الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

جورباتشوف .. أول زعيم شيوعي ينال "نوبل"

جورباتشوف .. أول زعيم شيوعي ينال -نوبل-
عدد : 03-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


ميخائيل سيرجيفيتش جورباتشوف هو رئيس الدولة في الإتحاد السوفييتي السابق بين عام 1988م وعام 1991م ورئيس الحزب الشيوعي السوفيتي بين عام 1985م وعام 1991م وفي أثناء شغله لمنصب رئيس الدولة في الإتحاد السوقيتي كان يدعو إلى إعادة البناء أو البريسترويكا ومن ثم سعى أثناء فترة ولايته إلى إصلاح الحزب الشيوعي السوفيتي وإقتصاد الدولة عن طريق إدخال مفاهيم الإنفتاح وإعادة الهيكلة والديمقراطية والتنمية الإقتصادية وعلاوةً على ذلك فقد أحدث العديد من التطورات التكنولوجية التي أدت إلى زيادة الإنتاجية وقد أدت جهوده الرامية إلى إضفاء طابعٍ ديمقراطي على النظام السياسي في البلاد وإعتماد اللامركزية في الإقتصاد إلى سقوط الشيوعية وخاصة بعد أن ألغى جورباتشوف الدور الدستوري للحزب الشيوعي السوفيتي في تنظيم الدولة مما أدى في النهاية إلي تفكك الإتحاد السوفيتي في يوم 8 ديسمبر عام 1991م عندما وقع بوريس يلتسين خليفة جورباتشوف ورئيسا أوكرانيا وبيلاروس حينذاك ليونيد كرافتشوك وستانيسلاف شوشكيفيتش على الإتفاقية التي أقرت بإنهاء وجود الإتحاد السوفيتي وتشكيل رابطة الدول المستقلة وذلك بالرغم من تصويت الأغلبية الساحقة من المواطنين لصالح الحفاظ على الإتحاد السوفيتي وقد أدى إبرام هذه الإتفاقية إلى تفكك الإتحاد السوفيتي الأمر الذى وصفه فلاديمير بوتين خليفة يلتسين بعد نحو عشر سنوات بأنه كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين حيث بموجب هذه الإتفاقية تفككت وتوارت دولة الإتحاد السوفيتي في صفحات التاريخ ويومها قال يلتسين عبارته المشهورة التي وجهها إلى الجمهوريات السوفيتية التي أعلن إستقلالها خذوا أكبر قسط من السيادة تستطيعون حمله. وعلاوة علي ذلك فقد شارك جورباتشوف الرئيس الأميريكي رونالد ريجان في إنهاء الحرب الباردة كما كان له دور فعال في سقوط جدار برلين عام 1989م وإعادة توحيد المانيا من جديد ولذا فقد حصل على ميدالية أوتوهان للسلام في عام 1989م وعلي جائزة نوبل للسلام عام 1990م وذلك نظرا لدوره الهام في عملية السلام في المجتمع الدولي وحصل أيضا علي جائزة هارفي في عام 1992م وهي جائزة إسرائيلية دولية تقدمها جامعة تخنيون أو معهد إسرائيل للتقنية في حيفا تمنح للمتميزين في العلوم والتقنية والصحة والسلام بدون النظر إلي جنسياتهم أو دياناتهم وهذه الجامعة تعد أول جامعة يؤسسها اليهود في فلسطين في مدينة حيفا حيث تم وضع حجر أساسها عام 1912م ولكن تأسيسها الفعلي تأجل حتي عام 1924م وذلك نظرا لظروف قيام الحرب العالمية الأولي وعلاوة علي ذلك فقد حصل في عام 2008م علي وسام الحرية من مركز الدستور الوطني الأميريكي على يد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب وذلك نظرا لدوره الشجاع في إنهاء الحرب الباردة وبالإضافة إلي ذلك فقد حصل علي العديد من شهادات الدكتوراة الفخرية من جامعات متعددة حول العالم .

