بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
(موسوعة كنوز أم الدنيا)
السد العالي أو سد أسوان العالي هو سد مائي عملاق أقيم علي نهر النيل في جنوب مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عيد الناصر ضمن سلسلة مشاريع الرى العملاقة التي أقيمت علي طول مجرى نهر النيل سواء في مصر أو في السودان من أجل ترويض هذا المارد العملاق المسمي بنهر النيل والإستفادة بمياه فيضانه في رى الأراضي الزراعية من ناحية وتوليد الكهرباء اللازمة لإنارة المدن وتشغيل المصانع من ناحية أخرى وكان أولها مشروع القناطر الخيرية في مصر عند المنطقة التي يتفرع فيها إلي فرعي دمياط ورشيد في أواخر عهد محمد علي باشا والتي لم يكتمل بناؤها في عهده وتم إستكمالها في عهد حفيده عباس باشا الأول وساهمت مساهمة كبيرة في تخزين كميات من مياه النيل وراءها كان يستفاد منها في رى الأراضي الزراعية بالدلتا في موسم الزراعة الصيفية إلي أن يأتي الفيضان في الموسم التالي مرة اخرى وهكذا وتوالت المشاريع بعد ذلك بداية من أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وبدايات القرن العشرين الماضي في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني فتم بناء قناطر أسيوط مابين عام 1899م وعام 1903م ثم خزان أسوان مابين عام 1898م وعام 1906م ثم قناطر دهتورة أو قناطر زفتي علي فرع دمياط عام 1903م ثم قناطر إسنا القديمة عام 1906م وفي عهد الملك فؤاد الأول تم تشييد قناطر نجع حمادى مابين عام 1928م وعام 1930م كما أقامت الحكومة المصرية خزان جبل الأولياء علي النيل الأبيض بالسودان علي نفقتها عام 1937م في أوائل عهد الملك فاروق كما تم بناء القناطر المجيدية في عهده أيضا بعد تقادم العمر بالقناطر الخيرية التي بنيت في عهد جده محمد علي باشا لتكون بديلا لها مابين عام 1936م وعام 1939م ف] أوائل عهده أيضا ثم قناطر إدفينا علي فرع رشيد عام 1949م .
ومع كل هذه المشاريع الكبرى إلا أنه ظلت تضيع كميات كبيرة من مياه النيل تصب في البحر الأبيض المتوسط دون الإستفادة منها ومن هنا جاء التفكير في إقامة مشروع كبير يحل هذه المشكلة جذريا بحيث يتم التحكم الكامل في تدفقات مياه النيل وحماية مصر من خطر الفيضانات العالية وأيضا الإستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية فكان التفكير في بناء مشروع السد العالي والذى يبلغ طوله 3600 متر وعرض قاعدته 980 متر وعرض قمته 40 متر وإرتفاعه 111 متر ويبلغ حجمه 43 مليون متر مكعب من الخرسانة المسلحة وبعض المواد الأخرى وتم تصميمه بحيث يمكن أن يمر خلاله تدفق مائي يصل إلي حوالي 11 ألف متر مكعب من المياه في الثانية الواحدة وقد بدأ بناؤه عام 1960م وقدرت تكاليفه حينذاك بحوالي مليار دولار ساهم فيها بنسبة الثلث الإتحاد السوفيتي السابق الذى قدم مساعدات ضخمة لمصر في عملية بناء السد حيث ساهم في البناء حوالي 400 خبير سوفيتي وقد تم تثبيت آخر مولد كهربائي بالسد عام 1970م وتم إفتتاحه بشكل رسمي عام 1971م في بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات وتجدر الإشارة هنا إلي أن أول من أشار ببناء سد علي النيل في منطقة أسوان كان العالم العربي المسلم الحسن بن الهيثم في أوائل القرن الحادى عشر الميلادى والذى زار مصر في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله إلا أنه لم تتح له الفرصة لتنفيذ فكرته وذلك بسبب عدم توافر الآلات والمعدات والإمكانيات والتكنولوجيا اللازمة للبناء في عهده .
