرية حارس البوابة الشهيرة في الإعلام، لان حملاتنا التوعوية وقتية وليس لها ديمومة، تُسهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي للتوعية وتحقيق أهدافها عبر الأجيال.
أن وزارة الداخلية على سبيل المثال تحتاج إلى جيش من الإعلاميين لخلق موازنة في سوق الرسائل الإعلامية في حياة المجتمع والحد من الرسائل السلبية الضخمة، وهذا الأمر سيكون متاحًا عندما تجهز المواطن ليكون إعلاميًا إيجابيًا". أنه بالإمكان المساهمة بفاعلية في تشكيل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من جهات تخطط وجهات تنشر أو تقوم بالدور الإعلامي".
أن للمؤسسات الإعلامية دورًا كبيرًا ومهمًا في رفع المستوى الأمني لدي أفراد المجتمع لأنهم شركاء مؤثرون. أن ٨٣ ٪ يرون أن الشائعات تؤثر على حياتهم وقراراتهم. أن وسائل الإعلام لدينا تعد بالآلاف وأن كل مواطن هو إعلامي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ونطالب باستثمار هذا الكم الهائل من المنصات الإعلامية ونشر التوعية ومفهوم المشاركة، لكي يتحول كل مواطن إلى رجل أمن من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. |