بقلم الدكتور/ عادل عامر
ان المقاربة الثقافية للإرهاب هي اصلا من مسؤولية الفكر العربي والاسلامي ، ومن ثم مسؤولية وسائل الاعلام العربية والاسلامية قبل ان تكون مسؤولية الفكر الغربي او السياسات الاميركية ، فالعرب والمسلمون هم اول ضحايا الارهاب الذي عطل مسيرتهم التنموية وساهم في زعزعة آمن واستقرار بلدانهم وتشويه منظومتهم الفكرية والقيمية والاعلامية القائمة على التسامح والوسطية والاعتدال والاعتراف بالأخر .
الامر الذي يجعلنا نسلط الضوء على ابرز سمات المعالجة الاعلامية العربية للظاهرة الاعلامية من حيث تركيزها على الحدث اكثر من التركيز على الارهاب كظاهرة لها اسبابها وعواملها ، حيث تتوارى في الغالب معالجة جذور هذه الظاهرة واسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ما يجعلها تبدو وكأنها مجردة ومطلقة ، حيث تسود في الغالب معالجة العملية الارهابية كحدث منعزل وليس كعملية تجري في سياق معين وتحدث في بيئة معينة . اضافة الى هيمنة الطابع الاخباري على التغطية الاعلامية العربية وتغييب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري ،
الامر الذي يؤدي الى بقاء المعالجة الاعلامية على سطح الحدث او الظاهرة ما يضعف قدرتها على الاقناع ويفقدها التأثير الفاعل والملموس . كذلك تفتقر وسائل الاعلام العربية الى كادر اعلامي مؤهل ومختص ، قادر على تقديم معالجة مناسبة لهذه الظاهرة . الى جانب افتقارها الى الخبراء والمختصين في المجالات الامنية والاجتماعية والنفسية والتربوية وعدم تعاونها مع المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية المعنية بمواجهة الظاهرة الارهابية .
وبعد ان اصبح الارهاب يمثل تحديا اقليميا ودوليا في ظل القناعات التي ترسخت حول فشل المقاربة الأمنية والعسكرية في محاصرته وتطويقه والقضاء عليه ، بدت الامور منصبة على اهمية البعد الاعلامي
وضرورة تفعيل الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في مواجهة هذا الخطر بسبب قدرتها على الوصول الى الناس والتأثير في عقولهم وافكارهم وقناعاتهم بأساليبها المتعددة والمتنوعة . لذلك فقد انصب الاهتمام في المواجهة الاعلامية للإرهاب على مقاومة الفكر المتطرف والحيلولة دون تمكينه من التأثير في الرأي العام وتحديدا في شريحة الشباب ،
لضمان عدم تدفق أي دماء جديدة في شريان الارهاب بحيث يسهل محاصرته ومن ثم تصفيته . وهو ما اكد عليه جلالة الملك عبد الله الثاني عندما ذكر بان " محاربة الارهاب لا تكون باتخاذ الاجراءات الأمنية المباشرة فقط ، وانما من خلال استراتيجية شاملة لتعزيز ثقافة الحوار ونبذ ثقافة العنف " ، ما يتطلب التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يضمن ايصال الحقيقة ومراعاة عدم تأثيرها في نفسية المواطنين . كذلك فقد ظهرت اصوات تطالب بضرورة اعادة النظر في مضامين العمل الصحفي والاعلامي ،
واستبدالها بمضامين جديدة تركز على معالجة انتشار ظاهرة الارهاب والعنف ، والتصدي لوسائل الاعلام التي تمارس ادوارا تحريضية مدمرة تهدف الى التأثير في عقول الشباب وتهديد آمن الشعوب والمجتمعات . الى جانب التصدي للمعلومات الهدامة التي تبرز على شبكة الانترنت ومعالجتها من خلال التشريعات الكفيلة بأغلاق مثل هذه المواقع التي تروج للعنف وللأفكار المتطرفة ، ولا سيما المواقع التي تنسب نفسها الى الاسلام وتقدم صورة مشوهة عن الدين الحنيف .
وهناك من يتحدث عن وجود بعض مواقع الانترنت التي اصبحت بمثابة مراكز لتعليم صناعة المتفجرات وكيفية القيام بعمليات ارهابية ، واصدار فتاوى ايضا لا تمت للإسلام بصلة وهي دخيلة عليه. ما يقتضي التفكير بفتح الفضاءات الاعلامية امام الفقهاء وقادة الفكر والرأي لا براز صورة الاسلام السمحة الداعية الى التسامح والوسطية والاعتدال والعدل والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن بعيدا عن الغلو والعنف ، واعداد مخطط شامل للاتصال لمواجهة الحرب النفسية التي تشنها الجماعات الارهابية .
الى جانب التفكير بأهمية اقامة مركز او جهة حكومية رسمية مركزية لتوحيد الخطاب الاعلامي لرفع مستوى نوعية التوعية والتوجيه الاعلامي الممنهج للمعلومات عن الارهاب ، تكون على اتصال دائم بوسائل الاعلام للتحكم باي مادة اعلامية سلبية او مبادرة دعائية للإرهاب قد تقدمها وسائل الاعلام في غفلة منها تحت وطأة المنافسة وتحقيق السبق الصحفي او الاعلامي .
