الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تغريد البكور

تغريد البكور
عدد : 09-2018
بقلم الدكتور/ محمود رمضان

بينما تشرق الشمس بنورها، ينهض ثرى مصر، ويزداد بريق مياه نيلها عندما تغازله أشعة الشمس الذهبية الحانية، فتحدثني عروسه الجميلة، فتسمو خصوبة الكلمات وتثمر معانيها فاكهة شهية من النبض والروح والحب المتجدد وتعزف ألحان البكور بقيثارة سماوية على أوتار متأنقة بمقام نهاوند، فتأتي الألفاظ فرحة وتدق القلوب وتنطق الشفاه فيغار كل حرف يلثم ثغرها الباسم:
أشهد الآن أجمل منظر، بعد ليل طويل، تشرق الشمس، لتمنح قبلة الحياة للكون، وتضفي البهجة على الدنيا، لنري الورود أجمل، والثمار أنضر، وتصلي العصافير لربها بزقزقة محببة، فتحلو الحياة في تغريد الكون للبكور.
ها هي أمي قد استيقظت قبل الفجر، وأعدت الخبز الفلاحي في فرن الطين المجاور لبيتنا وحقلنا، رائحة خبز أمي ليست كأي رائحة، هي تنفخ فيه من روحها الطيبة الطاهرة العطرة، تماما كهمس صلاتها في فجر عيد، وهاهم أشقائي وشقيقاتي يتحلقون حول طبليتنا العامرة، الخبز الساخن الشهي، والجبن القريش بخرطاته اللذيذة، والبيض المقلي الغارق في الزبد، والقشدة برائحتها الفواحة، ويتبادل معنا أبي وأمي أحاديث ممتعة تجعل الصباح منعشا، واليوم حافل بالأمل والعمل والتفاؤل والفرح.
نذهب كلنا إلى الحقل، الذكور يجرون البقر والجاموس، والبنات يحملن الزوادة، وهو ما تبقى من الإفطار، حتى إذا جاع أحدنا يجد ما يأكله.
في قريتنا الوادعة التي يحتضنها النيل على شاطئه الأيمن، نلتقي الجيران وهم ذاهبون إلى حقولهم، نتبادل تحية الصباح المترعة بالحب والود، ونصل إلى الحقل، فيوزع علينا أبي دور كل منا في عمل اليوم.
عند أذان الظهر نتوضأ ونصلي تحت مظلة الحقل، ونصلي معا، ثم نتناول الزوادة، وتضع أمي حطبا وتشعل النار وتضع براد الشاي، وبعد دقائق، نحتسي الشاي، ثم نواصل العمل في الحقل حتى العصر، لنعود جميعا إلى دارنا، لنأخذ قسطا يسيراً من الراحة، ثم نتناول غداءنا.
أيام مبهجة، وليالي مؤنسة، لا فقير في قريتنا، فالذي لا أرض له ويعمل مزارعا لدى آخرين، يهديه الأقارب والجيران الخضراوات والفاكهة واللبن والزبد والجبن، هو يشتري الشاي والسكر واسطوانة الغاز فقط، وهذا سر من أسرار قريتنا العامرة، الجميع أسرة واحدة متماسكة، يعرف الجميع بعضهم بعضا، وهو سر البركة في المحصول والزروع والثمار.
الجميع يلبس الجديد في الأعياد، غنيهم وفقيرهم، وتنهال العيديات من الأثرياء على الفقراء بعد الخروج من المسجد وصلاة العيد، ليفرح الجميع.
ماذا إذا أقبلت أسرة فقيرة على تزويج ابنتها؟
يتجمع الأغنياء في دار أحدهم بعد صلاة الفجر، ويقسمون متطلبات بيت العروس عليهم، ثم يجمعون المال الوفير في جلستهم، ويكلفون أحدهم وزوجته بشراء كل مستلزمات العروس وبيتها، وبعد صلاة العشاء يتجه موكب المشتريات إلى بيت العروس، وينزلون الأغراض، وسط زغاريد النساء، والفرحة ترقص في القلوب.
يصحو والد العروس ليصلي الفجر، ويبكي شاكرا لله، أن جعل أهل قريته يغردون له تغريدة البكور.