بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن الاستثمار الأجنبي المباشر شهد تطورا عالميا ملحوظا وأصبح من أهم أدوات التمويل لاستثمار بالدول النامية وبشكل خاص تلك التي يمر اقتصادها بالانتقال للتوجه نحو اقتصاد السوق وازداد هذا التوجه مع بداية التسعينات من القرن العشرين
واخذ يتعاظم نتيجة لمساهمة الشركات متعددة الجنسية في نقل وتدوير الأموال عالميا من خلال تخطيها للحدود وبناء شبكاتها عبر دول العالم وهذا أعطى للاستثمار الأجنبي المباشر دفعة هامة لمسرة التكامل العالمي من خلال المساهمة في ربط أسواق راس المال وأسواق وزيادة الأجور وإنتاجية راس المال في الدول المضيفة له فضلا عن الدور الكبير الذي مارسه الاستثمار الأجنبي المباشر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك مساهمته الفاعلة في برامج الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها تلك الدول
فبالنسبة لتجربة مصر في مجال استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر فهي تمثل حالة خاصة وتختلف حسب طبيعة الظروف والملابسات التي يمر بالاقتصاد المصري لكونه يعاني من تخلف مؤسساتي كبير الأمر الذي دفعه إلى ضرورة إجراء إصلاح اقتصادي شامل يكون الاستثمار الأجنبي المباشر بمثابة ورقة عمل مهمة في الإصلاح والتقدم الاقتصادي
لأنها حالة التخلف والانحصار والكسل في القدرات الاقتصادية المحلية لكي يسلك طريق التنمية الاقتصادية التي فشل في سلوك طريقها بسبب السياسات الخاطئة للأنظمة المتعاقبة على حكمة هذه التنمية الاقتصادية باتت هدفا رئيسا في الوقت الراهن للنظام السياسي القائم ومنظري السياسة الاقتصادية في مصر خصوصا بعد إن استفاق على مشاكل اقتصادية كبيرة وبرامج تطبيق إصلاحات اقتصادية مقيدة بشروط رجة من قبل المنظمات الاقتصادية الكبرى.
حقق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة المصرية بالفعل نتائج واعدة، فقد اعتمدت السلطات ضريبة القيمة وسمحت بتحديد سعر الصرف من خلال قوى السوق، وخفضت الدعم غير الكفء على الوقود والكهرباء. وكان رد الفعل إيجابيا من جانب المستثمرين الأجانب وغير المقيمين، ففي الستة أشهر الأولى من 2017 كان صافي التدفقات الوافدة من استثمارات الحافظة أعلى بنحو 15.5 مليار دولار أمريكي مما كان عليه في نفس الفترة من عام2016 ، كذلك حدث ارتفاع كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العاملين في الخارج،
كما أن هناك تعافٍ في قطاع السياحة، كما توجد دلائل تعافٍ قوي في قطاع الصناعات غير البترولية – وهو مساهم أساسي في خلق فرص العمل، وفي نفس الوقت، تم اتخاذ إجراءات متنوعة لحماية الفقراء من الآثار الجانبية لإجراءات الإصلاح الاقتصادي.
- كان مركز مصر الخارجي قبل تعويم الجنيه، أي الفرق بين تدفقات النقد الأجنبي الداخلة والخارجة – غير قابل للاستمرار، فقد كان سعر صرف الجنيه حوالي 8.8 مقابل الدولار الأمريكي، وهو سعر لا يعبر عن القيمة السوقية للجنيه المصري، ونتيجة لذلك، حدث نقص في العملات الأجنبية مما جعل مؤسسات الأعمال تواجه صعوبة في ممارسة أنشطتها وكانت هناك سوق موازية (سوداء) للعملة، وأخذت مصر تفقد قدرتها التنافسية مقارنة بالعالم كما أخذ البنك المركزي يفقد احتياطاته.
- انتهى نقص العملات الأجنبية واختفت السوق الموازية بعد تعويم الجنيه، وكان انخفاض سعر الصرف انعكاسا لنقص العملات الأجنبية السائد في السوق، ويتحدد سعر الصرف حاليا بناء على قوى العرض والطلب في السوق، وقد تمكنت مصر من إعادة بناء احتياطاتها الدولية مع استعادة الثقة وعودة التدفقات الرأسمالية، سيكون لسعر الصرف الذي تحدده قوى السوق أهمية كبيرة في ضمان تنافسية الاقتصاد المصري دولياً، ودعم الصادرات، ومن ثم تحقيق نمو أقوى وأكثر توفيرا لفرص العمل.
