بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
جزر المالديف دولة مسلمة تقع في المحيط الهندى لا نعرف عنها الكثير ولا عن تاريخها الموثق وهي عبارة عن مجموعة جزر صغيرة يبلغ عددها 1190 جزيرة والمأهول منها 200 فقط ويمر بها خط الإستواء جنوبا ومن ثم فإن مناخها إستوائي حار لكن وجود المحيط الهندي له تأثير كبير على تلطيف مناخ البلاد حيث يعمل كحاجز للحرارة فيقوم بإمتصاصها وتخزينها ثم تصديرها ببطء وتتراوح درجات الحرارة بها بين 24 إلي 33 درجة مئوية مع وجود نسبة رطوبة عالية وهي تقع فى الجهة الشمالية من الساحل الغربى لجمهورية سيريلانكا بما يقارب 640 كيلو متر وتبعد عن أقرب مناطق جنوب غرب الهند قرابة 560 كيلو متر وتبعد جنوب جزيرة ديوجوجارسيا وهي جزيرة مرجانية تقع في وسط المحيط الهندي على بعد نحو 1600 كيلو متر من الساحل الجنوبي للهند وسيريلانكا ويحدها من الجهة الشمالية الشرقية مجموعة جزر لاكاديف وهي مجموعة من الجزر المرجانية الصغيرة الواقعة شمال غربي ساحل الهند ومن الجهة الشمالية بحر العرب ومن الجهة الجنوبية والغربية المحيط الهندي وتبلغ مساحة هذه الجزر 298 كيلو متر مربع تقريبا وكان يسميها العرب قديماً ذيبة المهل أو محلديب ويرجح أنه قد تم تحريف هذا الإسم ليصبح ينطق مالديف وعاصمة جزر المالديف هي مدينة ماليه.
وكانت جزر المالديف في السابق محمية بريطانية حيث أنه في يوم 16 ديسمبر عام 1887م وقع سلطان جزر المالديف عقد مع الحاكم البريطاني لجزيرة سيلان وهي سيريلانكا حاليا بموجبه تم تحويل جزر المالديف إلى محمية بريطانية وبالتالي تم التخلي عن السيادة على الجزر في مسائل السياسة الخارجية ولكن تم الإحتفاظ بالحكم الذاتي الداخلي ومن ثم قامت الحكومة البريطانية بمهمة الحماية العسكرية مع عدم التدخل في الإدارة المحلية في مقابل جزية سنوية وقد حصلت جزر المالديف بعد ذلك علي إستقلالها في عام 1965م ثم إنضمت إلي رابطة الشعوب البريطانية المعروفة بإسم مجموعة الكومنولث البريطانية عام 1982م ويبلغ عدد سكانها 309 ألف نسمة وكلهم يدينون بالديانة الإسلامية ونظام الحكم فيها جمهوري ورئيسها يعين من قبل البرلمان ودستورها ينص على أن جميع مواطنيها يجب أن يدينوا بديانة الإسلام وبالتالي فإن الشخص الذي يرغب أن يكون مواطنا فيها عليه أن يكون مسلما ويمنع أن يكون أي شخص غير مسلم مواطنا فيها كما يشير دستورها إلى أن مبادئها الجمهورية هي المبادئ الإسلامية .
وعموما فإن شعب جزر المالديف شعب متدين يحب الإسلام ويحرص على الآداب الإسلامية والسلوكيات الإسلامية واضحة للعيان في أنحاء البلاد فالحجاب منتشر ويحترم السكان الآذان ومواقيت الصلاة ويقبلون على المساجد وتغلق المطاعم نهارا في شهر رمضان المعظم وتمنع المجاهرة بالفطر فيه كما توجد بها هيئة عليا لمراقبة التطبيق الصحيح لأحكام الشرع الإسلامي الحنيف في جميع المحاكم ويقوم رئيس الدولة بإلقاء خطبة الجمعة وإمامة الصلاة بالناس وإلقاء الوعظ والإرشاد في المناسبات الدينية والإجتماعية كما يقوم بإلقاء الدروس والنصائح في الإذاعة والتليفزيون بالإضافة إلى تدريس بعض المواد الدينية في كلية الدراسات الإسلامية وكذلك يقوم رئيس الدولة بإصدار صحيفة دينية أسبوعية بإسم سبيل الدين منذ ثمانية عشر عاما وأكثر أعضاء الحكومة في المالديف من خريجي الجامعات الإسلامية مثل جامعة الأزهر بمصر ومنهم وزير الحج ونسبة الأمية في تلك البلاد طفيفة جدا لا تتجاوز 2% وعلي الرغم من أن اللغة الرسمية للبلاد ليست العربية إلا أنه لا يوجد بين السكان من لا يستطيع أن يقرأ في كتاب الله تعالى بنفسه وذلك بفضل مدارس تعليم القرآن الكريم المنتشرة في البلاد .
