بقلم الدكتور/ عادل عامر
و أصبح من مظاهر الاحتفاء برأس المال الأجنبي أن يقوم كبار المسئولين بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء باستقبال رؤساء الشركات والبنوك دولية النشاط سواء في مصر أو عند قيامهم بزيارات للخارج ، وأن تتضمن الوفود الرسمية القادمة إلى مصر عددا من رجال الأعمال بجانب الرؤساء ورجال السياسة .كما أصبحت مصر تسعى لاستضافة اكبر عدد من المؤتمرات والندوات الاقتصادية والمالية الدولية والإقليمية التي تجمع بين كبار المسئولين الحكوميين من ناحية ورجال الأعمال المصريين والأجانب من ناحية أخرى مثل المؤتمرات التي يعقدها منتدى التجارة العالمي ( منتدى دافوس ) ومؤتمرات مؤسسة يوروموني ومؤسسة ميد والمؤتمر الدولي للتجارة والاستثمار ( ايجبت انفست ) وملتقى " مصر تفتح أبوابها للاستثمار, ومؤتمرات مجالس الأعمال وجمعيات الصداقة مع الدول الأخرى ومؤتمرات الغرف التجارية والصناعية المشتركة وغيرها .
ولا شك أن هناك فرق بين استضافة المؤتمرات والندوات كنشاط سياحي يدر دخلا وبين رعاية الحكومة والمؤسسات التابعة لها لهذه اللقاءات، وهي رعاية تتضمن الإنفاق ببذخ تتحمله الجهات الراعية ويستفيد منه أساسا الجهة التي تنظمه. كما نشطت في ذات الاتجاه بعثات طرق الأبواب التي تنظمها غرفة التجارة الأمريكية لمسئولين ورجال أعمال من مصر للالتقاء بنظرائهم في الولايات المتحدة لتشجيع قدوم الاستثمارات الأمريكية الى مصر. كما يلاحظ في ذات الاتجاه المشاركة الواسعة لمسئولين مصريين في المؤتمرات والندوات التي تعقد بالخارج لعرض الوضع الاقتصادي ومناخ الاستثمار في مصر على المستثمرين المحتملين وشركات الترويج وغيرها.
والى جانب ذلك يلاحظ الاهتمام المبالغ فيه بالتقارير الصادرة عن مؤسسات التقييم الدولية وشركات الاستثمار مثل موديز وستاندرد آند بورز وفيتش ومعهد التمويل الدولي وكذا مؤسسات البنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها من الجهات التي تصدر بشكل دوري تقارير عن كثير من دول العالم ومناخ الاستثمار فيها وتوضح مدى ما تتمتع به كل دولة من جدارة ائتمانية في الأجلين القصير والطويل ومدي استقرار أوضاعها السياسية والاقتصادية ومدي انفتاحها على العالم الخارجي. ويلاحظ أن هذا الاهتمام من جانب المسئولين في مصر يقل بشده إذا أشارت هذه الجهات إلى تراجع ترتيب مصر أو إلى تراجع جدارتها الائتمانية، وحينئذ فقط يشير المسئولون المصريون إلى حقيقة أن قدرا كبيرا من هذه التقارير يتضمن تجميعا لانطباعات ولآراء أكثر منه حقائق ومعلومات.
في ظل هذا الاهتمام تتطلع الحكومة إلى جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، وتتطلع شركات دولية النشاط إلى ممارسة نشاطها في مصر ليس فقط باعتبارها سوقا واسعة ولكن باعتبارها مركزا إقليميا واستراتيجيا هاما. وقد شهدت السنوات السابقة تحقق كثير من أهداف الطرفين – خاصة مع اتساع نطاق الخصخصة واتساع المجالات التي يمكن لرأس المال الأجنبي العمل فيها. إلى أن جاءت الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي جرت الاقتصاد العالمي إلى مرحلة من الكساد لم يظهر منها إلا القليل، وأدى هذا القليل إلى توقعات سلبية بالنسبة لمؤشرات النمو والعمالة والتجارة الخارجية وحركة رءوس الأموال الدولية- الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة بحث موضوع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالتعرف على اتجاهاته خلال السنوات الأخيرة سواء بشكل عام أو من حيث موقع مصر فيه، ثم إبراز دور الأزمة العالمية في ضرورة إعادة النظر في التوقعات السابقة ، مع إضافة بعد يتعلق بنوعية الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تفد إلى مصر في هذه الظروف وكيفية إخضاعها لمعايير الشفافية والحوكمة والمسئولية الاجتماعية.
