الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الموروثات الثقافية وأثرها على المشرع

الموروثات الثقافية وأثرها على المشرع
عدد : 09-2018
بقلم الدكتور/ عادل عامر

إن المجتمع العربي عامة بما فيه مجتمعنا الفلسطيني لديه تصور تقليدي فيما يتعلق بالمرأة بخصوص دورها ومكانتها وحقوقها والتعامل معها على أنها أدنى من الرجل وأقل حقوقاً منه، ويستند ذلك بالأساس إلى تراث كبير من العادات والتقاليد الاجتماعية الشعبية المبنية على أيديولوجيات مختلفة أهمها الإيديولوجية الدينية "الإسلام"، فالمرأة في هذا المجتمع تشكل نقطة ضعفه حيث يكون السبيل لإبقاء البنية الاجتماعية على حالها من خلال السيطرة على المرأة وضبطها ثم تهميشها اجتماعياً وسياسياً باستعمال القوانين العرفية الصارمة التي تتحكم في تصرفاتها و مشاعرها ومصيرها بالشكل الذي يتلاءم ومصالح السلطة الأبوية والهيمنة الذكورية واستمرارها.

حيث أن هنالك ارتباطا وثيقا بين التقاليد غير المكتوبة والأيديولوجيات الدينية حيث يحاول المجتمع في إحكامه على المرأة أن يعتمد على الدين وتفسيراته بحيث نجد كثيراً من حالات قتل النساء قد تم تبريرها بالعامل الديني بالرغم من أن موقف الدين واضح من قضية القتل على خلفية الشرف حيث حرم القتل بكافة أشكاله بما فيه القتل بسبب الزنا إلا إذا توافرت القيود التي اشترطها الإسلام لإقامة حد الزنا وهي أن يتم إثبات واقعة الزنا بشهادة أربع رجال عدول، وبالتالي فإن التفسير الخاطئ لمفاهيم وتعاليم الدين الإسلامي والتعامل معها بما يتلاءم مع أهواء القتلة من أهم الأسباب التي تساعد في ازدياد نسبة حالات قتل النساء إلى جانب المواريث الثقافية التقليدية المتعلقة بفكرة الشرف ومفهومه وارتباطه بالجنس وحرية المرأة و سيطرتها على جسدها، حيث ينظر إلى جسد المرأة باعتباره رمز الخطيئة وهنا تتحمل المرأة وحدها المسؤولية وهي التي تدفع الثمن مع أن المجتمع يعتبرها من جهة أخرى ناقصة عقل و دين وفي هذا قمة التناقض والازدواجية.

كما ويتحدد واقع المرأة والنظرة إليها باعتبارها عضواً غير منتج في مجتمعاتنا من خلال نوعها الاجتماعي بغض النظر عن الدور التي تقوم فيه وقدرتها على العطاء، وأن هذه المشكلة حقيقة ليست مشكلة المرأة فحسب إنما هي مشكلة مجتمع تلعب فيه الاعتبارات و الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية دوراً هاماً، وبالتالي تتأسس مكانة المرأة لتكون انعكاساً واضحاً لواجباتها وأدوارها التي يحددها المجتمع في إطار علاقاته و تشريعاته التي تحدد مسبقاً في سياق بناء المجتمع وقوانينه لتبدو صورة المرأة على هامش التشكيل الاجتماعي مقتصرة عليها بوصفها أنثى.

أما فيما يتعلق بنظرة المجتمع العربي عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة وتعامله مع قضايا الشرف فقد تعامل معها منذ القدم وحتى يومنا هذا بصمت مطبق وبطابع من التسليم باعتبارها جزأً مألوفاً من واقعنا وعاداتنا التي توارثناها جيلاً بعد جيل، حيث أعطيت الشرعية للقتلة الذين يقدمون على قتل النساء بدافع الشرف للتستر على دوافع أخرى وكثيراً ما يتم الدفاع عنهم وتعليل تصرفاتهم كونها مستمدة من العادات والتقاليد والدين فلم يقم المجتمع بتنحية المجرمين أو نبذهم بل رأى أنهم أبطال شرف وصائنو العادات والتقاليد.

وبما أن قضايا الشرف والعائلة تعتبر شأناً خاصاً في المجتمعات العربية و المجتمع الفلسطيني خاصة يتم التعامل معها عبر آليات وساطة قبلية وعائلية أكثر مما يتم التعامل معها عن طريق تقديم شكاوى للشرطة واتخاذ الإجراءات القانونية، حيث يتمثل هدف تلك الآليات تجنب تفكك العائلة والفضائح والأقاويل وبالتالي تجبر لنساء على البقاء في علاقات تسيء إليهن والامتناع عن فضح الجناة الذين يفلتون من المسائلة ويواجهن خطر التعرض لمزيد من العنف والتهديد بالقتل دون التبليغ عن ذلك، إضافة إلى ذلك تلعب الإشاعات و الأقاويل دورا لا يستهان به في انتشار قتل النساء حيث أنها في كثير من الحالات تكون سبباً كافياً لقتل الفتاة. كما ويلعب الضغط الاجتماعي والعائلي دوراً مهماً في ترسيخ قتل النساء باسم الشرف، فأفراد العائلة والمجتمع يأخذون لأنفسهم الحق في الحكم على سلوك الآخرين وخاصة سلوك الإناث وضمان أنهم يمتثلون لقواعد الشرف