إجراءات الحماية الاجتماعية لحماية محدودي الدخل
تعد الحماية الاجتماعية من العوامل الهامة في برنامج الإصلاح الحكومي، وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات في هذا الصدد منها:
- زيادة قيمة الدعم النقدي على السلع الغذائية بأكثر من الضِعْف من خلال بطاقات التموين الذكية – من 21 إلى 50 جنيها لكل مواطن – وزيادة تحويلات الدعم لألبان الرضع وأدوية الأطفال. - التوسع في معاشات التضامن الاجتماعي لتشمل الرعاية الطبية، مع التوسع في تغطية برنامج "تكافل وكرامة" ليشمل 2 مليون أسرة إضافية وزيادة المبالغ المقدمة.
- رفع المزايا التقاعدية، وخاصة لأصحاب المعاشات الصغيرة.
- إطلاق برنامج "فرصة" في يونيو 2017 كأحد البرامج المكملة لبرنامج "تكافل وكرامة" ولمساعدة الأسر محدودة الدخل على تحسين مستوياتها المعيشية، وفي إطار البرنامج الجديد تتشارك الحكومة مع القطاع الخاص لإتاحة فرص عمل تدر دخلا ثابتا للباحثين عن عمل من أبناء الأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة.
- صرف علاوة استثنائية لموظفي الحكومة لتعويض آثار التضخم المرتفع.
- تقديم وجبات مدرسية مجانية وتوصيل الغاز للمناطق الفقيرة.
- زيادة حد الإعفاء من الضرائب على الرواتب.
- التعجيل بخلق فرص العمل في القطاع الخاص كجزء من استراتيجية الحكومة لتحقيق النمو الاحتوائي، وهو ما يؤدي إلى تحسن مطرد في مستويات المعيشة، بما في ذلك مستويات معيشة العمالة محدودة المهارات.
يشمل الإصلاح الاقتصادي كافة التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي.
وغنى عن البيان، فإن هذا المفهوم للإصلاح الاقتصادي، ينطوي على حسم لكثير من الجدال والمناقشات حول هويه النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل، مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية...الخ
وقد اتفقت آراء المجتمعين على أن الأداء الحالي للاقتصاديات العربية لا يتواكب مع التحديات الواجب التصدي لها، ولا يرقى إلى الإمكانات المادية والبشرية وطاقاتها الكامنة. ويفرض قصور أداء الاقتصاديات العربية في المرحلة الراهنة، وما تستوجبه متطلبات المستقبل، إجراء إصلاح اقتصادي جذري يغير من الأوضاع القائمة. إن الإبطاء في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي له تكلفة باهظة وأعباء هائلة، ولن يزيدها مرور الوقت إلا سوءا. ويمكننا رصد ما يلي من مؤشرات عن الواقع الاقتصادي العربي:
أ) انخفاض معدلات النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارنا بالمؤشرات الدولية.
ب) تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية، وتركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية.
ج) تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.
د) الإخفاق في توليد فرص عمل كافية للداخلين الجدد في سوق العمل وارتفاع حدة البطالة بمعدلات أعلى من متوسطات الدول النامية، مع تركز البطالة بين فئات الشباب والإناث. ه) تزايد حدة الفقر في عدد من الدول العربية، حيث يمس الفقر المتعطلين عن العمل ونسبة ملموسة من العاملين أيضا.
إن مجموعة السياسات المقترحة التي يتم اتباعها في المنطقة ركزت بالأساس على تحقيق الاستقرار الكلي، وخفض معدلات التضخم من خلال ثالوث برامج التثبيت والخصخصة والتحرير الاقتصادي. لكن هذا المنهج لم يهتم اهتماما كافيا بموضوعات لا تقل أهمية كالبطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وفي عالم عربي شاب وناهض، لابد أن تكون عمالة الشباب وجودة التعليم والخدمات الاجتماعية والبرامج المساندة للمشروعات الصغيرة من العناصر الأساسية في مفهوم الإصلاح وبرامجه مع تحديد واضح للأولويات، وتأكيد أهمية الإطار المؤسسي اللازم لتحقيق الإصلاح الشامل بجانبيه الاقتصادي والاجتماعي. |