بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن الثروة العقارية في مصر قدرت بأكثر من 30 مليار جنيه، ولكن كان ذلك قبل قرارات التعويم وزيادة أسعار الوقود، ومن ثم فالرقم يحتاج إلى مراجعة مرة أخرى، أن ملاك العقارات المخالفة لا يستطيعون تأسيس اتحادات ملاك بشكل رسمي، لأن عقاراتهم ليس لها أوراق رسمية لدى الجهات الحكومية، وهو أمر يعطل عمليات الصيانة الدورية لهذه العقارات بما يحافظ على قيمتها ويطيل من عمرها الافتراضي.
إن 70 % من سوق العقارات في مصر غير مسجل ولا يمكن رصده، لأن أغلب المقاولين الصغار يلجأون لحيل غير قانونية للحصول على العقارات القديمة، وطرد السكان وهدمها بدون ترخيص وإعادة البناء أيضا بدون ترخيص، ما يجعل حصر ورصد عدد الوحدات المطروحة في السوق وأسعارها أمرًا غير معلوم لأجهزة الدولة.
وفى الغالب يلجأ المقاولون للبناء في أيام العطلات الرسمية نهاية الأسبوع وإجازات الأعياد الدينية والقومية، ونقل مواد البناء من طوب ورمل ودهانات في ساعات متأخرة من الليل، ويلجأون لعملية تدليس في البيانات لتوصيل المرافق للعقار الجديد بنفس بيانات العقار القديم قبل هدمها. على أنه على الرغم من أن هذه العقارات غير مسجلة فهي الأكثر رواجًا في السوق المصرية لأن أسعارها أقل كثيرًا من المشروعات العقارية المسجلة بشكل قانونى سليم، ولأن أغلبها في المدن الجديدة.
أن العقارات التي تبنى بشكل مخالف في الشوارع الجانبية بجميع أحياء القاهرة والمحافظات، هي ثروة عقارية مهدرة لا تحصل الحكومة منها أي ضرائب أو رسوم على عمليات البيع والشراء ولا على التسجيل.
أن الحكومة خلال العقود الماضية ساهمت بشكل كبير في تحقيق مافيا العقارات لثروات طائلة في فترات زمنية وجيزة جدًا، ففي كل مرة كانت تصدر الحكومة وتحديدا الجهات المسئولة عن المرافق مثل المياه والكهرباء، بتقنين أوضاع المخالفين، ولو بشكل مؤقت كانت تنعش عمليات البيع لهذه العقارات، لأن أي شقة لن تستطيع أي أسرة أن تسكن بها بدون أن يصلها كهرباء ومياه، وبدونهما فالشقة تتحول لأموال مجمدة ولا قيمة لها.
أن المقاولين الصغار استطاعوا تحقيق مكاسب مرتفعة من بيع عقار واحد مخالف، ما شجعهم على التوسع وتكرار التجربة وتحقيق مكاسب أكبر فبدأ بعضهم في السعي للحصول على أكثر من عقار في نفس المنطقة، وبدأ سماسرة العقارات في أغلب المناطق يعملون لصالحهم، ويرشدونهم على العقارات القديمة التي يسكنها عدد قليل من الأسر ومساحتها كبيرة، ليبدأوا في وضع خطة التواصل مع الملاك، ثم التخلص من السكان. •
وبعد ثورة يوليو 1952 بدأت الدولة تتدخل بشكل مباشر في تحديد اسعار جميع السلع، وكان على رأس تدخلاتها تلك تحديد القيمة الايجارية للمساكن، ولم تحدد قيمة الايجارات ولكنها اصدرت قرارا بتخفيض القيمة الايجارية للمساكن بنسبة 15% وهو ما ادي بدوره الي انخفاض اسعار اراضي البناء، وتواصل هذا الانخفاض حينما تم تخفيض القيمة الايجارية للمساكن عام ،1958 بنسبة 20%، وفي عام 1961 وللمرة الثالثة خفضت الدولة القيمة الايجارية للمساكن بنسبة 20% اخري وهو ما انعكس علي اسعار اراضي البناء التي انخفضت بشكل كبير.
ومع البدء في بناء السعد العالي عام ،1962 ازداد الطلب علي الحديد والاسمنت فعادت اسعار اراضي البناء الي الارتفاع، ورغم ان تلك الارتفاعات كانت ضئيلة للغاية الا ان الدولة تحركت بسرعة وحددت القيمة الايجارية للمساكن بقيمة 5% من قيمة الارض او 8% من قيمة المبني، وتكشف النسبتان بوضوح عن ان اسعار اراضي اي مبني كانت اقل من اسعار الحديد والاسمنت والرمل والطوب الذي يستخدم في بنائه، بل ان سعر المتر المربع في مدينة تضر آنذاك كان يبلغ 50 قرشا في حين ان تكلفة بناء المتر كانت عادل 6 جنيهات.
