الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الملك فاروق الأول- ج1

الملك فاروق الأول- ج1
عدد : 08-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com



توفي الملك فؤاد الأول يوم 28 أبريل عام 1936م بقصر القبة بالقاهرة وتم تشييع جنازته يوم أول مايو عام 1936م وليسدل الستار علي فترة حكمه التي بدأت بعد وفاة سلفه السلطان حسين كامل يوم 9 أكتوبر عام 1917م وليصبح السلطان فؤاد الأول حتى يوم 15 مارس عام 1922م ثم يتغير لقبه إلى الملك فؤاد الأول وحتي يوم وفاته المذكور وليصبح ولى عهده ووريث عرشه الأمير فاروق ملكا علي مصر والذى كان متواجدا في العاصمة البريطانية لندن للدراسة وليتم إستدعاؤه على عجل لكي ينصب ملكا علي البلاد خلفا لوالده الملك فؤاد الأول وذلك طبقا لنظام وراثة العرش الذى وضعه الملك فؤاد بنفسه بالتفاهم مع الإنجليز بعد صدور تصريح 28 فبراير عام 1922م وحصول مصر علي إستقلالها وإعلان قيام المملكة المصرية حيث وصل إلى مصر يوم 6 مايو عام 1936م وليصبح هذا اليوم هو التاريخ الرسمي الذى تم إعتباره عيد جلوسه علي عرش مصر وليوجه كلمة إلى الشعب المصرى من قصر القبة عبر الإذاعة المصرية في تلك المناسبة ولتبدأ حقبة جديدة في تاريخ مصر وقد ولد الملك فاروق يوم 11 فبراير عام 1920م وأمه هي الزوجة الثانية للملك فؤاد الملكة نازلي عبد الرحيم صبرى ووالدها هو عبد الرحيم صبرى باشا الذى كان مديرا لمديرية المنوفية ثم تقلد منصب وزير الزراعة في عهد الملك فؤاد وكان الأمير فاروق هو أول أولاده منها وفي يوم ميلاد الأمير فاروق صدر بلاغ سلطاني إلي مجلس الوزراء يزف بشرى ميلاد الأمير فاروق وعمت الفرحة البلاد وتم إطلاق عدد 21 طلقة مدفعية إحتفالا بهذه المناسبة السعيدة وتم منح موظفي الحكومة والبنوك أجازة كما تم توزيع بعض الصدقات علي الفقراء والمساكين والعفو عن بعض المسجونين إحتفاءا بهذا الحدث السعيد .


وقد إهتم الملك فؤاد بتربية إبنه الأمير فاروق بدرجة مبالغ فيها من الحرص حيث جعله محاصرا بدائرة ضيقة جدا من البشر المتعاملين معه وكانت تلك الدائرة تشمل أمه وبعد ذلك شقيقاته الأميرات بعد إنجابهن بالإضافة إلي مربيته الإنجليزية ميس إينا تايلور والتي كانت تتعامل مع الأمير الصغير بمنتهي الجدية والصرامة وكانت شديدة التسلط لدرجة أنها كانت تعترض علي تعليمات والدته الملكة نازلي فيما يخص تربيته وكانت دائما تريد أن يسير الأمير الصغير علي برنامج يومي منتظم تتحدد فيه ساعات معينة تراه فيها والدته وساعات معينة للنوم وأخرى للطعام وأخرى لمزاولة بعض الأنشطة وهكذا ولم تكن للأمير الصغير في ذلك الوقت أى صداقات من الأقارب أو أبناء الأمراء والأعيان وكان هذا بلا شك خطأ جسيم في أسلوب تربيته فمن المهم جدا لأى طفل وهو في سن الطفولة أن يختلط بأطفال في مثل سنه يلهو ويلعب معهم وهذا أعطي الفرصة لبعض العاملين المتواجدين في القصر للتقرب منه والتودد إليه وكانوا لا يرفضون له طلبا ويفسدون ماتقوم به مربيته من جهد يتصل بتعليمه أصول العادات والتصرفات السليمة كأمير سوف يؤول له ملك البلاد يوما ما وكان على رأسهم أنطوان بوللي كهربائي القصر بالإضافة إلي مدرب الكلاب كفاتسي وحلاق القصر جيور جيوجارو وأخيرا بترو دوفاللي والذى كان في الأصل قهوجيا بالإسكندرية وإلتحق بخدمة الملك فؤاد في مطابخ القصور الملكية وكان الملك فؤاد ينتهز أى فرصة ليقدم الأمير الصغير إلى الشعب المصرى الذى سيكون ملكا عليه بعد ذلك فكان يصطحبه معه في الكثير من المناسبات مثل حفل المرشدات في النادى الأهلي يوم 7 أبريل عام 1932م وكان سنه 12 عاما كما أناب الملك فؤاد عندما كان مريضا إبنه الأمير فاروق في حضور حفلة كان قد أقامها سلاح الطيران البريطاني يوم 23 فبراير عام 1934م وكذلك أنابه في إفتتاح مؤتمر البريد الدولي في نفس السنة وفي واقع الأمر فقد ظهر الأمير فاروق بمظهر طيب وأبلي بلاءا حسنا في تلك المناسبات التي حضرها نيابة عن أبيه .


