بقلم/ جهاد ناصر
تحيا مصر اليوم علي ذكري نصر خلده التاريخ , معلنا حريتها بدماء ابنائها الذكية , وإيمانا منا أن سيادة مصر لا تتحقق إلا بجيش وطني , وشعب مخلص محب لتراب هذا الوطن , فإننا اليوم نرتد الي الماضي السحيق لنعيد الأمجاد , ونتحدث عن النبتة الأولي للجيش المصري , حيث جاءت مصر بمقدمة الأمم في تكوين الجيوش المنظمة المدربة منذ أيام الدولة القديمة , فلقد نهض الجيش الوطني منذ تكوينه بأروع الواجبات , مما جعلها أمة مستقلة ذات سيادة , فالصلة الجامعة بين مصر وجيشها تعود للآلاف السنين , وبطبيعة الحال لم تكن المراحل التاريخية التي مرت بمصر كلها مراحل تقدم وظفر ونصر , بل كان شأنها في ذلك شأن دول العالم , مرت مصر بفترات ضعف وخمول , فلم تولد أمة قوية ,أو أمة ظلت محتفظة بقوتها طوال حياتها , ولكن كل فترة عصيبة مرت علي مصر , اعقبها انتفاضة نهضة وبعث من جديد, فمن يجهل الجندي المصري , الذي نسج لوادي النيل تاريخا من أظهر تواريخ الأمم علي الأطلاق , وخلف تراثا سيظل فخر الأجيال.
لقد وهب الله مصر من الحدود الجغرافية ما جعلها عبر الأزمان منعزلة عن العالم المحيط , مما جعل إغارة اعدائها من اعقد الأمور واصعبها , فمع استقرار الأنسان بمعرفة الزراعة , وبدأت فكرة تبادل المصالح المشتركة مع المناطق المجاورة , بدأت تظهر بوادر العداء , ليبدأ الصراع معبرا عن رغبة الإنسان في الحصول علي السيادة , ومن هنا بدأ تكوين الجيوش للدفاع عن اي خطر يمس بالبلاد من ناحية , ومن أجل توسيع الممالك من ناحية أخري .
ولقد كان الإنضمام للجيش في مصر القديمة في طليعة المهن التي تسبغ الشرف علي صاحبها , بل اكثر من ذلك فقد حظي من الأحترام والتقدير ما حظي به كهنة المعابد , ويكاد يكون من المسلم به أن مصر لم يكن لها جيش ثابت منظم حتي نهاية الدولة القديمة , إذ كان لكل مقاطعة قواتها الخاصة بها , كما لكل معبد من المعابد الكبيرة قواتها الخاصة , ولم تتحد القوات إلا عند الضرورة الملحة , ومع الدولة القديمة نلاحظ إنه الي جانب الجنود المصريين هناك عناصر من الجنود المرتزقة , وكان يقود الجيش قائد عام , كالقائد وني الذي يحدثنا أن الملك قد عهد إليه بمهمة إعداد الجيش , وإنه قد أدي مهمته بنجاح ,كما تحدث عن دور رجال الدين في الحروب , حيث يثرون حماس الجنود . ولما تولي زوسر دعم سلطانه بحكومة مركزية , وكان لابد له وأن يستعين بجيش منظم لحماية دولته من الاعتداءات الخارجية , واتبع الجيش بعهده الحكومة المركزية , وكانت الوحدة العسكرية الصغيرة تولف من الشباب الصالحين (نفرو) , يقودهم رئيس (خرب ) , وكان علي رأس الجيش البري في الأسرة الرابعة قائد الجيوش (إمرا مشع ) وكان في الغالب ابن الملك , وقد تدرب المجندين علي الأعمال الحربية , ويتلقون الدروس العسكرية , كما خصصت لهم مصلحة قائمة بذاتها يشرف عليها القائد الأعظم للجيش. وبأواخر الدولة القديمة قد تألف الجيش من فيالق , ويخضع جميعهم الي قائد الجيوش , والذي كان علي ما يبدو القائد الأعظم لكل جنود مصر.