وتبدأ قصة بناء السد العالي مع مجئ مهندس يوناني يدعي أدريان دانينيوس إلي مصر قبل قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م حيث تقدم عدة مرات للحكومات التي كانت قائمة حينذاك بفكرة إنشاء سد علي النيل في أسوان من أجل حجز مياه الفيضان وتخزينها للإستفادة بها وقت الحاجة وايضا توليد طاقة كهربائية منه إلا أن فكرته لم تدخل حيز التنفيذ حينذاك ولم بلتفت إليها وبعد قيام الثورة وفي عام 1952م قرر المهندس اليوناني مرة أخرى عرض فكرة مشروعه على النظام الجديد والتي حظيت بإهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولي مسؤولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة وبدأت الدراسات في يوم 18 أكتوبر عام 1952م من قبل وزارة الأشغال العمومية سابقا والتي أصبحت وزارة الري والموارد المائية حاليا وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات حيث إستقر الرأي على أن المشروع قادر على توفير إحتياجات مصر المائية وفي أوائل عام 1954م تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع وقد قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في شهر ديسمبر عام 1954م كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ وقدرت التكاليف المبدئية للمشروع بحوالي 400 مليون جنيه مصرى وطلبت مصر في البداية من البنك الدولي تمويل المشروع وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيا وإقتصايا وفي شهر ديسمبر عام 1955م تقدم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد إلا أن البنك الدولي عاد وسحب عرضه في يوم 19 يوليو عام 1956م بعد تعرض إدارته لضغوط من جانب بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميريكية وذلك بهدف الضغط السياسي على الحكومة المصرية فقد إستاءت تلك الدول من إمتناع مصر عن الإنضمام إلي حلف بغداد ومن سياسة عدم الإنحياز التي إنتهجها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكان أحد زعمائها كما طالبت تلك الدول مصر بالكف عن إبرام إتفاقيات شراء السلاح من الدول الإشتراكية وخاصة تشيكوسلوفاكيا والإتحاد السوفيتي وإستمرت المفاوضات حوالي 7 شهور وفي النهاية تم إبلاغ السفير المصرى في الولايات المتحدة الأميريكية بلهجة شديدة الإمتناع عن تمويل بناء السد العالي وهو ما دفع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلي إتخاذ قرار تأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو عام 1956م لتصبح شركة مساهمة مصرية من أجل الإستفادة من إيراداتها في تمويل المشروع وإتجهت مصر شرقا نحو القطب الثاني في العالم حينذاك الإتحاد السوفيتي ووقعت إتفاقية بين الجانبين المصرى والسوفيتي في يوم 27 ديسمبر عام 1958م لإقراض مصر 400 مليون روبل سوفيتي لتنفيذ المرحلة الأولى من السد العالي وفي شهر مايو عام 1959م قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد وإقترحوا بعض التعديلات الطفيفة عليها والتي كان أهمها تغيير موقع محطة القوي الكهربائية وإستخدام تقنية خاصة في غسيل ودمك الرمال عند إستخدامها في بناء جسم السد وفي يوم 27 أغسطس عام 1960م تم التوقيع على الإتفاقية الثانية مع الإتحاد السوفيتي لإقراض مصر 500 مليون روبل سوفيتي إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد هذا وقد بلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيه مصرى .
وقد بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى من السد في يوم 9 يناير عام 1960م وشملت حفر قناة تحويل مجرى النهر والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 متر وفي منتصف شهر مايو عام 1964م تم تحويل مياه النهر إلى قناة التحويل والأنفاق وإقفال مجرى النيل والبدء في تخزين المياه بالبحيرة الصناعية التي تكونت خلف السد وتم تسميتها بحيرة ناصر وفي المرحلة الثانية تم الإستمرار في بناء جسم السد حتى نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء وتركيب التوربينات وتشغيلها مع إقامة محطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء وفي شهر أكتوبر عام 1967م إنطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي وفي عام 1968م بدأ تخزين المياه بالكامل خلف السد العالي في البحيرة الصناعية المشار إليها وإكتمل صرح المشروع في منتصف شهر يوليو عام 1970م وأقيمت إحتفالية كبيرة حضرها الرئيس الراحل أنور السادات بعد أن تولي الحكم بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر يوم 28 سبتمبر عام 1970م والرئيس الروسي حينذاك ليونيد بريجينيف يوم 15 يناير عام 1971م بمناسبة إفتتاح مشروع السد العالي ومما يذكر أن السد العالي قد حمى مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من عام 1979م وحتي عام 1987م حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة ناصر لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل .
وقد تم تصميم السد العالي علي أساس أنه سد ركامي طوله عند القمة 3830 مترا منها 520 مترا بين ضفتي النيل ويمتد الباقي علي هيئة جناحين علي جانبي النهر ويبلغ إرتفاعه 111 مترا فوق منسوب قاع نهر النيل وعرضه عند القمة 40 مترا كما ذكرنا من قبل وقد صمم السد العالي بحيث يكون أقصي منسوب للمياه المحجوزة أمامه 183 مترا حيث تبلغ سعة بحيرة ناصر الصناعية التخزينية التي تخلقت خلف السد عند هذا المنسوب 169 مليار متر مكعب مقسمة علي اساس أن تكون سعة التخزين الميت المخصص للإطماء قدرها 1.6 مليار متر مكعب وأن تكون سعة التخزين التي تضمن متوسط تصرف سنوي يعادل 84 مليار متر مكعب موزعة بين مصر والسودان بواقع 55.5 مليار متر مكعب لمصر و28.5 مليار متر مكعب للسودان قدرها 89.7 مليار متر مكعب وأن تكون سعة التخزين المخصصة للوقاية من الفيضانات قدرها 47.7 مليار متر مكعب هذا ويبلغ طول بحيرة ناصر 500 كيلو متر ومتوسط عرضها حوالي 10 كيلو متر وسعة التخزين الكلية لها 164 مليار متر مكعب وسعة التخزين الميت لها 32 مليار متر مكعب هذا وتعد بحيرة ناصر أو بحيرة السد العالي أكبر بحيرة صناعية في العالم ويقع الجزء الأكبر منها داخل حدود مصر وهو الذى يطلق عليه إسم بحيرة ناصر ويمثل حوالي 83% من المساحة الكلية للبحيرة والجزء الآخر يوجد داخل حدود دولة السودان ويطلق عليه إسم بحيرة النوبة وأطلق عليها بحيرة ناصر نسبة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتستطيع إستيعاب الفيضان بالكامل لمدة سنتين ويقع أسفل البحيرة منطقة مخصصة للتخزين الميت وتصل سعتها التخزينية إلي حوالي 31 مليار متر مكعب من الطمي وهذه المنطقة تستوعب الطمي القادم مع الفيضان لمدة 500 عام بدون التأثير علي السعة التخزينية لمياه الفيضان ويتم صرف كميات من المياه من بحيرة السد العالي أو بحيرة ناصر حسب الإحتياجات المائية لجميع الأغراض والتي تبلغ ذروتها خلال موسم زراعة الأرز حيث تبلغ كمية المنصرف من المياه خلال هذه الفترة حوالي 240 مليون متر مكعب يوميا بينما تقل كميات المنصرف من المياه خلال شهر ديسمبر ويناير من كل عام إلي حوالي 80 مليون متر مكعب من المياه يوميا وهما يمثلان أقل شهور السنة من حيث إحتياج الزراعات المختلفة لمياه الرى وتستقبل مصر مياه الفيضان من الهضبتين الأثيوبية والإستوائية ولديها شبكة رصد جيدة تمتد علي طول مجري النهر خاصة بعد زيادة معدلات التعاون مع باقي دول حوض النيل بالإضافة إلي الإستعانة بصور الأقمار الصناعية أو ما يرصد من خلال هيئة الأرصاد العالمية وتستطيع مصر من خلال هذه الشبكات التنبؤ بالفيضان ووضع السيناريوهات المختلفة للتعامل معه رغم أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بدقة بذلك لأن الظواهر الطبيعية تجعل التنبؤ بالفيضان أمرا صعبا جدا ويظل الأمر في نطاق التنبؤ التقريبي القريب من الواقع إلي حد كبير ولكننا نستطيع أن نقول إن الواقع يؤكد أنه ليست هناك أي خطورة من أي فيضان أو أي حجم للفيضان في ظل وجود السد العالي .
ومن المشاريع التي تم تنفيذها بعد مشروع السد العالي ولها إرتباط وثيق به كان مشروع مفيض توشكى أو بحيرات توشكى وهو عبارة عن مفيض طبيعي لتصريف المياه الزائدة خلف السد العالي بأسوان ووجوده ساعد على إنشاء مشروع توشكي القومي الموجود الآن في منطقة توشكى قرب مدينة أبو سمبل السياحية جنوب غرب محافظة أسوان وقد دخلت المياه إلى مفيض توشكى لأول مرة منذ إنشائه في يوم 15 أكتوبر عام 1996م حيث وصل منسوب المياه خلف السد العالي في بحيرة ناصر الي 178.55 متر حيث عند وصول منسوب المياه في بحيرة ناصر إلي هذا المنسوب يتم تصريف المياه الزائدة إلى المنخفض الطبيعى المعروف بمنخفض توشكى غرب النيل عن طريق قناة موصلة بين بحيرة ناصر ومنخفض توشكى عبر خور توشكى والمواصفات الهيدروليكية لقطاع تلك القناة أن طولها 22 كيلو متر وعرض القاع عند المأخذ 750 متر وعرض القاع عند النهاية 275 متر ومنسوب القاع عند المأخذ 178 متر وإنحدار القاع 15 سم / كم وأقصى تصرف للقناة 250 مليون متر مكعب في اليوم كما تتصل قناة توشكى بقناة خلفية عن طريق ستة أنفاق رئيسية وهي أنفاق مبطنة بالخرسانة المسلحة ويتم التحكم في هذه الأنفاق عن طريق بوابات يتم تشغيلها بواسطة رافع كهربائى ومتوسط طول النفق 282 مترا وقطره 15 مترا وأقصى تصرف تصميمى للأنفاق 11 ألف متر مكعب في الثانية .