وكانت بريطانيا تتابع الأمير الصغير ومراحل تطورات حياته فهو ملك المستقبل الذى ستتعامل معه وكانت غير مستريحة بالمرة لتأثير الثقافة الإيطالية عليه والتي كانت تنتقل إليه من خلال والده الملك فؤاد ومن خلال الحاشية الإيطالية المقيمة بالقصر والتي تحيط به وتؤثر عليه وعلي أبيه سلبيا وعلي رأسهم أرنستو فيروتشي كبير مهندسي القصور الملكية ولما تعدى سنه الأربعة عشر عاما بدأت بريطانيا تلح علي الملك فؤاد في ضرورة سفره إلى لندن عاصمتها ليتعلم في كلية إيتون وهي أرقى كلية في بريطانيا إلا أن صغر سنه كان لايتيح له الإلتحاق بتلك الكلية إلي جانب معارضة والدته الملكة نازلي التي لا تريده أن يبتعد عنها فعطلت وعرقلت تنفيذ ذلك وتم الإستعاضة عن ذلك بمدرسين مصريين وإنجليز كانوا يدرسون له داخل القصور الملكية اللغات والتاريخ ومبادئ العلوم والحساب وفي عام 1934م تم تعيين السير مايلز لامبسون في منصب المندوب السامي البريطاني في مصر وكان رجلا عنيدا ولحوحا وكرر الطلب من الملك فؤاد بضرورة سفر الأمير الصغير إلى بريطانيا للدراسة وأصر على ذلك إصرارا شديدا رافضا أى محاولة أو حجة من الملك فؤاد بتأجيل السفر حتي يبلغ سنه الستة عشر سنة وضغط علي الملك فؤاد بكل مايستطيع ولم يستطع الملك فؤاد الرفض في هذه المرة فتقرر سفر الأمير فاروق إلى بريطانيا ولكن دون أن يلتحق بكلية إيتون بل ليلتحق بكلية وولوتش العسكرية ولكن نظرا لكونه لم يبلغ سن الثمانية عشر عاما وهو أحد شروط الإلتحاق بتلك الكلية فقد تم الإتفاق علي أن يكون تعليمه خارج الكلية علي يد مدرسين وأساتذة من نفس الكلية وسافر بالفعل الأمير الصغير إلى لندن مع بعثة تم تكليفها برعايته والإشراف على معيشته وخدمته والعمل على راحته أثناء إقامته هناك .