وبعد نصر اكتوبر عام 1973 وانتهاج مصر لسياسة الانفتاح الاقتصادي، ودعت اراضي البناء مؤشر الهبوط، فمنذ ذلك الحين وحتى الآن وهي لا تعرف سوي الارتفاع وبكل المقاييس كان ارتفاعا مجنونا. ففي عام 1975 كان سعر المتر المربع من اراضي البناء في ارقي الاماكن وأفضلها يتراوح بين 45 و65 جنيها، ولكنه قفز في مطلع القرن الحالي الي 10 آلاف جنيه، اي ان السعر زاد بنسبة 1818% خلال 25 عاما، اما اسعار الاراضي في المناطق الشعبية فبلغ سعر المتر المربع من اراضي البناء فيها عام 1975 حوالي 12 جنيها، ارتفع في عام 2000 الي 400 جنيه، اي ان الزيادة بلغت نسبتها 3333%.
وخلال السنوات الاخيرة، واصلت اسعار اراضي البناء قفزاتها فارتفعت من 10 آلاف جنيه للمتر المربع في الاحياء والمناطق الراقية ووصلت الي 15 ألف جنيه، للمتر المربع في بعض مناطق مصر الجديدة ومدينة نصر، والي 17 ألف جنيه في بورسعيد وبعض مناطق الساحل الشمالي، حسب تأكيدات حسين ضيف ـ أحد سماسرة الاراضي في القاهرة ـ ومعني ذلك ان سعر المتر المربع ارتفع بنسبة تتراوح بين 150% و170% خلال السنوات السبع الاخيرة.
اما في المناطق الشعبية، فقد ارتفع سعر المتر المربع من 400 الي 1000 جنيه منذ عام 2000 وهو ما يعادل 250%. ولم يكن الحال في المدن الجديدة أفضل مما هو عليه في المدن القديمة، على العكس زادت اسعار الاراضي في المدن الجديدة بنسبة مخيفة، وتفوقت كثيراً نسبة زيادتها في المدن القديمة. ففي مدينة 6 أكتوبر إحدى أقدم المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر كان سعر المتر المربع قبل 17 عاما يتراوح بين 17 و25 جنيها، ولكنه قفز حاليا الي مابين 1000 الي 2500 جنيه ومعني ذلك ان سعر المتر المربع زاد بنسبة تتراوح ما بين 5882% الي 10000% خلال 17 عاما فقط. وفي مدينة الشيخ زايد ارتفع سعر المتر المربع من 7 جنيهات عام 1980 الي 2000 جنيه بنسبة 28517%.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا انفلتت اسعار اراضي البناء بهذا الشكل. ولماذا عجزت اراضي المدن الجديدة البالغ مساحتها حوالي 700 ألف فدان موزعة على 22 مدينة جديدة. نقول لماذا عجزت هذه الاراضي عن وقف قفزات اسعار اراضي البناء في مصر؟
ان السبب هم سماسرة الاراضي. بالنسبة لأراضي المدن الجديدة والتي تبلغ حوالي 700 الف فدان، فان تسعيرها يتم من خلال لجان متخصصة في وزارة الاسكان، وتلك اللجان تحدد سعر المتر المربع في المدن الجديدة حسب موقعه واستخدامه، فمتر الاراضي في السوق التجاري يختلف عنه في منطقة المباني، والاخير يختلف عن سعره في منطقة المدارس او الفنادق وهكذا، وتقوم ذات اللجان بتغيير السعر كل فترة، وبشكل مجمل فان متوسط السعر العادل للمتر في المدن الجديدة لا يزيد علي 500 او 600 جنيه، وهو سعر التزمت به الحكومة ففي جميع القرعات العلنية التي تم من خلالها تخصيص اراضي المدن الجديدة، كان سعر المتر يتراوح مابين 200 الي 700 جنيه، ولكن المشكلة ان عددا ممن يحصلون علي اراضي في المدن الجديدة يحاولون بيعها بعد ذلك، وهؤلاء يلجأون الي السماسرة ليساعدونهم في بيعها ومن هنا يتحكم السماسرة في سعر البيع، ولهذا قفزوا بالسعر الي نسب خيالية وهو ما انعكس علي اسعار العقارات في مصر، التي ارتفعت بشكل كبير، بل ان معدل زيادة اسعار العقارات في مصر يزيد علي ضعف المعدل العالمي.. فمعدل اسعار العقارات عندنا يزيد سنويا بنسبة 14% بينما المعدل العالمي يتراوح مابين 5% الي 7%.
وكل ما نملكه هو ان نطرح مساحات أكبر من الاراضي حتى يزيد العرض فينخفض السعر طبقا للقاعدة الشهيرة التي تقول انه إذا زاد العرض ينخفض السعر، إذا ظل الطلب كما هو، ومن اجل ذلك طرحنا خلال الشهور الاخيرة 35 ألف قطعة ارض في المدن الجديدة وبأسعار معقولة جداً. ـ اتوقع انه سيستمر لعامين آخرين او لثلاثة اعوام على أقصى تقدير، فخلال هذه السنوات سيزداد معدل الاعمار في المدن الجديدة، وإذا زاد الاعمار سيتمكن بائع الارض ان يتعاقد مع من يريد شراءها وجها لوجه، وإذا تم ذلك لن يكون الطرفان بحاجة الي سمسار وعندما يحدث ذلك ستقل اسعار الاراضي بشكل كبير. |