بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
حي الطريف هو أحد أهم المواقع السياسية والجغرافية في المملكة العربية السعودية منذ نشأة الدولة السعودية الأولي وهي الدولة التي تأسست في وسط الجزيرة العربية عام 1744م علي يد محمد بن سعود آل مقرن أمير الدرعية والذي إتخذها عاصمة لدولته والتي إستمرت في التوسع حتى سقوطها عام 1818م على يد الجيش العثماني بقيادة القائد إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر حينذاك ويقع هذا الحي في قلب شبه الجزيرة العربية وبالتحديد في مدينة الدرعية شمال غرب العاصمة السعودية الرياض في إقليم عارض اليمامة التاريخي بجنوبي هضبة نجد وتتبع إداريا منطقة الرياض وتبعد عن العاصمة الرياض حوالي 20 كيلو متر وهي المحافظة الأولى في المملكة ويحدها من الشمال محافظة حريملاء ومن الجنوب محافظة ضرما ومدينة الرياض ومن الشرق مدينة الرياض ومن الغرب محافظة حريملاء ومحافظة ضرما أيضا وتعد الدرعية إحدى أكثر مدن المملكة العربية السعودية تقدما والأسرع تطورا وتبلغ مساحتها حوالي 2.2 ألف كيلو متر مربع ويقطنها نحو 75 ألف نسمة وتبلغُ نِسبة السعوديين من إجمالي عددِ السكان فيها نحو 65% فيما يشكل غير السعوديين ما نسبته حوالي 35% وهي تمثل رمزا وطنيا بارزاً في تاريخ المملكة العربية السعودية فقد إرتبط ذكرها بالدولة السعودية الأولى وكانت عاصمة لها كما ذكرنا في السطور السابقة ولقد شكلت منعطفا تاريخيا في الجزيرة العربية بعد أن ناصر محمد بن سعود دعوة التجديد الديني التي نادى بها محمد بن عبد الوهاب عام 1744م فأصبحت الدرعية قاعدة الدولة ومقر الحكم والعلم وإستمرت كذلك إلى أن إختار تركي بن عبد الله مدينة الرياض مقرا جديدا للحكم وقاعدة جديدة للدولة وذلك في عام 1824م .
وقد إستمرت الدرعية المدينة الأشهر في جزيرة العرب خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين الموافقين للقرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين وظلت مشهورة حتى بعد أن ألحقت جيوش الدولة العثمانية بقيادة القائد إبراهيم باشا بن محمد علي باشا التدمير والخراب بها وبمحيطها الجغرافي عام 1233 هجرية الموافق عام 1818م كما ذكرنا في السطور السابقة وذلك بعد أن خاض عدة معارك في نجد بداية من عام 1231 هجرية الموافق عام 1816م وحتي عام 1234 هجرية الموافق عام 1819م حيث أن عائلة آل سعود لم تستسلم طوال هذه المدة منذ أن تولى عبد الله بن سعود الكبير القيادة في ظروف حرجة ودخل في معارك مع قوات القائد إبراهيم باشا والذى كانت أوامر أبيه محمد علي باشا تقضي بضرورة تدمير مركز بن سعود وكانت المسافة بين المدينة المنورة التي سيخرج منها إبراهيم باشا بجيشه والدرعية قرابة 650 كيلو متر من الصحراء فأراد عبد الله بن سعود إستغلال الجغرافيا الصعبة لصالحه فوزع جيشه على شكل وحدات صغيرة في قرى نجد أملا في تجاوز الهوة العددية بينه وبين قوات إبراهيم باشا لكن إبراهيم باشا فَطِن لذلك وقام بتدمير وتسوية كل القرى النجدية التي أبدت مقاومة لقواته بالأرض إلى أن وصل في عام 1233 هجرية الموافق عام 1818م إلى الدرعية وقام بهدم أسوارها وتمكن من أسر عبد الله بن سعود وعدد كبير من عائلته وأنصاره بعد حصار دام ستة أشهر وقام بإرساله إلي الخليفة العثماني في إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية حينذاك وليتم إعدامه هناك في ميدان عام وبذلك إنتهت الدولة السعودية الأولى .