وكانت البعثة المرافقة للأمير فاروق وقتها تتكون من أحمد محمد حسنين باشا كرئيس لها وليكون رائدا للأمير الصغير والذى سيلتصق به ويكون له دور كبير في حياته بعد ذلك بالإضافة إلي عزيز المصرى باشا كنائب لرئيس البعثة ولتنظيم الأمور الخاصة بدراسته مع المعلمين الإنجليز وعمر فتحي بك كحارس له والذى سيكون كبير ياورانه فيما بعد والدكتور عباس الكفراوى كطبيب خاص وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية وأخيرا حسين حسني بك كسكرتير خاص والذى سيلازمه بعد ذلك في نفس الوظيفة وكان عزيز المصرى باشا يحاول بشتي الطرق أن يجعل من الأمير فاروق رجلا عسكريا ناجحا ومؤهلا حتي يكتسب الحكمة والخبرة التي ستعده جيدا لكي يقوم بدوره كملك علي البلاد فيما بعد وذلك علي عكس أحمد حسنين باشا الذى كان يتغاضي عن وأحيانا كثيرة يشجعه على اللهو واللعب والذهاب إلى المسارح والسينما ودور اللهو الأمر الذى كان يحتج ويعترض عليه بشدة عزيز المصرى باشا وكان الأمير فاروق بحكم سنه الصغيرة ونشأته القاسية الصارمة المنغلقة يميل إلى أحمد حسنين باشا ويرفض ويتمرد علي تعليمات وتوجيهات وأوامر عزيز المصرى باشا وبحلول ربيع عام 1936م بدأ المرض يشتد علي الملك فؤاد وخشيت جميع القوى السياسية وبريطانيا بالطبع وإنتابهم القلق علي أوضاع البلاد وأن يموت الملك فؤاد فجأة وولي عهده خارج البلاد وتم إقتراح تشكيل مجلس وصاية مكون من 3 أعضاء أولهم الأمير محمد علي توفيق أكبر أفراد العائلة المالكة سنا في ذلك الوقت وإبن الخديوى توفيق أى إبن عم الأمير فاروق وكانت له ميول إنجليزية وكان يرى دائما أنه الأولي بعرش مصر والثاني هو محمد توفيق نسيم باشا رئيس مجلس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأسبق وهو من الرجال المحسوبين على القصر الملكي والثالث هو الإمام محمد مصطفي المراغي شيخ الجامع الأزهر الشريف .


ولما وصلت الأنباء إلي الأمير فاروق في لندن وعلم أن والده الملك فؤاد مريض مرضا شديدا وأن لديه الرغبة في رؤيته خشية أن يتوفاه الله دون أن يراه فأبدى رغبته في ضرورة العودة إلى مصر سريعا ووافقت بريطانيا بعد تردد وعلي مضض أن يعود الأمير فاروق إلى مصر في زيارة سريعة لرؤية والده الملك فؤاد ثم يعود مرة أخرى إلى لندن لإستكمال دراسته ولكن أمر الله نفذ وقبل أن يعود الأمير فاروق إلى مصر كان والده الملك فؤاد قد توفاه الله بقصر القبة يوم 28 أبريل عام 1936م ويتم تشييع جنازته ودفنه يوم أول مايو عام 1936م بمقابر العائلة المالكة بمسجد الرفاعي قرب ميدان الرميلة بالقلعة بمدينة القاهرة وليسدل الستار علي فترة حكم الملك فؤاد الأول ولتبدأ بعدها صفحة جديدة وأخيرة في تاريخ حكم أسرة محمد علي باشا لمصر مع ولي العهد ووريث العرش عاشر وآخر من تولي الحكم من هذه الأسرة الملك الشاب ذو الستة عشر سنة فاروق الأول ملك مصر والسودان وتم إستعجال عودة الملك فاروق من لندن فرحل هو ومرافقوه علي عجل من إنجلترا إلى فرنسا عبر بحر المانش وليستقلوا القطار إلى ميناء مارسيليا الذى يقع جنوب شرق فرنسا علي البحر المتوسط ليستقلوا الباخرة النيل التابعة لشركة مصر للملاحة البحرية وليصلوا إلي ميناء الإسكندرية البحرى صباح يوم الأربعاء 6 مايو عام 1936م وليتوجه إلي قصر رأس التين لأخذ قسط من الراحة ويقوم الحرس الملكي بأداء التحية له عند دخوله إلى حديقة القصر ثم يتجه إلى القاهرة في نفس اليوم وتقابله جماهير الشعب بفرحة طاغية وتتفاءل به خيرا وتفد إلى القاهرة حشود من جميع المحافظات لتهنئة الملك الجديد أو علي الأقل لترى موكبه وتعامل الملك فاروق مع الجميع بمودة وألفة وصافح الكثيرين من مستقبليه وقابل الكثير منهم في قصر عابدين وفي مساء اليوم نفسه وجه كلمة إلى شعب مصر عبر الإذاعة المصرية من قصر عابدين بمناسبة توليه العرش وليتخذ يوم 6 مايو عام 1936م عيدا لجلوس الملك فاروق علي عرش مصر وليتم الإحتفال به كل عام بعد ذلك حتى قيام ثورة يوليو عام 1952م .