ولذلك فإن الأقرباء الذكور خاصة الآباء يخضعون لضغط هائل من أقرباء آخرين أكثر نفوذاً يجبرونهم على قتل الابنة أو الأخت لغسل العار وبالتالي يمثل الضغط الاجتماعي استراتيجية مزدوجة تستخدم لتبرير قتل النساء و للحصول على المساندة، ففي بعض الحالات يتحول قتل النساء من كونه شأناً عائليا خاصاً ليصبح شأناً مجتمعياً، فبعد قتل احدى الفتيات يقوم أحد كبار وجهاء القرية بجمع الوجهاء و اعلان قتل الفتاة لاعتبار ذلك عمل بطولي تجسدت فيه معاني الرجولة.

ففي ظل تلك الموروثات الثقافية والعادات والتقاليد والمفاهيم التي تحكم سير مجتمعاتنا العربية وفي إطار تلك النظرة التقليدية الدونية للمرأة والتي ترسمها بنى المجتمع وقوانينه، نجد أن عملية التشريع التي يقوم بها أصحاب النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأغلبيتهم من الذكور تفسر أما حسب المصالح الاقتصادية أو المعتقدات الاجتماعية للمحافظة على النظام الاجتماعي القائم وتكريس الأبوية

بعد الحديث عن السياق الاجتماعي والثقافي لجرائم الشرف في المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة، كيفية معالجة نصوص قوانين العقوبات للقتل على خلفية الشرف ونظرة الدين للقتل بسبب الزنا وموقف كل من النظام والقضاء العشائري واتفاقيات حقوق الإنسان من قتل النساء، نجد أن الموروثات الثقافية التقليدية التي تجسد وترسخ نظرة المجتمع الدونية للمرأة وغياب القوانين التي من شأنها أن تعاقب المعتدين والجناة، والتعامل مع جرائم الشرف بطابع من التستر وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، تعد من العوامل الأساسية في ازدياد نسبة قتل النساء على خلفية الشرف.

و لمكافحة قتل النساء على خلفية الشرف لا بد من الضغط باتجاه إلغاء النصوص القانونية التي تجيز للرجال قتل النساء بدافع الشرف وتحت تأثير ما يسمى بثورة الغضب وبالتالي إلغاء الأحكام المخففة والمحلة من العقاب والتي تشجع القتلة على ارتكاب جرائمهم، بحيث يصبح التعامل مع جرائم قتل النساء على أنها جرائم قتل عمد متكاملة الأركان وأن يعتبر القاتل مجرماً يتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن جريمته، ولا بد من العمل على سن قوانين تحمي النساء من العنف وهنا لا أدعو إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالعقوبة أي منحها العذر المحل أو المخفف إذا ما تفاجأت بزوجها متلبساً بالزنا مع أخرى، فأنا لا أريد أن تصبح المرأة قاتلة كالرجل وإنما أدعو إلى إلغاء ما يجيز القتل أو يبيحه سواء للرجل أو المرأة لأن ذلك في النهاية سيحقق المساواة والإنصاف للمرأة ويحميها من العنف. إضافةً إلى ذلك لا بد من إحداث تغيير في طريقة التفكير والاتجاهات السائدة في المجتمع بما يشمل السلطات والعائلات والهياكل العشائرية والفتيان والفتيات نحو قضية قتل النساء، ويتطلب ذلك تنظيم حملات للمناصرة والضغط والتوعية حيث ينبغي على كل المنظمات الأهلية والهيئات الوزارية أن تنسق جهودها وتتعاون لضمان استخدام لغة الخطاب ذاتها، وضمان الوصول إلى قطاعات واسعة من المجتمع وينبغي أن لا تركز حملات التوعية على النساء والفتيات فقط بل يجب أن تسعى للوصول إلى الرجال و الفتيان كذلك.

كما وينبغي أن لا يعتبر قتل النساء باسم الشرف مسألة خاصة متروكة لتصرف الأسرة أو بالأحرى لذكور الأسرة، بل على النظام القضائي عند البحث في قضايا قتل النساء حتى في حالات الادعاء بالقتل على خلفية الشرف أن يقوم بتفعيل كافة الإجراءات القانونية والقضائية بكافة مراحلها المختلفة بما في ذلك التحقيق الجنائي وإقامة الدعوى وضمان إتباع هذه الإجراءات على نحو سليم، إضافة إلى مطالبة وزارات الصحة بأن تشرف على تسجيل الوفيات بشكل أكثر تشديداً حتى لا يتاح التملص من قتل النساء من خلال تسجيل وفيات الإناث على أنها قضاءً وقدراً أو بدون تحديد سبب واضح للوفاة.