بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن أزمة الهويات التي نعانيها اليوم لم تكن ظاهرة للعيان في وقت سابق، حيث لم تكن قضية الأقليات مطروحة داخل المجتمعات سواء كانت عرقية أو اثنية أو دينية، ففي العراق لم نكن نميز بين وجود شيعي ووجود سني، ودون مقدمات ظهر على مسرح الأحداث استقطابات حادة ومثيرة انفجرت مثل الطرق،
فبالرغم من أن هذا التنوع كان موجودًا إلا أن مركزية الدولة الشديدة والصارمة كانت تغطي على هذا التنوع وتبعده عن زاوية النظر في كثير من الأحيان. أن التمايز والشعور بالتمايز الداخلي هو ما يؤدي إلى سعي قومية أو جماعة إثنية معينة إلى تمييز نفسها عن الآخرين، حيث نرى أن الشعور بالتمايز في أفريقيا على سبيل المثال خلق العديد من المشكلات منذ منتصف التسعينيات فعندما اتجهت الدول إلى التحول نحو الديمقراطية، بدأت جماعة معينة السيطرة على السلطة والثروة مقابل تهميش للجماعات الأخرى،
وهذا الشعور بالتهميش هو ما أدى إلى تحرك تلك الجماعات للبحث عن انتمائها الأولي بعيدًا عن الانتماء الدولي، ومع صعود فكرة الظاهرة الدينية في العلاقات الدولية وفكر الإرهاب خلال العقدين الأخيرين بدأت هذه الاجتماعات تمييز نفسها الآن على أساس ديني لكي تتمكن من رفع السلاح لمواجهة السلطة.
لا تقتصر تلك الأزمة على منطقتنا العربية فقط حيث انفجرت مشكلة الهويات الفرعية في أوروبا الشرقية لاسيما بعد انهيار الاشتراكية أواخر الثمانينيات، ولكن ينبغي ملاحظة التباينات بين ما يحدث داخل البيئة العربية وما يحدث داخل البيئة الأوروبية، فيلاحظ حل وانتهاء تلك.
أن نجاح الدول الأوروبية لا يتعلق فقط بمساعدة الغرب لها ولكن يتعلق أيضًا بحالة المجتمعات التي تختلف اختلافًا تامًا عن مجتمعاتنا، فدول أوروبا الشرقية لم يكن بها حينها أميًا واحدًا كما أن الدول المحيطة بأوروبا الشرقية جميعها دول ديمقراطية.
بعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية اصبحت الطائفية اكثر تجذرا وتمددا في مؤسسات الدولة حتى لا يكاد موقع في مؤسسات الدولة الا ويتم تحديد مذهبه. تطييف مؤسسات الدولة زاد من حدة الصراعات والخلافات بين زعماء الطوائف. كما ان الاصلاحات التي نصّ عليها اتفاق الطائف لم تبصر النور. على سبيل المثال تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية التي نص عليها اتفاق الطائف لم تبصر النور بسبب عدم الثقة بين الطوائف اللبنانية.
الحرب الاهلية السورية تتقاطع كثيرا مع الحرب الاهلية اللبنانية في تداعياتها خصوصا على مستوى الانتماء الهويّاتي للفرد والفرز الطائفي للمجتمع. الصراع الدموي بين أطياف الشعب السوري والذي خلّف قتلى ودمارا اكبر بكثير مما خلفته الحرب الاهلية اللبنانية أدى الى انقسامات عامودية في المجتمع السوري. يبرز هذا الفرز العمودي من خلال صعود تيارات عرقية ودينية تهدف الى انشاء دويلات طائفية وعرقية وكان اخرها مسعى الاكراد الى انشاء حكم ذاتي يمهّد الى الاستقلال وانشاء دولة كردية. كذلك فان هناك مساع من قبل تيارات دينية الى انشاء كيانات سياسية تعكس توجهاتها العقائدية مثل دولة الخلافة. لذلك من المتوقع في حال تم الاتفاق على انهاء الحرب ان يكرّس الطائفية وحقوق الاقليات ولو ضمنا أي من دون ذكرها بشكل واضح في نص الاتفاق وذلك بسبب ضعف الثقة بين مكونات المجتمع السوري.
أن ممارسة كافة الأمور المتعلقة بهضم الحريات والحقوق للأقليات داخل مجتمعاتنا تندرج من إهمال تام لحقوق المواطنة، حيث يندرج من حقوق المواطنة أربعة قضايا أساسية (الحريات، المساواة، الشراكة أو المشاركة، العدالة).