ولد ميخائيل جورباتشوف يوم 2 مارس عام 1931م في كراي ستافروبول لعائلة روسية أوكرانية قروية حيث كان والده سيرجيفيتش جورباتشوف يعمل في جمع المحاصيل الزراعية إضافةً لكونه أحد المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية وأمه ماريا بانتلييفنا كانت عاملةً أيضا وفي مراهقته عمل مشغلا لآلة الحصاد في الزراعة الجماعية وهي التي يتم فيها تشغيل مقتنيات العديد من المزارعين كمشروع مشترك ومن ثم يكون ناتج هذا الأسلوب في الزراعة إنتاجا زراعيا تعاونيا يشترك فيه الأعضاء المالكون في الأنشطة الزراعية معا وقد تم تطبيق هذا الأسلوب في جمهوريات الإتحاد السوفيتي بداية من عام 1927م وبذلك كان الشاب ميخائيل جورباتشوف يساهم في تحقيق دخل إضافي لأسرته وكان أصغر من حصلوا على وسام الراية الحمراء في العمل عام 1948م نظرا لدوره النشط في جمع المحصول في العام المذكور وأنهى دراسته الثانوية برتبة شرف وحصل على الميدالية الفضية عند تخرجه من مدرسته الثانوية وإلتحق بجامعة موسكو الحكومية وهي إحدى أقدم وأضخم الجامعات التقليدية الروسية أحد مراكز العلم والثقافة الوطنية وبينما كان يدرس في الجامعة إنضم للحزب الشيوعي السوفيتي وبعد ذلك أصبح من العناصر الفعالة في الحزب وتخرج جورباتشوف عام 1955م وحصل علي شهادة بكالوريوس في القانون وبعد تخرجه ونظرا لنشاطه الحزبي الملموس إرتفع جورباتشوف في صفوف الحزب وفي عام 1956م تم إختياره ليكون السكرتير الأول للجنة الحزب في مدينة ستافروبول وفي عام 1961م تم تعيينه مندوبا في مؤتمر الحزب وواصل في نفس الوقت تعزيز موقفه السياسي وزيادة معرفته عن الزراعة والإقتصاد وحصل علي درجة الماجستير بالمراسلة من معهد ستافروبول للزراعة في عام 1967م وفي عام 1970م تم تعيينه سكرتير الحزب الأول لإقليم ستافروبول وكان حينذاك أصغر رؤساء حكومات الأقاليم في البلاد وقد قام بتحسين مستوى المعيشة الأساسي للعمال في هذا الإقليم وساعدهم في إعادة تنظيم المزارع الجماعية به ثم عين أول سكرتير للمجلس السوفيتي الأعلى في عام 1974م وفي عام 1978م وبمجرد أن أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي تم تعيينه ليصبح أمينًا للزراعة في اللجنة المركزية وبعد ذلك بعام أى في عام 1979م تم إختياره ليكون عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وحصل على العضوية الكاملة في عام 1980م .

وفي خلال 3 سنوات بعد موت الرئيس السوفيتي الأشهر ليونيد بريجنيف يوم 10 نوفمبر عام 1982م تبعتها فترة وجيزة من ترتيب المناصب في قيادة الإتحاد السوفيتي وخلال فترة تولي يوري أندروبوف منصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي بين عام 1982م وعام 1984م إزداد ظهور جورباتشوف بشكلٍ كبير لأنّه كان يعد من أكثر الأعضاء نشاطًا كما كان لسفره إلى الخارج دورا في تشكيل أرائه السياسية والإجتماعية وكان هذا العام 1984م عاما هاما جدا بالنسبة لجورباتشوف في تشكيل وصنع مستقبله السياسي حيث إجتمع خلالها ولأول مرة مع مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا العظمى ونشأت بينهما علاقات قوية ومع وفاة أندروبوف عام 1984م خلفه في المنصب كونستانتين تشيرينينكو في شهر فبراير عام 1984م وليكون العام الذى يليه عام 1985م هو عام الحظ لجورباتشوف ففي هذا العام توفي تشرينينكو في شهر مارس بعد أن ظل في منصبه حوالي 13 شهرا ومن ثم أصبحت الحاجة إلى قيادة شابة واضحة وعلى هذا النحو رشح المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي ميخائيل جورباتشوف ليتولى منصب الأمين العام للمجلس السوفيتي في عام 1985م وبالفعل تم إنتخابه كأمينٍ عام للحزب من قبل المكتب ومما يذكر أنه قبل توليه هذا المنصب كان يذكر في الصحف الغربية بين الحين والآخر كقائد قادم ورجل من جيل أصغر سنا على مستوى عال ومع توليه هذا المنصب ورث جورباتشوف القضايا التي تبناها من سبقوه في هذا المنصب والتي كانوا يكافحون من أجلها بما في ذلك المشاكل الداخلية الخطيرة والمتصاعدة وتوترات الحرب الباردة ولكن كان الفرق واضحا من حيث طاقة جورباتشوف وشبابه وحماسه الذي أعطي الإتحاد السوفيتي أمل في خلق جيل جديد من القادة وأمل في التغيير الايجابي للبلاد وحيث أنه كان يهدف إلى إحداث تغيير وإصلاح في الحزب الشيوعي السوفيتي وإقتصاد الدولة من خلال إدخال مفاهيم الإنفتاح وإعادة الهيكلة ونشر مفاهيم الديمقراطية والتنمية الإقتصادية كما ذكرنا في صدر هذا المقال لذا حاول زيادة كفاءة البيروقراطية السوفيتية فأدخل العديد من التطورات التقنية التي تهدف لزيادة الإنتاجية وتقليل كمية الفاقد وأطلق حملةً لمكافحة إدمان المشروبات الكحولية التي ما برحت من بين أكثر المهمات إلحاحا كما قال عنها فلجأ إلي رفع أسعار المشروبات الكحولية بمقدار 25% في عام 1985م ثم بنسبة 20% أخرى في عام 1986م الأمر الذي أدى إلى إنخفاض إستهلاك مشروب الفودكا الشهير بنسبة 32% في عام 1986م ثم بنسبة 20% في عام 1987م كما إنخفض إستهلاك مشروب النبيذ بنسبة أكبر وصارت الدولة تنظّم جلسات لمعالجة المدمنين وتخليصهم من داء الإدمان إلا أنه من جانب آخر برزت ظاهرة تكرير الكحول بصورة سرية الأمر الذي أدى إلى نضوب السكر من المخازن في بعض مناطق الإتحاد السوفيتي وفي يوم 2 يونيو عام 1987م نشرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي تقريرا عن حصيلة النضال خلال سنتين ضد ظاهرة الإفراط في تناول الكحول رأت فيه أن الحملة حققت نجاحا نسبيا إذ ظل واحد من أصل كل إثنين من المواطنين يفرط في تناول الكحول كما أنه إستمر تصنيع الكحول السئ بصورة سرية .

وبصرف النظر عن القضايا الداخلية ففي مجال السياسة الخارجية بنى جورباتشوف علاقاتً طيبة مع الرئيس الأميريكي آنذاك رونالد ريجان كما سعي لتحسين العلاقات السوفيتية مع قادة الدول الغربية حيث كان قادة الدول الأخري يرون فيه البعد الأخلاقي والدفء في أساليب التعامل وخلال هذه الفترة أقام جورباتشوف علاقات قوية مع المستشار الألماني حينذاك هيلموت كول أيضا وقد كانت تلك العلاقات إحدى الأسباب التي ساهمت بعد ذلك في نهاية الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميريكية وقد بدأت تتولد فكرة إنهاء هذه الحرب منذ إسقاط طائرة الخطوط الجوية الكورية الجنوبية فوق الأراضي السوفيتية في يوم 1 سبتمبر عام 1983م وهو الأمر الذى تسبب في تدهور العلاقات بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميريكية كما أن برنامج حرب النجوم الأميريكي أعاد إطلاق المنافسة بين القوتين العظميين حينذاك في مجال التسلح وإستمر التوتر شديدا بينهما بعد وصول كونستانتين تشيرنينيكو إلى الكرملين إذ بقي أندريه جروميكو مسؤولا عن الشئون الخارجية ومع ذلك وعندما تبين خلال صيف عام 1984م أن رونالد ريجان سيعاد إنتخابه لولاية رئاسية جديدة في شهر نوفمبر من العام المذكور قرر الزعماء السوفيت إستنناف الحوار بين البلدين وقام جروميكو بزيارة واشنطن في يوم 28 سبتمبر عام 1984م للقاء ريجان وهو اللقاء الذي ترتب