و يعتبر حي الطريف التاريخي والذي أُسس في القرن الخامس عشر الميلادي من أهم معالم مدينة الدرعية الأثرية وهو يقع فوق الجبل الجنوبي الغربي من منطقة الدرعية ويشرف من علو بارز على باقي المدينة ويضم عددا من الأبنية الرائعة التي تشهد على قدرة المهندس المحلي وبراعته الهندسية والبنائية ويمثل هذا الحي نموذجا حيا لأسلوب البناء ومادته في هذه الفترة التاريخية من حياة المملكة العربية السعودية وهو يحمل آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية ومما يذكر أنه قد تنامى في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين الدور السياسي والديني لحي الطريف وأضحى مركزا لسلطة آل سعود وإنتشار تيار الإصلاح السلفي في الإسلام ويضم هذا الحي آثار للكثير من القصور لإحتضانه أهم المباني الأثرية والقصور والمعالم التاريخية حيث يضم معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولي كقصر سلوى الذي تم إنشاؤه في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وكانت تدار منه شؤون الدولة السعودية الأولى وبيت المال وسبالة موضي وكذلك جامع الإمام محمد بن سعود وقصر سعد بن سعود وقصر ناصر بن سعود وقصر الضيافة التقليدي هذا ويحيط بحي الطريف سور كبير وأبراج كانت تستخدم لأغراض المراقبة والدفاع عن المدينة فضلا عن مدينة بنيت على ضفاف واحة الدرعية .
وتضم الدرعية أيضا مجموعة من الأحياء الأخرى غير حي الطريف أهمها حي غصيبة وهو الحي الرئيسي للدرعية القديمة وقاعدة الدرعية حتى عام 1100هجرية وحي السريحة وكان يضم بيوت الأعيان والوجهاء بالمدينة وهناك أحياء تاريخية أخرى مثل الظهيرة والطرفية والعودة والبليدة وقد تمت موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو وذلك خلال إجتماع لجنة التراث العالمي باليونيسكو في دورته الرابعة والثلاثين المنعقدة في مدينة برازيليا بالبرازيل في يوم 18 شعبان عام 1431 هجرية الموافق يوم 29 يوليو عام 2010م ليصبح هذا الحي الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد إعتماد تسجيل موقع الحجر أو مدائن صالح وهما موقعان ضمن المواقع الثلاثة التي صدرت الموافقة الملكية عام 1427 هجرية الموافق عام 2006م على أن تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة العربية السعودية إستكمال إجراءات تسجيلها في قائمة التراث العمراني بمنظمة اليونيسكو وهي مدائن صالح أو الحجر وحي الطريف بمدينة الدرعية ومدينة جدة التاريخية القديمة وبعد إدراج حي الطريف بالدرعية ضمن لائحة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو العالمية تولت الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية مهمة تخطيط وتنفيذ مشروع لتطوير هذا الحي ضمن برنامج شامل لتطوير أحياء مدينة الدرعية التاريخية ككل وبهذا تكون أحياء الدرعية التاريخية والقديمة نواة ومحورا للتطوير العمراني والثقافي وذلك بهدف إعمارها وتحويل المناطق الأثرية والتراثية بها إلى مركز ثقافي سياحي على المستوى الوطني والعالمي ووضعها في مصاف المدن التراثية العالمية كما يمكن من خلال هذا المشروع تحقيق التنمية المستدامة بالمحافظة على المقومات البيئية الطبيعية وتشجيع الإستثمارات الخاصة للمشاركة في برنامج التطوير .
ويتضمن هذا المشروع إنشاء خمسة متاحف في عدد من القصور التاريخية بحي الطريف تحاكي تاريخ الدولة السعودية الأولى تشمل كلا من متحف الدرعية ومتحف الحياة الاجتماعية والمتحف الحربي ومتحف الخيل العربية ومتحف التجارة والمال إلى جانب مركز العمارة وطرق البناء التراثية في الوقت الذي يتم توظيف الأطلال الخارجية لقصر سلوى لعروض الصوت والضوء والوسائط المتعددة حيث ستستخدم جدران القصر كشاشات لعرض دراما بصرية قصصية تحكي قصة الدولة السعودية الأولى وترميم جامع الإمام محمد بن سعود أحد معالم الحي وإعادة إستخدامه كمصلى ويتضمن الحي أيضا سوق الطريف الذي يتكون من 38 محلًا مخصصة للمنتجات الحرفية والمطاعم التقليدية إضافة إلى مركز لإستقبال الزوار تمت إقامته عند مدخل الحي ومركز لإدارة الحي تمت إقامته في قصر فهد بن سعود وتديره الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وتهيئة الممرات والفراغات العامة داخل الحي ورصفها وإضاءتها بأساليب متعددة لتبرز القيمة التراثية للحي وتخصيص قصر إبراهيم بن سعود كمركز لتوثيق تاريخ الدرعية يدار من قبل دارة الملك عبد العزيز وهي مؤسسة ثقافية تقع في الرياض في المملكة العربية السعودية أنشئت بموجب المرسوم الملكي في الخامس من شهر شعبان عام 1392 هجرية الموافق عام 1972م وقد تم إنشاؤها لخدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة العربية السعودية والدول العربية والدول الإسلامية بصفة عامة .