وحيث أن الملك فاروق في ذلك الوقت كان سنه لم يبلغ الثمانية عشر عاما بعد فطبقا للدستور القائم في البلاد وهو دستور عام 1923م كان لابد من تعيين مجلس وصاية علي العرش يتولي السلطة إلى أن يبلغ الملك سن الرشد وقد حدد الدستور طريقة تشكيل مجلس الوصاية من عدد 3 أشخاص يختارهم الملك إذا كان ولي عهده قاصرا ويكتب بذلك وثيقة تحرر من أصلين يودع أحدهما في خزينة الديوان الملكي بقصر عابدين والثاني يودع في مقر مجلس الوزراء وكل من الأصلين يودع في ظرف مختوم لايتم فتحه ويعلن ما فيه إلا في حالة وفاة الملك وأمام البرلمان ويجب أن يكون من يختارهم الملك لمجلس الوصاية أن يتمتعوا بالجنسية المصرية ويدينوا بالدين الإسلامي وأن يكونوا من أمراء الأسرة المالكة أو أصهارهم واقاربهم أو من بين رؤساء مجلس النواب الحالي أو السابقين أو من الوزراء الحاليين أو السابقين أو من بين رئيس وأعضاء مجلس الأعيان الحالي أو السابقين هذا في حالة وجود هذا المجلس ولا يتم تنفيذ تلك الوثيقة إلا إذا وافق عليها البرلمان وعلي ذلك فقد تم عقد جلسة تاريخية للبرلمان الذى تم إنتخابه في أواخر أيام الملك فؤاد مساء يوم الجمعة 8مايو عام 1936م وتم فتح الظرفين المختومين اللذين بداخلهما الوثيقتين اللتين كتبهما الملك فؤاد وتم التأكد من تطابقهما وتمت الموافقة على تعيين مجلس وصاية علي العرش مكون من 3 أشخاص حددهم الملك فؤاد في كل من الوثيقتين وهم الأول الأمير محمد علي توفيق أكبر أمراء الأسرة العلوية سنا في ذلك الوقت وهو إبن الخديوى توفيق وإبن عم الملك فاروق والذى أصبح أيضا في نفس الوقت وليا للعهد لأن الملك فاروق كان لم ينجب بعد وظل في منصبه كولي للعهد حتي أنجب الملك فاروق إبنه الذكر الوحيد الأمير أحمد فؤاد الثاني في شهر يناير عام 1952م والثاني كان شريف صبرى باشا خال الملك فاروق وشقيق الملكة نازلي أم الملك فاروق والثالث كان عزيز عزت باشا وزير الخارجية وقتها وكان أول سفير لمصر لدى المملكة المتحدة وفي نفس اليوم تم تعيين حسين باشا حسني سكرتيرا خاصا للملك فاروق والذى ظل يشغل هذا المنصب حتي خلع الملك فاروق من عرش مصر وقد ظل مجلس الوصاية هذا قائما حوالي سنة وثلاثة شهور إذ أتم الملك فاروق سن 18 عاما بالتقويم الهجرى يوم 21 من شهر جمادى الأولي عام 1356 هجرية الموافق 29 يوليو عام 1937م ويومها تم تتويجه منفردا علي عرش البلاد دون مجلس وصاية .