وإذا ما إنتقلنا الي الدولة الوسطي كان هناك شبه استقلال لحكام الأقاليم , حيث كانوا يحتفظون لأنفسهم بقوات مشكلة علي غرار جيش الدولة , وإن كانت اصغر حجما , وما إن جاء سنوسرت الثالث حتي كتب لنفسه نجاحا بعيد المدي في القضاء علي نفوذ أمراء الأقاليم , وراي أن اعتماد الملكية علي جيوش حكام الأقاليم إنما كان يشكل خطرا علي العرش , ومن ثم أسرع بتكوين جيش ثابت للملك , ومن الدولة الوسطي الي الدولة الحديثة والتي بها يبدأ مجد مصر الحربي بعد هزيمة الهكسوس , ويمكن القول أن تلك الحقبة إنما هي ازهي أيام الجيش الحربي دون جدال , وكان الفرعون آنذاك هو القائد الأعلي للجيش وكان يساعده قائد كوزير للحربية , ومجلس اعلي للجيش للمشاوره , كما كان الجيش ضخما مدربا ومسلحا بالعربات الحربية , ومنظما علي مستوي وطني وليس اقطاعي , تألف من عدة فرق كل فرقة تعتمد اعتمادا كليا علي نفسها بقواتها المشاة والعربات الحربية والرماة , وكات اسماء الآلهة تطلق علي كل فرقة .
أما عن نظام التجنيد في مصر فنجد إنه بالدولة القديمة كان التجنيد اجباريا , فكانت كل مقاطعه بكل ما تحويه من معابد , وما تملكه يجند فيها الجنود ليعملوا علي قطع الحجارة , أو القيام بغزوات في الجهات التي تظهر فيها ثورة او عصيان , وتلقي الضوء لوحة من الأسرة الثانية عشر إنه كان يؤخذ من الرجال مجندين بنسبه 1% منهم , أما عن الدولة الحديثة فكان رجل من بين كل عشرة, ثم سرعان ما اسند اختيار المجندين الي مجلس عسكري , وإن كان هناك ما يشير الي أن التجنيد كان وراثيا , ويفضل من كان من ابناء المجندين عن غيرهم .
وقد امدتنا النقوش الأثرية علي جدران المعابد والمقابر , بفيض من المعلومات عن تدريب الجنود للقتال في معسكراتهم , وفي اوضاع مختلفة في معاركهم , وكيفية استخدام تلك الأسلحة , وكيف أن نافخ البوق ينظم خطوات الجند أثناء مسيرتهم , وكيف كان الجند يتدربون علي تسلق الجدران , ويتبارزون بالعصي , أو كيف يمهرون في الرماية , هذا وقد شارك أبناء الفراعين في التدريبات خاصة الرماية والفروسية .
كما تجدر الإشارة الي أن بعض الفراعنة قد تقلدوا تقليدا وهو تبادل الراي مع القادة عند مواجهة موقف ,أو وضع مفاجئ اثناء القتال , أو قبل الدخول في معركة كبري , وهو ما يعرف بمجلس شوري الحرب, كذلك نجد البطل المصري الملك تحتمس الثالث قد تقلد تقليدا جديدا في اتخاذه سلك الطرق الوعره مضحيا بسهولة الطرق الأخري التي يتوقع العدو قدومه منها , كذلك بناء السفن في منطقة بعيدة عن مسرح العمليات , ونقلها مفككة وهو ما يدل علي العقبرية العسكرية الفذة , قلدة في ذلك المارشال مونتجمري عندما عبر نهر الراين علي سفن جاء بها برا من الساحل.
وفيما يخص الإجراءات التي اتخذها المصريين لحماية الحدود هي تشييد الحصون في الأماكن التي يمكن للعدو النفوذ منها للبلاد , وبخاصة عند افواه الوديان المشرفة علي الصحراء , والتي يمكن للبدو او غيرهم أن ينقضوا منها للبلاد , وتعرف هذه الأماكن بأبواب المملكة , وكان الملك زوسر أول من نظم وسائل الدفاع عن مصر , وقسم الحدود الي مناطق واطلق عليها ابواب المملكة , وعين عليها حاكما عرف بمرشد الأرض وزودها بحامية.
