الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

بائع الملوك والأمراء

بائع الملوك والأمراء
عدد : 10-2018
بقلم الدكتور/ عمر محمد الشريف


هو سلطان العلماء العز بن عبد السلام الذى كان قاضيًا على مصر في القرن السابع الهجري وأفتى ببيع الأمراء المماليك لأنهم رقيق لدى الدولة، وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع الإسلامي، إذ انهم مملوكيين فلا يحق لهم البيع والشراء والزواج من حرائر نساء مصر، فهم حق لبيت مال المسلمين، لينادى ببيعهم، فقاموا عليه وحاولوا اقناعه بالعدول عن فتواه مهددين اياه، وشكوه إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي لم تعجبه فتوى العز بن عبدالسلام وطالبه بالتخلي عنها، إلا أنه بقى على موقفه حتى خلع نفسه من منصبه في القضاء، مضحياً بمكانته المقربة من الحاكم والأمراء.

جمع الشيخ أغراضه وقرر الخروج من مصر، فاشترى دابيتين وضع متاعه على واحدة وأركب زوجته واحدة، وعندما شاع خبر خروجه خرج خلفه في موكب مهيب علماء مصر وصالحيها وتجارها ورجالها حتى الأطفال خرجوا خلفه تأييدًا له، فأدرك الملك الصالح نجم الدين أيوب خطورة الموقف ليسرع بنفسه خلف العز بن عبد السلام طالباً منه العودة، فما قبل إلا أن تنفذ فتواه، وقال له: "إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلابد أن يباعوا أولًا، ثم يعتقهم الذي يشتريهم"، وتولى الشيخ العز بن عبد السلام بنفسه عملية بيع الأمراء، ووقف ينادي على أمراء الدولة واحداً بعد واحد في مزاد علني، فقام الصالح أيوب واشترى الأمراء ودفع الثمن من ماله الخاص إلى الشيخ، ثم أودع ثمنهم في بيت مال المسلمين، وأعتق الأمراء بعد ذلك.

لم يكن هذا الموقف هو الأول لسلطان العلماء في مقارعة الملوك والسلاطين، فقد خرج من دمشق التي ولد بها إلى القاهرة بسبب وقوفه في صف الحق ومحاربة الظلم ونصحه للحكام، كان العز بن عبدالسلام يتولى خطابة الجامع الأموي في دمشق بأمر من حاكهما الملك الصالح إسماعيل بن أيوب، وبعد مدة قرر الملك الصالح إسماعيل قتال ابن اخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب حاكم مصر، واستنجد بالإفرنج لينجدوه على الصالح أيوب، وسلم إليهم صيدا والشقيف وغيرها من حصون المسلمين، كما سمح لهم بالدخول إلى دمشق لشراء السلاح ليقاتلوا به جيش مصر، فشق ذلك على العز بن عبدالسلام مشقة عظيمة، فصعد المنبر وأفتى بحرمة بيع السلاح للفرنجة وقال: "يحرم عليكم البيع لهم؛ لأنكم متحققون أنهم يشترونه ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين"؛ كما نال من الصالح إسماعيل على المنبر وهيج الأمة ضد خيانته، ولم يدع له كعادة خطباء الجمعة، وهذا يعني نقد البيعة له وقال قبل نزوله من المنبر: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً تعز فيه وليك، وتذل فيه عدوك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهي فيه عن معصيتك"، فأصدرالصالح إسماعيل أمره بعزل الشيخ وسجنه.


بقى مدة معتقلاً بدمشق، وبعد خروجه قرر مغادرتها إلى مصر، فلما علم الصالح إسماعيل بخروجه أراد أن يعيده، فأرسل خلفه رسولاً يعرض عليه الأعتذار مقابل العودة إلى مناصبه بدمشق، وقال له: "بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير"، فرد الشيخ قائلاً: "والله يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده. يا قوم، أنتم في واد وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".

ولما وصل مصر رحب به الملك الصالح نجم الدين أيوب، وأكرمه وتولى الخطابة والإمامة بجامع عمرو بن العاص، والتدريس بالمدرسة الصالحية، كما تولى منصب الإفتاء بمصر بعد أن تنازل له الشيخ عبد العظيم المنذري قائلاً: "كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين، وأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين فيه"، ويروى أن العز بن عبدالسلام أفتى مرة بشئ ثم ظهر أنه أخطأ في فتياه، فأخذ ينادي بنفسه على نفسه في مصر، فيقول: " من أفتى له العز بن عبد السلام بكذا فلا يعمل به، فإنه قد أخطأ".

كانت له الكثير من المواقف المشرفة ضد الظلم، وظل طوال حياته مناصراً للحق، كما كان فقيهاً مفسراً محدثاً ترك العديد من المؤلفات، لكن مؤلفاته أقل من علمه ومعرفته، فقد كان مشغولًا بالتدريس عن التاليف، توفى فى 9 جمادى الأولى 660هـ عن عمر يناهز 83 عاماً، ودفن بالقرافة الكبرى بقاهرة المعز، وذلك في عهد الظاهر بيبرس الذي كان يجل الشيخ ويعرف فضله، ويقال أن بيبرس أرسل له لما مرض قائلاً له أن يعين أحد أولاده في مناصبه، فقال عز الدين: ما فيهم من يصلح.

ويروي من أنه لما مرت جنازته تحت أسوار القلعة، وشاهد الملك الظاهر بيبرس كثرة الخلق الذين خرجوا لتشيعه قال لبعض خواصه: "اليوم أستقر أمري في الملك" لأن هذا الشيخ لو كان يقول للناس أخرجوا عليه لخرجوا.

قال عنه ابن السبكي: " شيخ الإسلام والمسلمين، وأحد أئمة الأعلام، سلطان العلماء، إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى زمانه، الملطع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمقصادها، لم ير مثل نفسه، ولا رأى من رآه مثله، علماً وورعاً وقياماً فى الحق وشجاعة".
 
 
الصور :