بقلم الدكتور/ عادل عامر
اتفقت جميع التعاريف على الغاية أو الهدف من الفساد، وهو الحصول على كسب خاص أو منفعة شخصية. أما الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف فكانت محل خلاف بين هذه التعاريف، حيث قصرها التعريف الأول والثاني والرابع على الوظيفة العمومية فقط، وهذا على خلاف الواقع، لحدوث الفساد في القطاعين العام والخاص في آن واحد معاً، أو في كل قطاع على حده. إن الفساد في معناه العام يشمل كل اعتداء على الأنفس والأموال أو الموارد
وفي ذلك يقول اللَّه سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾، وإذا كان الفساد في مجال الأموال فقط فإنه يندرج تحت مصطلح أكل الأموال بالباطل والتي نهى اللَّه سبحانه وتعالى عنه في قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وهذا هو لب الفساد الاقتصادي والذى يتفرع إلى أنواع عدة بحسب ملكية المال ومن يقوم بالفساد، ولذا توجد مصطلحات عدة في هذا المجال مثل:
- الفساد السياسي: والذي يعبر عنه بأنه "اساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص". - الفساد الإداري: والذي يعبر عنه بأنه "سلوك بيروقراطي يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطرق غير شرعية".
- الفساد الكبير: وهو الذي ينخرط فيه كبار المسئولين في الدولة.
- الفساد الصغير: وهو الذي ينخرط فيه صغار الموظفين في الدولة.
- فساد القمة: وهو الذي يرتبط برأس الدولة مثلما حدث من يلستين رئيس روسيا، ورئيس إسرائيل، وكول مستشار ألمانيا.
- الفساد المؤسسي: حينما تكون مؤسسات الدولة هشة وضعيفة بما يصبح معه جهاز الدولة نفسه مؤسسة للفساد.
ويلاحظ أن هذه التقسيمات تدور كلها حول الفساد الحكومي أو الفساد المتعلق بالمال العام وهو جزء من الفساد الاقتصادي الذى يتسع ليشمل صور الفساد الواقعة على المال الخاص بجانب المال العام، ورغم أن الكتابات التي تتناول الفساد تقصره على الفساد السياسي لكثرته وشيوعه، إلا أنه عند التحدث عن مكافحة الفساد وآثاره في العادة تدخل فيه كل صور الفساد الاقتصادي الأخرى ففي تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم 1997م، وهو يحدد أوجه الضعف التي تضر بالاقتصاد وضع على قمتها كل من الاعتداء على حقوق الملكية، والفساد - السياسي - والسرقة، والجريمة، كما أنه في سنغافورة كمثال على نجاح مكافحة الفساد فيها جاء أن محاربة الفساد تكون في القطاع الحكومي والقطاع الخاص.
ونظراً لأن الإسلام يحرم الاعتداء على الأموال عامة بصرف النظر عن ملكيتها عامة أو خاصة كما جاء في قول الرسول «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» فإنه يمكن تعريف الفساد الاقتصادي: بأنه كل تصرف يمثل اعتداء على الأموال على وجه غير شرعي بإتلافها أو سوء استخدامها أو كسبها بدون وجه حق.
فإذا كان المعنى اللغوي للفساد أنه ضد الصلاح فإن صلاح المال كما يقول عمر بن الخطاب هو: «وأنى لا أجد في هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق، ويعطى في الحق، ويمنع من الباطل». وتركز مداخل مقاومة الفساد في نظرية الاختيار العام على الإصلاحات الاقتصادية والدولة كطريق رئيسي للإصلاح. بينما مدخل الاقتصاد السياسي يحبذ التدخل السياسي الواعي كأداة أساسية لجهود مقاومة الفساد.
ولكن المداخل التي تستمد جذورها من نظرية الاختيار العام والمدخل الجماعي تميل إلى قصر تحليلها على دول ومؤسسات معينة متجاهلة دور القوة الفاعلة الدولية في تشكيل شكل الفساد ومحتوى الممارسات الفسادية على المستوى القومي.