ومع إنشاء السد العالي تم إنشاء إنشاء محطة قوى كهربائية علي الضفة الشرقية للنيل معترضة مجرى قناة التحويل التي تنساب منها المياه إلي عدد 12 توربين خلال عدد 6 أنفاق مزودة ببوابات للتحكم في المياه بالإضافة إلي حواجز للأعشاب وتعتبر هذه المحطة أكبر محطة مائية لتوليد الكهرباء فى أفريقيا باجمالى قدرة 2100 ميجاوات حيث بدأت وحداتها فى الدخول على شبكة الكهرباء العمومية بمصر خلال الفترة من عام 1967م وحتي عام 1970م تباعا وتنقل الطاقة المولدة من توربيناتها الإثنى عشر إلى مراكز الأحمال على الخطوط جهد 500 كيلو فولت وجهد 132 كيلو فولت وجدير بالذكر أنه منذ عام 1982م تم تباعا تحديث وتطوير معدات هذه المحطة حيث تم إجراء تغيير مراوح التوربينات وإحلال وتجديد بوابات مداخل ومخارج أنفاق المحطة وتطوير وتحديث أجهزة التحكم والوقايات بالمحطة كما تم تطوير وتحديث المولدات بها وزيادة عمرها الإفتراضي 35 عاما وغيرها من أعمال التحديث والتطوير في الشبكة العمومية وإحلال الشبكة جهد 132 كيلو فولت بأخرى جهد 220 كيلو فولت .
وللسد العالي العديد من الآثار الإيجابية نذكر منها أنه عمل على حماية مصر من الفيضان والجفاف أيضاً حيث أن بحيرة ناصر تقلل من إندفاع مياه الفيضان وتقوم بتخزينها للإستفادة منها في سنوات الجفاف كما عمل السد العالي أيضا علي التوسع في المساحة الزراعية نتيجة توافر المياه والتوسع أيضا فى إستصلاح أراضي جديدة وزيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلي 7.9 مليون فدان وعمل أيضاً على زراعة محاصيل أكثر على الأرض الزراعية نتيجة توافر المياه مما أتاح ثلاث زراعات كل سنة والتوسع في زراعة المحاصيل التى تحتاج إلي كميات كبيرة من المياه لريها مثل الأرز وقصب السكر كما أنه أدى إلي تحويل المساحات التى كانت تزرع بنظام رى الحياض إلي نظام الرى الدائم إلي جانب توليد الطاقة الكهربائية التي أفادت مصر إقتصاديا حيث تم مد العديد من المشروعات الصناعية الكبرى بإحتياجاتها المتزايدة والعالية من الطاقة الكهربائية من محطة كهرباء السد العالي ومنها مجمع الألومنيوم بنجع حمادى ومصانع كيما بأسوان .
والأمانة تقتضي منا أن نوضح أنه إلي جانب هذه الإيجابيات للسد العالي كانت له عدة آثار جانبية سلبية نذكر منها أنه نتيجة تكون بحيرة ناصر قد تم غمر قرى نوبية كثيرة في مصر وفي شمال السودان مما أدى إلي ترحيل أهلها بما تم تسميته بالهجرة النوبية إلي جانب حرمان وادى النيل من طمي الفيضان المغذى للتربة مما أفقدها الكثير من خصوبتها وقلل من إنتاجيتها وأدى ذلك إلي زيادة الطلب علي الأسمدة والمخصبات الزراعية مع زيادة النحر حول قواعد المنشآت النهرية وأهمها الكبارى والقناطر التي تم إنشاء العديد منها علي طول مجرى النهر من أسوان وحتي المصب في كل من دمياط ورشيد كما ان نقص الطمي أدى إلي زيادة معدل تآكل شواطئ الدلتا في مصر علاوة علي أن بعض الدراسات والأبحاث التي أجريت في مجال تقدير نسب تبخر المياه من بحيرة ناصر أشارت إلي أنه يتم فقدان كمية كبيرة من المياه بإعتبار أنه يتم تعريض سطح المياه في بحيرة ناصر بمساحتها الكبيرة للشمس في مناخ شديد الحرارة علاوة علي ظهور وإنتشار بعض النباتات بالمنطقة وتأقلمها مع الظروف الجديدة وإسهامها في عملية النتح وبالتالي يتحقق مزيد من الخسارة في المياه وأخيرا يرى البعض بأن السد العالي يمثل تهديدا عسكرياً لمصر إذ يصعب تخيل النتائج التي يمكن أن تترتب على تعرض السد لقصف جوى بالقنابل أو حدوث تفجير للسد لا قدر الله ومن ثم إندفاع المياه نحو المدن المصرية الواقعة على مسار النهر والتي ستكون أمام طوفان خطير من المياه كفيل بتدمير كل مافي طريقه وقد إتخذت القوات المسلحة المصرية التدابير اللازمة لمنع حدوث ذلك حيث توجد وحدة رادارية لرصد أى طائرات معادية قد تحلق فوق السد أو أن تكون في طريقها إليه وضربها علي الفور بوسائل الدفاع الجوى المجهزة لذلك إلي جانب عمل الحواجز المائية التي تمنع تسلل أى أفراد أو غواصات من تحت الماء نحو جسم السد .