وقد طلب رئيس مجلس الوصاية الأمير محمد علي توفيق من أحمد حسنين باشا رئيس البعثة التي كانت ترافق الأمير فاروق قبل أن يصبح ملكا في لندن بإعداد برنامج دراسي للملك فاروق حتي يكمل تعليمه ودراسته التي لم يكملها بالخارج وعلي أن يوافيه بتقارير دورية عن مدى إنتظامه في الدراسة وكلف أحمد حسنين باشا حسين باشا حسني السكرتير الخاص بالملك فاروق بهذا الأمر وكان السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني قد رشح شاب إنجليزى إسمه مستر فورد للقيام بتدريس آداب اللغة الإنجليزية للملك فاروق وكذلك القيام بتدريبه على ممارسة بعض الألعاب الرياضية إلا أن الملك فاروق لم يكن مرحبا بهذا الشاب لكونه مرشحا من جانب السير مايلز لامبسون ولم يستمر أمر إستكمال الملك فاروق لتعليمه ودراسته طويلا فسرعان ما إبتعد عن الدراسة وعن تحصيل العلم وإنشغل بأمر زواجه من الملكة فريدة وكذلك بعد أن أخذت حاشية القصر تشغله بأمور أخرى أبسط مايقال عنها إنها لاتليق بملك يحكم مصر وقد قامت وزارة علي ماهر باشا القائمة في ذلك الوقت بتقديم إستقالتها وقام مصطفي النحاس باشا رئيس حزب الوفد الفائز بالأغلبية بتشكيل الوزارة الجديدة حيث أن الوفد كان قد حقق الفوز في آخر إنتخابات برلمانية عامة كانت قد جرت في مصر وجاء تشكيل الوزارة من مصطفي النحاس باشا رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية ووزيرا للصحة العامة وعلي باشا فهمي وزيرا للحربية والبحرية وعثمان باشا محرم وزيرا للأشغال العمومية ومحمد باشا صفوت وزيرا للأوقاف ومحمود فهمي النقراشي باشا وزيرا للمواصلات ومكرم عبيد باشا وزيرا للمالية وواصف بطرس غالي باشا وزيرا للخارجية ومحمود بك غالب وزيرا للحقانية وعلي بك زكي العرابي وزيرا للمعارف العمومية وقد تولت هذه الحكومة عقد سلسلة من المفاوضات الشاقة مع بريطانيا وقد بدأت بقصر الزعفران بالقاهرة وإنتقلت في بعض جولاتها إلى لندن وشهد قصر أنطونيادس بالإسكندرية جانبا منها وشاركت فيها جميع الأحزاب المصرية فيما عدا الحزب الوطني الذى كان شعاره لا مفاوضة إلا بعد الجلاء وقاد فريق المفاوضات من الجانب المصرى حينذاك مصطفي النحاس باشا رئيس مجلس الوزراء وواصف بطرس غالي باشا وزير الخارجية ومن الجانب البريطاني السير أنتوني إيدن وزير الخارجية والسير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني في مصر وقد إنتهت تلك المفاوضات بتوقيع المعاهدة المصرية البريطانية يوم 26 أغسطس عام 1936م بالعاصمة البريطانية لندن والتي إصطلح على تسميتها بمعاهدة عام 1936م .


وكانت بنود تلك المعاهدة لا تحقق كل المطلوب والمأمول بالنسبة لمصر ولكنها كانت بلا شك نقلة كبيرة حققت كثير من الإيجابيات التي كانت تطالب بها مصر والتي دارت حولها المفاوضات بين الجانبين المصرى والبريطاني طوال 14 عاما منذ تصريح 28 فبراير عام 1922م وحتي توقيع تلك المعاهدة عبر مفاوضات ثروت - تشمبرلين عام 1927م ثم مفاوضات محمد محمود - هندرسون عام 1929م ثم مفاوضات النحاس - هندرسون عام 1930م وهكذا قال مصطفي النحاس باشا والذى أطلقوا عليه أبو المعاهدة أحيانا ومهندسها أحيانا أخرى ما معناه إن ماحققته المعاهدة التي قمت بتوقيعها ليس كل ماكنت أريده وأتمناه ولكنه ما إستطعت الحصول عليه وجاءت بنود تلك المعاهدة علي النحو التالي :-