لا شك أن الحكومة المصرية لديها نظرة شديدة الايجابية ومليئة بالتفاؤل والثقة تجاه الاستثمار الأجنبي وأهمية اجتذابه إلى مصر لسد الفجوة بين الادخار القومي والاستثمارات اللازم القيام بها لتحقيق النمو الاقتصادي ، ولسد الفجوة الناتجة عن انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي المباشر وقصر دورها على الرقابة والتنظيم وتهيئة المناخ اللازم لزيادة الاستثمار الخاص المحلى والأجنبي على السواء . وليس هناك وثيقة واحدة شاملة يمكن التعرف منها على موقف الحكومة بالتفصيل من هذا النوع من الاستثمار – الأمر الذي يتعين معه البحث عما يرد بخصوص الاستثمار الأجنبي المباشر في عدة مصادر تعكس في مجملها وجهة نظر الحكومة المصرية.
ويعني كل هذا أن الحكومة ترغب في اجتذاب اكبر رقم يمكنها جذبه من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وهو ما يعني أنها لا تملك خطة حقيقية بالمشروعات التي تستهدف إقامتها عن طريق هذا النوع من الاستثمارات ، و يتشابه هذا السلوك مع سلوك الحكومة المصرية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي حين كانت تقبل كل ما يعرض عليها من قروض خارجية دون أن تكون هذه القروض مرتبطة سلفا بأهداف ومشروعات محددة ودون أن تكون هناك حاجة فعلية إلى الكثير منها.
يضاف إلى ذلك أن هذه التصريحات التي سلفت الإشارة إليها ترد على لسان أكثر من مسئول وأن لكل مسئول تقديراته الخاصة بخصوصها – الأمر الذي يعكس أن الاهتمام بهذه الاستثمارات ليس مسئولية وزارة واحدة ( أو هيئة الاستثمار التي تختص قانونيا وتنظيميا بذلك ) ولكنه مجال مفتوح قد يعكس فهما معينا للمسئولية الجماعية للحكومة، ولكنه بالتأكيد يتنافى مع أبسط قواعد الحوكمة
ونقصد بذلك تحديد المسئوليات والسلطات، لكي تسهل المساءلة فيما بعد إذا كانت الشركات دولية النشاط تتطلع إلى مد أنشطتها جغرافيا لتغطي كل دول العالم دون قيود، وإزالة كافة الحواجز التي تحول دون ذلك، فإنها تسعى من الناحية الأخرى إلى أن تمد أنشطتها إلى كل القطاعات داخل هذه الدول أيضا.
وفي هذا الإطار يمكن التعرف على أسباب المطالبة بتخلي الدول عن القيام بدور مباشر في العملية الإنتاجية، وبإزالة القيود أمام المنافسة الأجنبية ، وعدم التفرقة في المعاملة بين الإنتاج المحلي وذلك المستورد، وبإلغاء احتكار الدولة للمرافق العامة والاتجاه المتزايد لخصخصتها وترك القطاع الخاص يقوم بتقديمها مع الحرص على عدم التفرقة بين جنسية هذا القطاع وما إذا كان محليا أم أجنبيا.
وتوضح اتجاهات الاستثمار الأجنبي خلال السنوات السابقة اتجاهه المتزايد نحو قطاع الخدمات التي تؤدى من خلال مرافق عامة تتولاها أو كانت تتولاها الحكومات مثل الاتصالات والطرق والنقل والكهرباء والغاز ومياه الشرب ، خاصة مع حاجة معظم دول العالم لإنشاء أو تطوير هذه المرافق لتحسين مستوى معيشة سكانها ، يقابل ذلك عدم توافر الموارد المالية والتكنولوجية والخبرة اللازمة عند كثير من هذه الدول للقيام بما تتطلبه إقامة وصيانة هذه المرافق من أموال. وبالتالي فان هذه القطاعات تمثل في ذات الوقت قطاعات بدأت دول كثيرة – ومنها مصر في فتحها للاستثمار الأجنبي.
لما كانت الشركات دولية النشاط تمارس أنشطتها على أرض أكثر من دولة ، وتتكامل الحلقات التكنولوجية والإنتاجية في إطار الشركة الواحدة عبر الفروع والشركات التابعة لها، فان ذلك يعني وجود تيار من السلع والخدمات التي يتم تبادلها فيما بين الشركة الأم والشركات والفروع التابعة لها، أو بين هذه الفروع والشركات التابعة وبعضها البعض. ويشمل ذلك عادة سلعا إنتاجية مثل الآلات والمعدات والخامات، والمنتجات الوسيطة التي تتمثل في أجزاء من سلع نهائية سيتم تجميعها في أحد الفروع.
وتعكس هذه المنتجات استخداما كثيفا لرأس المال أو العمل يتفق مع موقع الفرع المنتج لها في تقسيم العمل الذي تتبعه الشركة الأم. كما قد يتمثل ذلك التيار في خدمات تقدمها الشركة الأم أو أحد الفروع إلى الفروع التابعة الأخرى، كخدمات الاستشارات والتطوير الإداري والفني والمالي والتسويقي وغير ذلك. |