للفساد آثاراً اقتصادية كثيرة، سواء على المستوى الكلي أو الجزئي وفي هذا المبحث سنركز على أهم هذه الآثار الكلية، والتي تتمثل في أثره على النمو الاقتصادي، وعلى القطاع الضريبي، هذا إلى جانب أثر الفساد على الإنفاق الحكومي، وعلى سوق الصرف الأجنبي وعلى سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار، وهذا ما يمكن بيانه على النحو التالي: -
أولاً: الفساد على النمو الاقتصادي.
ثانياً: الفساد على القطاع الضريبي.
ثالثاً: الفساد على الإنفاق الحكومي.
رابعاً: الفساد على سوق الصرف الأجنبي.
خامساً: أثر الفساد على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
أولاً: أثر الفساد على النمو الاقتصادي:
طبقاً للنظرية الاقتصادية التقليدية فإن الفساد يعوق النمو الاقتصادي من خلال استخلاص الريع " الاستئثار بالفائض الاقتصادي " مما يؤثر سلباً على هذا النمو سواء بالنسبة لمنظمي المشروعات المحلية أو الأجنبية، وهذا ما أثبتته الدراسة المقطعية التي تشير إلى وجود علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار يكون له آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي
ليس هذا فحسب وإنما الفساد يثبط أيضاً الاستثمار الأجنبي ويخفض الموارد المتاحة للهياكل الأساسية للعملية الإنتاجية والخدمات العامة وبرامج محاربة الفقر كما يقرر ((Johnston , 1997 إعاقة الفساد للمؤسسات السياسية من خلال إضعاف شرعيتها وإمكانية محاسبة الحكومات. وباختصار فالفساد هو المعوق الأول للتنمية المستدامة ومعوق أول لتخفيض الفقر والأداء الحكومي الجيد وهو لا يؤثر على الناس الفقراء بطريقة مباشرة تماماً من خلال سوء تخفيض الموارد العامة
(ولاسيما المستمدة من المساعدات الخارجية)
والذي يمارسه المسئولون المحليون الفاسدون، ولكن يبقى البلاد الفقيرة فقيرة ويعوقها من أن تصبح غنية.
ثانياً: أثر الفساد على القطاع الضريبي:
يترتب على الفساد في مجال القطاع الضريبي أثاراً خطيرة، يمكن أن نشير إلى بعضها:
1) عندما يكون هناك فساد في القطاع الضريبي فإن هذا يدفع البعض إلى تقديم إقرارات ضريبية تظهر وعاءاً ضريبياً غير حقيقي لهؤلاء الأفراد وبهذه الطريقة يتمكنون وبطريقة زائفة من إظهار مقدرة منخفضة مقارنة بمقدرتهم الحقيقية، في حين لا يستطيع الممولون الأمناء من تخفيض هذه المقدرة بنفس الطريقة،
فإذا عومل الاثنان وهو من يقدم إقرارات صحيحة ذات مقدرة حقيقية على الدفع ، ومن يقدم إقرارات مزيفة لا تعكس مقدرته الحقيقية على الدفع ، معاملة ضريبية واحدة فإن هذا يعني إخلال الفساد بمبدأ العدالة الأفقية ، التي تقوم على أساس معاملة ضريبية متماثلة للأفراد ذوي القدرة المتساوية على الدفع . ومن جانب آخر فإن هذا يعد إخلالاً بمبدأ العدالة الرأسية التي تقتضي معاملة ضريبية مختلفة للأفراد ذوي القدرة المختلفة على الدفع. مما يترتب عليه في النهاية إخلال الفساد بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء العامة.
2) يترتب على الممارسات الفسادية في القطاع الضريبي مقدرة زائفة على الدفع للأفراد المنهمكين في الممارسات الفسادية، مما ينجم عن هذه الممارسات وانتشارها على نطاق واسع انخفاض زائف في الطاقة الضريبية للمجتمع ككل.
فإذا كان صانع السياسة المالية سيضع حجم الإيرادات الحكومية، ويخطط الحجم الإنفاق الحكومي على أساس الطاقة الضريبية الزائفة، فإن السياسة الاقتصادية لن تستطيع تحقيق ما ينشده المجتمع من أهداف مختلفة، سواء ما يتعلق منها بتحقيق النمو الاقتصادي، أو تمويل الإنفاق العام، أو تمويل الخدمات الاجتماعية العامة أو الجديرة بالإشباع التي لم يتم إشباعها بالقدر المرغوب اجتماعياً. وأمام هذا الوضع تجد الدولة نفسها مضطرة إلى التخلي عن بعض الأهداف التي وعدت المجتمع بإشباعها له.