فإن القضايا المركزية التي نستطيع في ظلها أن نحتكم إلى قواعد قانونية، يكون أساسها دستوري، وتديرها مؤسسات، وهناك مؤسسات رقابية على هذه المؤسسات يتم اللجوء إليها في حالة الاختلاف، وغياب هذا المبدأ الرئيسي أدى إلى صعود الهويات الفرعية، وهو ما يعني أنه حتى إذا تم تطبيق المواطنة لصعد موضوع الهوية باستمرار.
أنه إذا أردنا الحديث عن دولة حديثة ينبغي أن ننطلق من نقطة المواطنة والتي تقوم على أساس فكرة الحوار سواء كان حوارًا ثقافيًا أو حوارا بين الأجيال والطوائف، خاصة أن تنامي فكرة الهوية في العراق مرتبط بصعود الأيديولوجية أو إعادة النظر في مفهوم الدولة وسيادتها وعلاقاتها مع السلطة، كما أن مدخل السلطة سواء كان من خلال فيدرالية "معيبة" أو غيرها هو لب إعادة تقسيم السلطة بعيدًا عن المصالح،
وبالتالي نستطيع استبعاد الاحتكام الكلي الخالص وإذا تم ذلك سوف تصبح خطوة هامة. تحركات مكثفة على المستوى الدولي بدأتها الدول العربية خاصة مصر والسعودية والأردن، في سبيل الحفاظ على الهوية العربية للدولة السورية، ومن أجل التوصل لحل سياسي لتلك الأزمة ضرورة تفعيل الدور العربي لحل الأزمة السورية، كي لا تسقط سوريا فريسة للدول الإقليمية التي تسعى لخدمة أجندتها على حساب أبناء الشعب السوري، إلى جانب رغبة تلك الدولة في تفتيت سوريا وسلبها هويتها العربية، الأمر الذى آثار غضب معظم الدولة العربية.
فإن حل أزمة الهويات يندرج من خلال اعتراف الفرد بأنه من داخل مجتمع "مكونات" وأن يسعى إلى معرفة غيره، وهو من الممكن أن يصبح بستانًا أو غابة، وما يصنع الفرق الأساسي بينهم هو ما يطلق عليه "فكرة المعرفة المتبادلة"، بأن تعرف العناصر المكونة للمجتمع بعضها البعض، عدم وجود المعرفة المتبادلة بهوية تلك العناصر يجعل كل عنصر يكون صورة خيالية للعنصر الآخر، ففي العراق على سبيل المثال تم تكوين صورة على أن الآذريين يعبدون الشيطان، تلك الصور عندما يتم نقلها من جيل إلى آخر تخلق نوعًا من الكراهية والعداء تظل تحت الأرض غير واضحة للعيان في ظل وجود قبضة حاكمة،
فمن يتولى حكم هذه المجتمعات يتخلى عن وظيفة التكامل الاجتماعي ويتحول إلى "لاصق اجتماعي ارغامي" يقوم بلصق هذه المكونات فتبدو كوحدة كاملة رغم تفتيها، وعندما يتم رفع تلك القبضة يتم اكتشاف ما تم ستره منذ عقود من الزمان، فالمجتمع المتعدد الثقافات والذي حظر فيه الحوار والنقاش للتعارف المتبادل هو أصل التقسيم ، ولذلك فإن توحيدهم يحتاج إلى عقود من الزمان.
ان افشال الدور الوظيفي لهذه الهويات مرهون بنجاح الاحزاب القومية العربية في استقطاب الشارع السوري وإعادة توجيهه والابتعاد عن سياسة التقسيم.
إن مكونات الهوية الرئيسية (العرق واللغة والدين) لها أثر في عملية التعايش التي تنعم بها التركيبة السكانية في الإقليم، على الرغم من الصراعات التاريخية بين القبائل على الموارد والنفوذ.
أن مفهوم الهوية يحتضن كل ما هو تاريخي وثقافي ونفسي واجتماعي، أن الهوية تعد تعبيراً عن الكيفية التي يعرف الناس بها ذواتهم، أو الكيفية التي يوصفون بها تأسيساً على العرق والأثنية والثقافة واللغة والدين، وكيف يمكن لمثل هذا الانتماء أن يحدد ويؤثر على مساهماتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبلادهم.
مفهوم التعايش هو من المفاهيم الحديثة وهو علاقة تقوم على التعاون والتنافس معاً بين الذين يتشاركون في تقسيم متكامل للعمل والتعايش أيضاً هو الحد من الصراع أو ترويض الخلاف أو العمل على احتوائه أو التحكم في إدارة هذا الصراع بما يفتح قنوات الاتصال والتعامل الذي تفتضيه ضرورات الحياة المدنية والعسكرية،
|