ويعتبر نشاط السياحة بجزر المالديف هو المصدر الثاني للدخل القومي بعد الصيد، والسياحة في ذلك البلد مضرب المثل فهي لا يوجد بها إبتذال ولا تنازل عن المبادئ الإسلامية حيث أنه من الممنوع تقديم الخمور للسياح ويتم إلزام السائح بإحترام قوانين البلاد الإسلامية فلا يوجد عري ولا خروج على الآداب العامة وقد خصصت الحكومة للسياح أربعة وثمانين جزيرة منعزلة للسياحة فقط ولا يسمح للسائح أن يذهب إلى الجزر المأهولة بالسكان المسلمين إلا إذا إلتزم بالآداب الإسلامية ولا يسمح له ولا لغيره بإظهار الإفطار في نهار شهر رمضان ، وعلى الرغم من صرامة تلك القوانين فقد إنتعشت السياحة هناك كثيرا ووصل عدد السياح عام 2007م إلى أكثر من ثمانية مليون سائح وهو رقم ضخم بالمقارنة مع عدد السكان الذي يبلغ 309 ألف نسمة فقط .
ونأتي إلي قصة دخول الإسلام إلى تلك البلاد وهي قصة أقرب إلى الأساطير وقد وثّقها الرحالة الشهير إبن بطوطة في كتابه تحفة النُظّار في عجائب الأمصار وغرائب الآثار والقصة منقوشة على لوحة جدارية بجانب الجامع الكبير في العاصمة ماليه وتتلخص هذه القصة في أن الإسلام قد دخل إلى تلك الجزر في بدايات القرن الخامس الهجري الموافق لمنتصف القرن الثاني عشر الميلادى وتحديدا عام 1153م عندما وصل إلى شواطئها شاب مسلم حافظ للقرآن الكريم من بلاد المغرب العربي إسمه أبو البركات يوسف البربري يقال إن السفينة التي كان يبحر بها قد تحطّمت قبالة شواطئ إحدى تلك الجزر وقذفته الأمواج إلى الشاطئ حيث عالجه وإعتنى به أحد الصيادين مع أسرته وإستضافه في بيته حيث تعلم لغة السكان المحليين وذات يوم رأى ذلك الشاب الصياد وزوجته يبكيان بحرقة وعلم منهما أن القرعة قد وقعت على إبنتهما الشابة لتقديمها قربانا لوحش الجزيرة حيث إعتاد السكان أن يقدموا للوحش فتاةً كل شهر يضعونها ليلا عند طرف الغابة فيأتي الوحش ويأخذها ولا يتعرض بعد ذلك للقرويين بسوء طوال الشهر وهنا قرر ذلك الشاب أن يذهب بدلا من تلك الفتاة إلى الغابة وأخبر الصياد وأسرته أنه سيكون بخير بإذن الله تعالى وفعلا تم وضع هذا الشاب في المكان المعهود فأخذ يقرأ سورة ياسين وآيات من القرآن الكريم طوال الليل وكان يشعر بالوحش يقترب منه فإذا سمع الآيات يبتعد إلى أن أشرقت الشمس وأعاد الشاب الكرة ثلاث ليالٍ فذهب الوحش ولم يعد في الليلة الرابعة وتخلص منه القرويون وعندما سمع السلطان وكان إسمه ماها كلامنجا بأمر ذلك الشاب إستدعاه وسأله عن حقيقة الأمر فقرأ عليه آيات من القرآن الكريم وحدثه عن الإسلام ودعاه إليه فدخل الملك في الإسلام وقام بتغيير إسمه إلى محمد بن عبد الله تيمنا بإسم النبي محمد صلي الله عليه وسلم ومن بعده أسلم كل سكان البلاد وقد أقام ذلك الشاب في تلك الجزر يعلم أهلها القرآن الكريم والفقه الشافعي والعلوم الدينية الأخرى التي كان يعرفها إلى أن توفّاه الله تعالى وتم دفنه في الجزيرة وقبره لا يزال موجودا ومعروفا فيها وقد تم بناء مسجد إلي جواره ويا سبحان الله رجل واحد أكرمه الله تعالى وجعل على يديه إسلام أهل الجزيرة كلهم فاللهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين إجعل لنا سهما في نصرة دينك وخدمته يا عظيم ومن المؤسف أن إعلامنا لا ينقل الا توافه الأمور أما بلاد مثل جزر المالديف فيغض الطرف عنها لعلهم يخافون على الشعوب أن تصيبهم عدوى إحترام القيم والآداب والتمسك بالدين القويم والذى إذا تمسكنا به وعضضنا عليه بالنواجذ إرتفعت البويضاء الى العلالى .