عليه الإتفاق علي عقد محادثات في جنيف بسويسرا بين أندريه جروميكو وجورج شولتز وزير الخارجية الأميريكي في يوم 7 يناير عام 1985م وكانت قد أجريت الإنتخابات الرئاسية الأميريكية قبل ذلك بحوالي شهر ونصف وفاز بها ريجان وتجدد إنتخابه لفترة رئاسية ثانية وبعد إنتخاب ميخائيل جورباتشوف سكرتيرا عاما للحزب الشيوعي السوفيتي وحلول إدوارد شيفارنادزه محل أندريه جروميكو على رأس وزارة الخارجية قام الوزير الجديد بتغيير 10 من أصل 12 من نوابه وطرح جورباتشوف التفكير الجديد في مجال السياسة الخارجية الذي إنطلق من الوعي بأن الحرب النووية لا يمكن أن تكون وسيلة لحل القضايا الكبرى التي تواجهها البشرية وركز على ثلاثة مبادئ هي تخفيف حدة التوتر بين الشرق والغرب من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة الأميريكية حول نزع السلاح وحل النزاعات الإقليمية وزيادة المبادلات التجارية مع الغرب والإعتراف بالوضع الدولي القائم وخصوصا في أوروبا وفي يوم 2 سبتمبر عام 1985م أعلن البيت الأبيض الأميريكي عقد قمة بين رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف في جنيف ما بين يوم 19 ويوم 21 نوفمبر عام 1985م أكد الجانبان خلالها أن الحرب النووية لا ينبغي إشعالها مطلقا وأن أي طرف لن يسعى إلى التفوق العسكري .

وإستنادا إلى هذا التفكير الجديد طرح الإتحاد السوفيتي في يوم 15 يناير عام 1986م برنامجا متكاملا لتصفية السلاح النووي قبل عام 2000م وذلك بعد أن أعلن في منتصف عام 1985م وقف تجاربه النووية لفترة ستة أشهر وفي تقريره أمام مندوبي المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي الذي عقد في شهر فبراير عام 1986م دعا جورباتشوف إلى تنظيم التفاعل الإبداعي الخلاق بين الدول والشعوب على نطاق العالم كله معتبرا أن هذا التفاعل ضروري للحيلولة دون وقوع كارثة نووية وهو ضروري لحل المشاكل البشرية العامة الأخرى وأننا نعيش في عالم متناقض لكنه مترابط ومتشابك ومتكامل لدرجة كبيرة وأكد أن النضال ضد الخطر النووي وضد سباق التسلح ومن أجل حفظ السلام العالمي سيبقى الإتجاه الرئيسي لنشاط الحزب الشيوعي السوفيتي على الصعيد العالمي كما أشار إلى أن الإتحاد السوفيتي قد إتخذ سلسلة من الخطوات من جانب واحد إذ أوقف نشر الصواريخ المتوسطة المدى في قارة أوروبا وخفض عددها وعلق جميع التفجيرات النووية ودعا إلى إيجاد حل واقعي لبرنامج حرب النجوم الأميريكي من شأنه أن يضمن عدم إنتقال سباق التسلح إلى الفضاء الكوني وفي يوم 6 أغسطس عام 1986م إتخذ المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي قرارا بالإستمرار في وقف التجارب النووية حتى الأول من شهر يناير عام 1987م وذلك كخطوة على طريق إنجاح لقاء القمة السوفيتي الأميريكي الثاني الذي عقد ما بين يوم 11 ويوم 12 نوفمبر عام 1986م في مدينة ريكيافيك في أيسلندا وفي تلك القمة طرح جورباتشوف على ريجان أفكارا لإبرام ثلاث إتفاقيات بين البلدين تشمل تقليص الأسلحة الإستراتيجية الهجومية بنسبة 50% والقضاء كليا على الصواريخ السوفيتية والأميريكية المتوسطة المدى في قارة أوروبا ووقف التجارب النووية وإبقاء مبادرة الدفاع الإستراتيجية المعروفة بحرب النجوم على مستوى الأبحاث المختبرية المعملية وعدم نقل سباق التسلح إلى الفضاء الخارجي لكن الرئيس الأميريكي ريجان رفض الإلتزام بالموافقة على كل هذه الإتفاقيات وأكد أن بلاده ستمضي قدماً في تنفيذ مبادرة الدفاع الإستراتيجية ولن توقف تجاربها النووية .