اضافة الى اقامة اتصالات ودورات وتدريبات مشتركة بين ممثلي الجهات الرسمية وبين ممثلي الاعلام على كيفية التعامل مع الحوارات الارهابية اعلاميا بما يضمن الصالح العام .. كأن يتم افتعال حدث ارهابي للوقوف على كيفية التعامل معه اعلاميا لسد الثغرات الاعلامية التي يمكن ان يستفيد منها الارهابيين . الامر الذي يتطلب الابتعاد قدر الامكان عن الاثارة في طريقة نشر الاخبار المتعلقة بالأحداث الارهابية ،
وضرورة اتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر معلومات تتناول الاحداث الارهابية ، والامتناع عن عرض او وصف الجرائم الارهابية بكافة اشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها او تنطوي على اضفاء البطولة على مرتكبيها او تبرير دوافعهم او منح مرتكبيها والمحفزين عليها او المبررين لها فرصة استخدام البرامج والمواد الاعلامية منبرا لهم .
وبهذا الصدد فقد ذكر جلالة الملك عبد الله الثاني بان " هناك بعض الكتاب في الصحافة وبعض المحطات الفضائية وبعض الذين يخطبون في المساجد ، يمارسون الترويج لثقافة العنف وايجاد المبررات للإرهابيين او تصوير جرائمهم على انها بطولات او نوع من الجهاد " .
في المقابل لا بد من توسيع مساحة التغطية الاعلامية التي تشجع المشاركة الشعبية والاسهامات الطوعية من الافراد ومنظمات المجتمع المدني في التصدي لظاهرة الارهاب والتطرف وتوعية الناس بأخطارها .،
والتأكيد على اهمية توعية المواطنين بمخاطر الارهاب واثاره السلبية على الامن والاستقرار ، بما يضمن تفعيل دور وسائل الاعلام في رفع مستوى الوعي بمخاطر الارهاب . فعلى سبيل المثال ، فقد اثبتت التفجيرات الارهابية التي شهدتها فنادق عمان عام 2006 اهمية ادماج المواطن الاردني في المنظومة الأمنية وتنمية حسه الامني وثقافته الامنية ، بحيث يعي اهمية دوره في الحفاظ على امن الوطن واستقراره . خاصة بعد ان تبين ان كافة العاملين في الفنادق راودتهم الشكوك حول " الارهابيين " الا ان احداً منهم لم يبلغ الاجهزة الامنية عن شكوكه ) . وهنا تبرز اهمية توظيف الاعلام من قبل الجهات الأمنية المعنية في بث رسائل اعلامية ارشادية وتثقيفية وتوعوية تنطوي على تطمينات وضمانات من شأنها تشجيع المواطن وحفزه وحثه على المشاركة في المنظومة الأمنية من خلال قيامه بتمرير أي معلومات من شأنها الاسهام في كشف خيوط جريمة وقعت هنا او هناك او الحؤول دون وقوعها اصلا .
بحيث نضمن التخلص من بعض الأنماط والمفاهيم والتفسيرات الخاطئة والسلبية التي تسيطر على ذهنية بعض المواطنين بصورة افرزت عندهم عقدة الخوف والرهبة والتردد عند التعاطي مع القضايا والمسائل ذات الابعاد الامنية.
ما يجعلنا نثمن عالياً قيام مديرية الامن العام بتكريس مفهوم الشرطة المجتمعية، الذي يستهدف كسب ثقة المواطن وتعاونه واشراكه في الشأن الامني, بما يعزز من وعيه الامني وثقافته الامنية .
كذلك لا بد من التقليل من جرعات المشاهد الدموية ومشاهد العنف والدمار والقتل ، وذلك للحؤول دون اعتياد المشاهد على مثل هذه المناظر . دون ان نغفل اهمية التنسيق مع الاجهزة الامنية في ما يتعلق بنشر وقائع الاحداث الارهابية ، مع الاخذ بعين الاعتبار الدراسة المسبقة لتأثير نشرها على الرأي العام ، وذلك من اجل تفويت الفرصة على الارهابيين للاستئثار بالإضاءة الاعلامية التي يسعون اليها .
. اضافة الى ذلك يجب التركيز على المسألة العلاجية للظاهرة الارهابية ، لا على تغطية الحدث الارهابي ، وضرورة الانتقال من التركيز على تفاصيل العمليات الارهابية وردود الافعال الرسمية والشعبية الى تقديم رؤى تساعد القارئ او المشاهد على تكوين راي وطني بحيث يتحول الى موقف ومن ثم الى سلوك ايجابي من خلال اعلام مهني فاعل يتحلى بالجماهيرية والصدقية .
وفي المحصلة لا بد من طرح فكرة تشكيل فريق من الخبراء الدوليين في مجال الاعلام ، لبحث سبل التوعية الاعلامية المشتركة ضد مخاطر الارهاب ، تمكينا للأعلام الدولي من بناء قاعدة عريضة من الرأي العام الدولي تحاصر الارهاب فكرا او جريمة وتعزز الجهود الرامية الى القضاء عليه .
|