بقلم الدكتور/ محمود رمضان
هيا اصعد معي إلى قاربي الشراعي، لأروي لك قصتي..
تعلم جيداً أن المنصب الذي يحلم به الإنسان لا يتحقق إلا بالجهد والصبر والعلم والعمل مع قليل من الحظ، ولن أخوض في هذا كثيراً، لأنني لا أملك سوى القليل من ذاك المسمى الحظ في عالمنا الغريب،
لا عليك، أنا ابنة عائلة فقيرة، حفرت في الصخر حتى أكمل تعليمي الجامعي، لا تغرنك ملابسي التي تراني بها، أبدو كجزارة في المذبح، آمنت بحكمة قالها الأولون «تذأب حتى لا تأكلك الذئاب»، ومع أن الذئاب حولي كثيرون، إلا أن أحدهم لا يجرؤ على تجاوز حدوده معي، هم يعلمون جيداً أن لساني أطول من شراع قاربي.
كم اصطحبت في قاربي أنواعاً مختلفة من البشر، يمثلون أركان الحياة الأربعة، وطبقات اجتماعية متنوعة، من أبناء «البشوات الجدد»، مروراً بكبار الموظفين، فالطبقة الوسطى، ومن يعيشون في قاع المجتمع، ولكل تعامل خاص معه.
ذات مرة، صعد قاربي شاب وفتاة، حدثته طويلاً عن حبها وعشقها إياه، لم تتوقف دموع الشاب أثناء الرحلة، وأحفظ كل كلمة قالتها هذه الفتاة، هو يحبها بصدق، وهي تشكو نيران الغرام، وللحق، لم يفعلا ما يخدش الحياة، حب طاهر، نقي، لم تلوثه أوهام رغبات الجسد.
فور انتهاء رحلتهما معي، ورسو قاربي على الشاطيء، ونزولهما، أقلعت بقاربي وحدي، أتذكر قصة حب بدأت وانتهت في أيام دراستي الجامعية، تركني عندما اكتشف الفارق الاجتماعي الشاسع بين فقري وثراء عائلته، ومنذ ذلك الحين، تعاودني ذكراه، أتلمس أنين الألم في قلبي، أرقب الصمت من داخلي في ليالي القاهرة الصاخبة، تنساب عبراتي، أتحسس بؤرة سحيقة في روحي لم يصل اليها أحد، تتفجر منها شظايا الحسرة، وتغلق مشاعري بغشاوة قاتمة، فلا بصيص أمل، غلب الوهن روحي وكياني، لم أعد أستوعب حقيقة وجودي، في هذه الحياة الرتيبة، كنت فيها الطفلة البريئة التي لم يلوثها أحد، وانطفأ وهجي، صرت في مهب الريح، بعد فقدي عذرية قلبي، كانت قصة حبي له طاهرة، لكنه – بدم بارد- أعمل سكين ثرائه في لحم فقري، فافترقنا، وانفجر الدمع من عينيها غزيراً.
قلت لها: سيدتي.. هذه ليست نهاية العالم، الحياة فيها الشريف ونقيضه، وكانت قصة حبك بطلها غير جدير بك، والشريف قادم لا محالة، سيكون لك الملاذ الحاني، يرتق شتات روحك بحبه الدافق، وتتزوجين، وتنجبين، وتفرحين، ولن أغادرك الآن إلا إذا رأيت ابتسامتك وضحكتك الرائقة من بين الدموع.
ضحكت، فأشرقت الشمس من جديد، بين الغمام. |