وإذا إستعرضنا مجموعة المتاحف التي يتضمنها مشروع تطوير حي الطريف سنجد أن متحف الدرعية بقصر سلوى الهدف منه التعريف بتاريخ الدولة السعودية الأولى من خلال منظومة من المكونات المتحفية والأنشطة وتوفير عرض مفتوح للزوار بين الأطلال المرممة ضمن ممر مخصص لذلك يحتوى على شاشات تعريفية بأهم فراغات القصر والأحداث التاريخية الهامة التي جرت فيه إضافة إلى العرض المتحفي المغلق الذي يتضمن لوحات ومجسمات وقطع متحفية وأفلام وثائقية وتسجيلية كما يعرض متحف الحياة الإجتماعية جانب من الحياة اليومية والعادات والتقاليد والأدوات المستخدمة في فترة إزدهار الدولة السعودية الأولى وذلك في قصر عمر بن سعود والمباني الطينية المجاورة له أما المتحف الحربي والذى يقع ضمن المباني المجاورة لقصر ثنيان بن سعود فتعرض فيه الجوانب الحربية في تاريخ الدرعية كأدوات وملابس وأسلحة الحرب والمعارك الحربية كما خصص عرض متحفي مستقل داخل قصر ثنيان بن سعود يعرض قصة الدفاع عن الدرعية في أواخر عهدها وبخصوص متحف الخيل العربية فهو يهدف إلى التعريف بالخيل العربية الأصيلة وسلالاتها وطرق رعايتها في فترة إزدهار الدرعية وهو يقع ضمن المباني المجاورة لقصر الإمام عبد الله بن سعود بالإضافة إلى إصطبلات الخيل المجاورة للقصر بينما يقوم متحف التجارة والمال والذى يقع ضمن مباني بيت المال وسبالة موضي فهو يعرض الإزدهار الإقتصادي الذي شهدته الدرعية بالإضافة إلى معالم التجارة والعملات والموازين والأوقاف .
وإذا إستعرضنا باقي عناصر مشروع تطوير حي الطريف بالدرعية سنجد مركز إستقبال الزوار والذى يقدم خدمة الإرشاد السياحي لزوار حي الطريف وهو مبنى حديث يقع مقابل قصر سلوى ويحتوي على التجهيزات الفنية لعروض الصوت والضوء والتى يتم تقديمها في صورة دراما صوتية تحكي تاريخ الدولة السعودية الأولى إضافة إلى إسقاطات ضوئية على قصر سلوى بإستخدام تقنية الصوت والضوء بالإضافة إلي خمسة عروض للوسائط المتعددة في مواقع مختارة من الحي وبخصوص المراكز التي يتضمنها المشروع نجد منها مركز توثيق تاريخ الدرعية وهو يقع داخل قصر إبراهيم بن سعود حيث يشكل مرجعا توثيقياً لتاريخ الدرعية وحي الطريف ومقرا لفرق العمل التي تقوم بالبحث وأعمال التوثيق والدراسات ومركز إدارة الطريف وهو مقر إدارة حي الطريف ويقع بقصر فهد بن سعود ويدير المركز كل ما يتعلق بالشؤون الإدارية للحي كما يتضمن المشروع سوق تجارى بإسم سوق الطريف تعرض فيه المنتجات التقليدية والمصنوعات الحرفية المحلية وهو يقع ضمن مجموعة من المباني المرممة المخصصة لهذه العروض بحي الطريف إضافة إلى مجمع للمطاعم وخدمات الزوار وأخيرا يضم المشروع جامع الإمام محمد بن سعود والذى تم إعادة إستخدامه كمصلى ضمن أبعاده الأصلية التي تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 2200 متر مربع ولقد رعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إفتتاح هذا المشروع مساء يوم الخميس 20 من شهر جمادى الآخرة عام 1436 هجرية الموافق يوم 10 من شهر مارس عام 2015م بعد أن أنهت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تنفيذ المشروع والذى يتضمن أيضا ساحة تحتوي على جلسات للمتنزهين تطل على حي الطريف ومتنزه الدرعية وعدة حدائق عامة وساحات ومواقف لإنتظار السيارات .
|