وبعد مباحثات ماراثونية صعبة جرت بين إدوارد شيفارنادزه وزير الخارجية السوفيتي وجورج شولتز وزير الخارجية الأميريكي إنتهي الأمر أخيرا بتوقيع كل من ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريجان في واشنطن في يوم 8 ديسمبر عام 1987م معاهدة بموجبها يتم منع نصب الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا وهكذا سحب الإتحاد السوفيتي صواريخه من أوروبا الشرقية وسحبت الولايات المتحدة الأميريكية صواريخها من أوروبا الغربية كما نصت المعاهدة علي تدمير البلدين للمخزون الحالي من القذائف النووية ذات المدى المتوسط وبذلك كتبت هذه المعاهدة نهاية العداء المستمر منذ عقود بين منظمة حلف شمال الأطلسي المعروفة بإسم الناتو وحلف وارسو والذي كان السمة المميزة للحرب الباردة ومن ناحية أخرى فقد أشرف جورباتشوف على إنسحاب القوات السوفيتية من دولة أفغانستان بعد إحتلالها الذي دام تسع سنوات لهذا البلد حيث قررت القيادة السوفيتية وضع حد للتدخل العسكري في أفغانستان الذي كلف الإتحاد السوفيتي مبالغ طائلة ونحو 13 ألف قتيل وعدد 37 ألف جريح وأعلنت عزمها على سحب قواتها من هذا البلد على مراحل وذلك بعد أن أُبعد عن الحكم في شهر مايو عام 1986م بابراك كارمال الزعيم الشيوعي الأفغاني الذي إستدعى القوات السوفيتية في شهر ديسمبر عام 1979م وفي شهر أكتوبر عام 1986م بدأت أولى الوحدات السوفيتية بمغادرة أفغانستان وتم إستكمال إنسحابها حتي أوائل عام 1989م وقد سهل هذا الإنسحاب الحوار بين الشرق والغرب كما سمح بتحسين علاقات القيادة السوفيتية مع القيادة الصينية التي جعلت من هذا الإنسحاب واحدا من ثلاثة شروط لتحسين العلاقات السوفيتية الصينية إلى جانب تقليص حجم القوات السوفيتية على الحدود المشتركة بين البلدين وإنسحاب الفيتناميين المدعومين من السوفييت من كمبوديا وكان جورباتشوف قد أعرب منذ نهاية شهر يوليو عام 1986م في خطاب ألقاه في مدينة فلاديفوستوك عن تطلعه إلى تحسين العلاقات السوفيتية-الصينية وخصوصاً في المجال الإقتصادي وفي محاولة لإصلاح وإعادة هيكلة الحكومة السوفيتية بغرض تحريرها من قبضة الحزب الشيوعي السوفيتي عمل جورباتشوف على إنشاء برلمان كمجلس نواب عن الشعب ونظمت إنتخابات إستوجبت على أعضاء الحزب الشيوعي السوفيتي الدخول في إنتخابات متعددة المرشحين وبالفعل تأسس أول برلمان للإتحاد السوفيتي على أساس إنتخابات ديموقراطية حرة .

ومن زاوية أخرى فقد شهدت السياسة السوفييتية تجاه البلدان المستقلة في العالم الثالث تحولا ملحوظا بعد تولي جورباتشوف منصب الأمين العام للمجلس السوفيتي وذلك بعد توصل القيادة السوفيتية الجديدة إلى قناعة بأن سياسة بلادها تجاه هذه البلدان كانت نتيجتها إنهاك الإقتصاد السوفيتي وتركت تداعيات سلبية على العلاقات مع الغرب وخصوصا مع الولايات المتحدة الأميريكية وأن من مصلحتها التخلي عن سياستها التقليدية التي تقضي بتصدير الإشتراكية وإحترام مبدأ عدم التدخل وكان الإنسحاب السوفيتي من أفغانستان أكبر دلالة على التوجه نحو التخلي عن هذه السياسة لكن هذا التحول في السياسة السوفيتية لم يتحقق دفعة واحدة وإنما راح يتبلور بصورة تدريجية ففي السنوات الأولى من حكم جورباتشوف إستمر الإتحاد السوفيتي في إمداد العديد من الدول مثل نيكاراجوا وفيتنام وسوريا وليبيا واليمن