ثالثاً: أثر الفساد على الإنفاق الحكومي:
يترتب على الفساد الممتد وانتشاره في القطاع الحكومي آثار على تخصيص النفقات العامة، مما يؤدي إلى تحقيق أدنى نفع ممكن من هذا الإنفاق وليس أقصى نفع ممكن منه. وعليه يترتب على شيوع الفساد وانتشاره في مجتمع ما، سوء تخصيص لموارد هذا المجتمع العامة، لأنها سوف تتجه صوب أوجه الإنفاق التي لا تحظى بأولوية الإنفاق العام من وجهة نظر المجتمع.
ومن ثم ستحظى الأنشطة المظهرية كالأنشطة الرياضية والأندية ووسائل الإعلام ونحو ذلك بإنفاق سخي وفي مقابل ذلك سيتم إغفال الكثير من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الهامة، أو يكون الإنفاق عليها ليس بالدرجة الكافية، كالإنفاق على القطاع الزراعي والصناعي، أو الإنفاق على تحسين مستوى المناطق النائية.
كما أن تنفيذ المشروعات العامة والمناقصات ستتميز بدرجة عالية من التميز وعليه سيتم استيراد المواد الخام ومواد البناء والآلات ونموها، من بلاد أجنبية معينة، في حين قد لا تكون هذه السلع المستوردة من هذه البلاد جيدة أو رخيصة مقارنة بغيرها من المصادر المتاحة.
رابعاً: أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي:
تقوم الدول عادة بتحديد سعر لعملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى. وتحاول هذه الدول أن يتسم هذا السعر بالثبات على الأقل لفترة معينة، حتى تتمكن من أجراء الإصلاحات الاقتصادية المعينة التي ترغب في تحقيقها، ولكن الممارسات الفسادية في سوق الصرف الأجنبي يترتب عليها انقسام هذا السوق إلى سوقين: -سوق رسمي يسوده السعر الرسمي للصرف الأجنبي، ويتميز هذا السوق بندرة في الصرف الأجنبي مقارناً بالطلب. وسوق غير رسمي يسوده سعر غير رسمي للصرف أعلى من السعر الرسمي ويتميز هذا السوق بالحركة والنشاط في شراء العرض المتاح من النقد الأجنبي
خامساً: أثر الفساد على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
يقوم سوق الأوراق المالية على الشفافية في إباحة المعلومات المتعلقة بالشركات التي تطرح أوراقاً في الأسواق المالية، سواء تعلقت هذه المعلومات بالميزانية الختامية، أو بالنسب المالية التي تعكس الوضع الحقيقي لنشاط الشركة ومدى جدارتها الائتمانية ونحو ذلك.
ولكن يترتب على انتشار الفساد انتهاج إجراءات محاسبية غير حقيقية بل ومضلله في أغلب الأحيان، وإعداد حسابات للأرباح والخسائر تعكس وعاءاً ضريبياً منخفضاً بغرض المعاملة الضريبية، وحسابات أخرى تظهر معدلات مرتفعة للربحية تنتشر في أسواق المال بقصد الترويج للاكتتاب في أوراق هذه الشركات.
مما ينجم عنه في النهاية تضليل للمستثمر في هذه الأوراق المالية، حيث بعد فترة زمنية معينة من إدراج الأوراق المالية لهذه الشركة في البورصة وتداولها من عدد كبير من المستثمرين الماليين يحدث انهيار لأسعارها.
أما بالنسبة لصناديق الاستثمار فهي تستند عل مبدأ أن الجمهور غير المصرفي، وخصوصاً معظم أفراد القطاع العائلي ليس لديهم المعرفة الفنية الكافية لتقييم جودة الأوراق المالية لكي يمكن المقارنة بينها، وبالتالي اختيار أفضل توليفة من هذه الأوراق التي تعطي عائداً أعلى في ظل مستوى معين من المخاطر. وبالتالي يقوم صندوق الاستثمار بتعيين خبراء ماليين لديهم المقدرة في تقويم جدارة الأوراق المالية نيابة عن الأفراد المستثمرين. |