يتحدد عدد القوات البريطانية في مصر بحيث لايزيد عن 10 آلاف جندى وضابط بالإضافة إلي عدد 400 طيار مع مايلزمهم من موظفين لازمين للقيام بالأعمال الإدارية والفنية وذلك وقت السلم فقط أما في وقت الحرب فلبريطانيا الحق في زيادتهم حسب ماتمليه ظروف الحرب .
-- يتم إنتقال القوات البريطانية من المدن المصرية إلي منطقة قناة السويس وذلك بعد أن تقوم مصر بإعداد وتجهيز ثكناتهم بمنطقة القناة وفقا لأحدث النظم مع بقاء القوات البريطانية في الإسكندرية لمدة 8 سنوات من تاريخ سريان المعاهدة وبقاء القوات البريطانية في السودان دون أى قيد أو شرط مع السماح بعودة قوات من الجيش المصرى إلى السودان والإعتراف لمصر بالإدارة المشتركة والحكم الثنائي للسودان مع بريطانيا وكذلك تظل القوة الجوية البريطانية في منطقة القناة ومن حقها التحليق بطائراتها في السماء المصرية ونفس الحق للطائرات المصرية .
-- في حالة قيام الحرب بين بريطانيا وأى طرف آخر تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كل التسهيلات والمساعدات والعون للقوات البريطانية والتي يكون من حقها إستخدام الطرق والمطارات والموانيء المصرية . -- مدة المعاهدة 20 سنة وبعدها يبحث الطرفان فيما إذا كان وجود القوات البريطانية ضروريا في مصر أم لا حيث أنه من المفترض أنه خلال هذه السنوات العشرين سيتم زيادة عدد ضباط وجنود الجيش المصرى وخاصة أعداد الضباط تدريجيا وستتواجد في مصر خلالها بعثة عسكرية بريطانية مهمتها تدريب الجيش المصرى تدريبا عاليا حديثا وكذلك تسليحه بأحدث الأسلحة العصرية بحيث يكون بعدها قادرا علي الدفاع عن قناة السويس بمفرده وإذا ماحدث خلاف بين الطرفين يتم عرضه علي منظمة عصبة الأمم التي كانت قائمة من بعد الحرب العالمية الأولى قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م .
-- يتم بموجب تلك المعاهدة إلغاء أى إتفاقيات أو وثائق منافية لأحكام هذه المعاهدة وعلي رأسها تصريح 28 فبراير عام 1922م بتحفظاته الأربعة كما يحق لمصر بموجب هذه المعاهدة المطالبة بإلغاء الإمتيازات الأجنبية ومنح مصر الحق في عقد وإبرام المعاهدات السياسية مع الدول الأجنبية بشرط عدم تعارضها مع معاهدة عام 1936م وأخيرا يتم بموجب هذه المعاهدة تبادل السفراء بين الحكومة المصرية وبين حكومة بريطانيا العظمى ويكون لقب ممثلها في مصر السفير البريطاني وليس المندوب السامي البريطاني كما كان الوضع قبل توقيع المعاهدة .


وقد تم تصديق البرلمان المصرى علي هذه المعاهدة يوم 22 ديسمبر عام 1936م حيث وافق أغلبية النواب عليها وعلي بنودها وبذلك أصبحت سارية المفعول وتم تسجيلها في سجلات عصبة الأمم الخاصة بالمعاهدات الدولية يوم 6 يناير عام 1937م هذا وبموجب هذه المعاهدة تم فتح أبواب الكلية الحربية أمام أبناء الطبقة الوسطى من الشعب المصرى لتخريج دفعات من الضباط المصريين يتم التحاقهم بالجيش المصرى من أجل زيادة عدده وتجهيزه وإعداده للدفاع عن مصر والقناة بعد إنتهاء مدة المعاهدة حتي يمكن الإستغناء نهائيا عن وجود أى قوات بريطانية في مصر وتشاء الأقدار أن يلتحق تباعا بالكلية الحربية حينذاك مجموعة من الشباب المصرى كان منهم الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات وصلاح سالم وجمال سالم وزكريا محيي الدين وخالد محيي الدين وعبد الحكيم عامر وحسين الشافعي وعبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين وباقي تنظيم الضباط الأحرار الذين سيقومون بخلع الملك فاروق بعد عدة سنوات كما قامت مصر بإنشاء وتجديد العديد من الطرق والمنشآت والكبارى لتسهيل تحركات وإنتقالات القوات البريطانية منها طريق مصر الإسماعيلية الزراعي الموازى لترعة الإسماعيلية والمعروف بإسم طريق المعاهدة نسبة إلي معاهدة عام 1936م وأيضا كوبرى كفر الزيات العابر لنيل رشيد والمعروف أيضا بإسم كوبرى المعاهدة وتكلفت الخزانة المصرية تكاليف باهظة نتيجة ذلك ولكن في النهاية كانت تلك الطرق والكبارى مشاريع إستفاد منها شعب مصر ومايزال يستفيد منها حتى الآن ومايزال طريق القاهرة الإسماعيلية الزراعي من أفضل الطرق في مصر حيث تم تنفيذه في حينه علي أعلي مستوى من الجودة والإتقان .