وقد كانت جزر المالديف مجهولة إلى حد كبير للسياح حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين الماضي علي الرغم من أنها بتناثرها على إمتداد خط الإستواء في المحيط الهندي تكون أرخبيلية جغرافية إستثنائية رائعة وفريدة من حيث كونها جزر صغيرة حيث يتكون هذا الأرخبيل من 1190 جزيرة صغيرة منها حوالي 200 جزيرة فقط هي موطن السكان البالغ عددهم حوالي 309 ألف نسمة كما ذكرنا في السطور السابقة ومنذ أوائل السبعينيات كما ذكرنا بدأ إستخدام الجزر الغير مأهولة بالسكان لأغراض إقتصادية مثل السياحة والزراعة وأصبحت السياحة حاليا تمثل حوالي 28% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وأكثر من 60% من إيرادات الدولة من العملات الأجنبية حتي أصبح أكثر من 90% من الإيرادات الضريبية للحكومة تأتي من رسوم الإستيراد والضرائب ذات الصلة بالسياحة وبذلك فقد عزز تنمية وتطوير السياحة النمو الإجمالي لإقتصاد البلاد كما أوجد فرص العمل المباشرة وغير المباشرة للسكان وولد الدخل في الصناعات الأخرى ذات الصلة بالسياحة وكان إفتتاح المنتجعات السياحية الأولى بجزر المالديف خلال عام 1972م حيث كان أولها منتجع جزيرة باندوس وقرية كورامبا ووفقا لموقع وزارة السياحة بجزر المالديف على الإنترنت أدى بدء النشاط السياحي في عام 1972م بالبلاد إلى تحول في إقتصاد جزر المالديف والإنتقال بسرعة من الإعتماد على قطاع الثروة السمكية إلى قطاع السياحة وفي خلال 3 عقود ونصف أصبحت الصناعة أيضا أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي في البلاد إلي جانب السياحة وأحد مصادر الرزق الهامة لشعب المالديف وحاليا فقد زاد عدد المنتجعات السياحية هناك ليبلغ عددها 106 في عام 2017م منتجع مع قدرة سريرية لأكثر من 20 ألف سرير وتوفير مرافق عالمية المستوى بها للسياح الذين يتجاوز عددهم السنوي 600 ألف سائح والذين يمكنهم أيضا الإستمتاع بالجزر المرجانية والنباتات الإستوائي والخدمة الممتازة .
وبين عامي 1972م و2007م علي سبيل المثال وصل عدد زوار المالديف حوالي 8.4 مليون سائح حيث أصبحت مقصدا لقضاء شهر العسل والأجازات العائلية والأجازات مع الأصدقاء ويمارس السياح في هذه المنتجعات رياضة الغوص تحت الماء وتتركز أغلب هذه المنتجعات في الجزر المرجانية الثلاث القريبة من العاصمة ماليه وأهمها جزيرة نورث آيلاند مارلاي وجزيرة ومدينة أدو وهي ثاني مدن المالديف ويمثل مصيفها أفضل مكان ينطلق منه السياح لزيارة بقية الجزر وسكان الجزيرة يسمون أدو وهم مستقلون جدا ويتكلّمون لغة مختلفة عن سكان العاصمة ماليه وقد لعبت بريطانيا دورا كبيرا في تغيير شكل هذه المدينة وذلك بعد أن إتخذتها قاعدة حربية لها إبان الحرب العالمية الثانية وفي عام 1956م أنشأت فيها قاعدة جوية وذلك خلال الحرب الباردة بين ألولايات المتحدة الأميريكية والإتحاد السوفيتي السابق خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين الماضي وقد أكسبت هذه العوامل المدينة الشكل الحديث الذي تبدو به الآن هذا ويصل جميع الزوار إلي جزر المالديف عن طريق مطار ماليه الدولي الواقع في جزيرة هول هولي بالقرب من العاصمة ماليه وهذا المطار تهبط الرحلات الدولية به كما يأتي العديد من الزوار إليه بطائرات خاصة وهناك العديد من رحلات الطيران المنتظمة إليه والتي تسيرها شركات طيران مثل الإماراتية من دبى وخطوط سيريلانكا من العاصمة كولومبو وخطوط سنغافورة من سنغافورة والخطوط البريطانية من لندن والخطوط السعودية مباشرة من الرياض إلى المالديف كما يوجد مطار آخر بجزر المالديف يقع على جزيرة مرجانية في جنوب مدينة أدو يسمي مطار غان وهو يخدم رحلات دولية إلى مطار مدينة ميلانو بشمال إيطاليا عدة مرات في الأسبوع والتنقل من المطارات إلى المنتجعات متوفر إما بالقوارب واللنشات السريعة أو بالطائرة المائية أو بالطيران المحلي والخيار عادة يعتمد على البعد عن مطار ماليه الدولى وإذا كان الوصول إلى المنتجع الخاص بالزائر يتطلب طائرة مائية فهناك عدة أشياء يجب أخذها بعين الإعتبار حيث أن الطائرة المائية تعمل فقط فى ساعات النهار لذلك إذا كان موعد الوصول بعد غروب الشمس سيضطر الزائر للبقاء فى تلك الليلة فى ماليه ونفس الشىء فى حال كان موعد المغادرة فى الصباح الباكر حيث سيترتب علي الزائر العودة إلي ماليه قبل غروب شمس اليوم السابق للمغادرة وجدير بالذكر أن إستقلال الطائرة المائية في جزر المالديف تجربة فريدة ورائعة في حد ذاتها ولذلك يحرص الزوار على أن يجلسوا في المقاعد التي بجانب نافذة الطائرة لكي لا يفوتهم رؤية المشاهد المذهلة الرائعة والغاية في الجمال التي يرونها من الجو والتي يقومون بتصويرها .
|