وفي تقرير صدر عن الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبري تم تقييم السد العالي في الصدارة متخطيا كافة المشروعات الكبرى علي مستوى العالم وأفاد التقرير أنه تجاوز ماعداه من المشروعات الهندسية العملاقة وإختارته هذه الهيئة الدولية كأعظم مشروع هندسي عملاق تم تشييده في القرن العشرين متخطيا كافة المشروعات العملاقة الأخرى علي مستوى العالم مثل مطار شك لاب كوك في هونج كونج ونفق المانش الذى يربط بين فرنسا وإنجلترا أسفل بحر المانش كما أكد تقرير الهيئة الدولية علي أن السد العالي تفوق علي عدد 122 من المشروعات العملاقة في العالم لما حققه من فوائد عادت علي الجنس البشري حيث وفر لمصر رصيدها الإستراتيجي من المياه بعد أن كانت مياه فيضان النيل وهو من أشهر الفيضانات في العالم تذهب سدي في البحر الأبيض المتوسط عدا خمسة مليارات متر مكعب كان يتم إحتجازها والإستفادة منها .
وجدير بالذكر أنه بعد الإنتهاء من بناء السد العالي قرر الجانبان المصرى والسوفيتي ضرورة بناء رمز يجسد مدى التقارب المصرى السوفيتي وإبراز دور اﻹتحاد السوفيتي الفعال في إتمام بناء السد العالي وليكون شاهدا علي قوة ومتانة وعمق العلاقات بين البلدين عندما تخلت الكثير من دول الغرب عن مصر من أجل تعطيل بناء السد العالي وعلي رأسها كانت الولايات المتحدة الأميريكية والتي أشاعت أن الإقتصاد المصرى لايمكنه تحمل التكاليف العالية لمشروع بناء السد العالي وأوعزت إلى البنك الدولي عدم تمويل المشروع لهذا السبب فكان أن وقف الإتحاد السوفيتي إلى جانب مصر في بناء هذا المشروع العملاق وساهم بالمال والخبرة والمعدات في إنشائه وأطلق علي هذا الرمز رمز الصداقة المصرية السوفيتية وقد قام بتصميمه المهندس المعمارى الروسي يورى أومليترشينكو وجاء تصميمه لهذا الرمز علي شكل 5 ورقات مثل زهرة اللوتس الفرعونية إشارة منه إلى حضارة الفراعنة القدماء الذين برعوا في أعمال بناء المعابد والمنشآت الضخمة كالأهرام وحيث تتفتح أوراق تلك الزهرة عند شروق الشمس وتأخذ شكل الرمز المشار إليه وتربطها من أعلى من الداخل حلقة دائرية Ring Beamوهي ضرورة هندسية من الناحية الإنشائية لربط أوراق زهرة اللوتس الخمسة وتجعلها قادرة علي مقاومة ضغط الرياح والزلازل وفي نفس الوقت تم تصميمها وتنفيذها بشكل جمالي أضفى رونقا جميلا علي هذا الرمز التذكاري الجميل وقد أصبح هذا النصب التذكارى من أهم المزارات السياحية في أسوان التي يحرص زوارها سواء من المصريين أو الأجانب علي زيارته إلي جانب المزارات اﻷخرى مثل معبد فيلة ومعبد كلابشة والمسلة الناقصة وجزيرة النباتات وقبر أغا خان وكوبرى أسوان المعلق وغيرها وقد تناولنا قصة هذا الرمز بالتفصيل في الفصل العاشر من الباب الثالث الخاص بكنوز الصعيد في الجزء الأول من كتابنا هذا . |