وفي شهر أبريل من العام التالي عام 1937م تم الإتفاق بين مصر والدول الأجنبية علي عقد مؤتمر في مدينة مونتيروه في سويسرا للنظر في أمر الإمتيازات الأجنبية في مصر وتم الإتفاق في هذا المؤتمر بين مصر وتلك الدول علي إلغائها وفي شهر مايو من نفس العام 1937م تم تقديم طلب من مصر للحصول على عضوية عصبة الأمم وعرض الأمر في إجتماع للدول الأعضاء تم عقده في مدينة جنيف بسويسرا ووافقت تلك الدول بالإجماع علي الطلب ونم إنضمام مصر إلي عصبة الأمم رسميا يوم 29 يوليو عام 1937م وهو نفس اليوم الذى بلغ فيه الملك فاروق سن الرشد وتم إلغاء مجلس الوصاية علي العرش وتم تتويجه منفردا علي عرش مصر طبقا لنصوص دستور عام 1923م المعمول به في البلاد وكان قد ثار جدل كبير حول حفل تتويجه رسميا علي عرش مصر حيث رأى البعض كنوع من التقرب والتودد للملك تنظيم حفل ديني يتم خلاله تسليمه سيف جده محمد علي باشا بواسطة شيخ الجامع الأزهر الشريف في الجامع الأزهر وقد أعجب الملك فاروق بهذا الإقتراح وسعد به نظرا لصغر سنه وعدم تقديره الجيد لأبعاد بعض الأمور في هذه السن وذلك بالطبع بخلاف المراسم الدستورية التي حددها دستور عام 1923م المعمول به في البلاد وهي حضور الملك إلى البرلمان في جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والشيوخ ويقوم بحلف اليمين الدستورية أمام المجلسين وعارضت حكومة الوفد القائمة في ذلك الوقت موضوع الإحتفال الديني علي اساس أن ذلك يمثل خلطا ممجوجا بين الدين والسياسة ويضفي سلطة ومكانة وحصانة دينية علي ملك البلاد مما قد يؤدى إلى حدوث فتن وخلافات ومشاكل خطيرة في المستقبل تكون وبالا على البلاد وأصرت الحكومة الوفدية وعلي رأسها رئيس الوزراء مصطفي النحاس باشا علي موقفها ومما لا شك فيه أن هذا الموقف من الحكومة الوفدية ومن رئيسها مصطفي النحاس باشا قد أوغر صدر الملك فاروق على الوفد ورئيسه خاصة وأن رجال وحاشية القصر قد ساهمت مساهمة كبيرة في هذا الأمر وأخذت تبث كراهية الوفد والنحاس باشا في نفسية وقلب الملك فاروق مما سيكون له أثره السئ في ماتلا ذلك من أحداث طوال فترة حكم الملك فاروق وفي النهاية كان للحكومة ما رأت وإقتصرت مراسم التتويج علي المراسم الدستورية فقط وعليه فقد تم حضور الملك فاروق مساء يوم 29 يوليو عام 1937م إلي البرلمان طبقا لنصوص دستور عام 1923م والمعمول به في البلاد لكي يقوم بأداء حلف اليمين الدستورية كملك علي البلاد أمام البرلمان المصرى بمجلسيه ومن ثم أصبح ملكا علي البلاد دون مجلس وصاية بداية من هذا اليوم .
 
 
الصور :