أما عن أدوات القتال فكان دبوس القتال وهو السلاح الشائع منذ فجر التاريخ , كسلاح تقليدي يستخدمه الفرعون ليحطم رؤوس اعدائه حتي اخريات العصور الفرعونية , وتقسم اسلحة المصريين الي قسمين هجومية واخري دفاعية فالأسلحه الهجومية كانت القوس والرمح والجريدة والمقلاغ والسيف القصير المستقيم والخبجر والمدية والسيف القصير المحدب, والبلطة ذات اليد لقصيرة , وبلطة القتال والصولجان , أما القسم الثاني الخوذة والدرع أو سترة الزرد المصنوعة من الصفائح المعدنية وكانت اغطية الزراعين جزءا منها حيث تؤلف جزء قصير يمتد الي الكوع , ومع ذلك لم يعرف المصري اي واقي للأرجل , ويتم توزيع هذه الاسلحة عندما تقررالحرب في حفل ضخم يحضره الملك شخصيا وظهر العلم في وادي النيل ثم عرفته جميع الشعوب القديمة الذين اختلطوا بالمصريين كالاشوريين واليهود والفرس اليونان والرومان فكانت كل كتيبة , أو سرية علم خاص يرمز لمعني , أو لفكرة دينية , أو يحمل اسما لإله من الآلهة , او ملك من الملوك أو حيوان مقدس , وكان الجنود إما أن يتقدوموا العلم أو يتقدمهم العلم , وكان ينظر الجنود الي أعلامهم باحترام وتبجيل , وكانت تلك الأعلام تركب علي رمح أو عود من خشب الزان يحمله ضابط يسير في مقدمة الوحدة العسكرية , وعد هذا العلم في الحقيقة بمثابة قائد للجند فهو الذي يحركهم , وهو الذي يشجعهم , ويبث روح الحمية فيهم باوقات القتال العصيبة , والي جانب اعلام الوحدات كانت هناك الأعلام الملكية التي يحملها رجال البلاط المقربون الي الفرعون . وكانت تجمع جنود الوحدات علي صوت النفير , وعرف المصريون هذه الآله منذ اقدم العصور التاريخية , وقد خلدت النقوش بدقه مواقف كثيرة للبروجي وهو يفخ في النفير لجمع الجنود أو لتشجعيهم علي الهجوم السريع أو للسير بخطوات متزنة.
هذا وقد قدرت القيادة المصرية بسالة المحاربين خلال المعارك وبعدها , فعبرت عن تقديرها بالألقاب التشجيعية والتشريفية والأوسمة والمكافات السخية , بالإضافة الي جواز الترقي الي ارقي مناصب الضباط , فشاع لقب الفتاك او المقاتل "عحاوتي " , والجسور "قن " , والقناص "كفعو" والقناص الهمام "كفعوقن" , وقد سجل كثير من شجعان الجيش أنهم فازوا بمكافات تشجيعية أمثال احمس بن ابانا الذي شارك في حرب التحرير ضد الهكسوس.
أما عن شرعية الحرب عند المصريين فكانت تفوق غيرها من شرائع الحرب في الخلق والنبل والسماحة , فقد اتوا المصريين في حروبهم ما يؤتي عادة في الحروب من عنف ونهب وتدمير , ولكن إذا قيس بمقايس عصورهم دل إنهم كانوا اخف المجتمعات القديمة كلها في حب البطش والأنتقام والتنكيل.
وهذه هي بسالة المصريين دائما ابدا , فحفظ الله مصر وشعبها , وجعلهم في رباط الي يوم الدين ووهبهم من الشجاعة ما يجعل العالم أمامهم عاجزين , كل عام وشعب مصر العظيم بألف خير وسلام وبالنهاية سأختم حديثي بمقوله ملكنا العظيم رعمسيس الثالث " أخرجوا الأسلحة , واعرضوها علي الملأ حتي تخمد شجاعة ابي امون البلاد الثائرة التي تجهل قدر مصر ".
|