الجنوبي وأثيوبيا وأنجولا بالأسلحة والمعدات العسكرية كما واصل تضامنه مع هذه البلدان في مواجهتها مخططات الإمبريالية العدوانية فبعد أن قامت الطائرات الحربية الأميريكية في يوم 15 أبريل عام 1986م بمهاجمة أهداف في مدينة طرابلس ومدينة بنغازي في ليبيا مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى وذلك بذريعة ممارسة ليبيا الإرهاب الموجه إلى الولايات المتحدة الأميريكية أرسل جورباتشوف رسالة إلى الرئيس الليبي معمر القذافي يعرب فيها عن تضامن قيادة الإتحاد السوفيتي وجميع المواطنين السوفيت مع ليبيا إزاء العمل الإجرامي القرصاني للإمبريالية الأميريكية والعزاء في الضحايا الليبيين الذين سقطوا نتيجة الغارة الهمجية للطيران الأميريكي مؤكدا أن القيادة السوفيتية وإلى جانب الدعم الذي تقدمه إلى ليبيا وجهت إلى الإدارة الأميريكية أكثر من مرة تحذيرات جدية بصدد العواقب الخطيرة لإستمرار سياستها المعادية لليبيا وأعلنت أيضا أن تطور الأحداث هذا لا بد وأن يؤثر تأثيرا سلبيا على العلاقات السوفيتية الأميريكية ولدى إستقباله رئيس حزب العمل الأنجولي في يوم 6 مايو عام 1986م أكد جورباتشوف أن الوضع الدولي يمر بمرحلة حرجة وخطيرة جدا وأشار إلى الإعتداء الأميريكي على ليبيا وكيف أن الإدارة الأميريكية ظهرت أمام العالم بصورة مشينة كخانق لحريات الشعوب وإستقلالها ومنيت بهزيمة معنوية سياسية وأعلن أن أي تذرع بالإرهاب الدولي الذي كان الإتحاد السوفيتي ولا يزال يتخذ موقفا مبدئيا ضد أي شكل من أشكاله لا يمكن أن يكون مبررا لأعمال الولايات المتحدة التي تمثل أعمالها أسوأ مظهر للإرهاب الرسمي وإنتقد جورباتشوف ظاهرة المديونية التي تعاني منها العديد من البلدان المتحررة والتي أصبحت جزءا من إجراءات الإستبداد الإستعماري الجديد المتفنن وتتسبب في تفاقم القضايا الملتهبة مثل التخلف والبؤس والمجاعة والأمراض والنسبة الفظيعة لوفيات الأطفال مؤكدا أن هدف الإتحاد السوفيتي هو نزع التسلح من أجل التنمية إذ أن كل خطوة في طريق نزع السلاح ستسمح بتوفير أموال للتخلص من التخلف بما في ذلك تخلف البلدان الأفريقية طبعا وهاجم سياسة التدخل والعدوان التي تنتهجها جمهورية جنوب أفريقيا العنصرية بتأييد من الولايات المتحدة الأميريكية تجاه أنجولا معربا عن تضامن الإتحاد السوفيتي مع نضال الشعب الأنجولي وداعيا إلى منح ناميبيا إستقلالها بلا تأجيل .

وفي عام 1988م تم إنتخاب ميخائيل جورباتشوف رئيسا للإتحاد السوفيتي بنتيجة وصلت لحوالي 59% من أصوات نواب مجلس السوفييت الأعلي وإهتم خلال فترة رئاسته على تنمية العلاقات الدولية السلمية بين بلاده وبلاد العالم الغربي ولذا فلم يلعب دورا محوريا لإنهاء الحرب الباردة بين بلاده وبين الولايات المتحدة الأميريكية فحسب بل كان له دور أساسي في تشجيع سقوط جدار برلين في شهر أبريل عام 1989م وإعادة توحيد المانيا مرة أخرى كما ذكرنا في السطور السابقة وبخصوص السياسة الداخلية لجورباتشوف نجده قد تعامل بجد وحزم وصرامة مع القضايا الداخلية والإصلاحات الإقتصادية وقد واجه جورباتشوف أثناء رئاسته للإتحاد السوفيتي قضية ملحة فرضت نفسها آنذاك تمثلت في ظهور مجموعات عرقية مختلفة في بعض الجمهوريات السوفيتية شنت حروبا ضد بعضها البعض وعلاوةً على ذلك طالب كل من الأوكرانيين والليتوانيين بالإستقلال والحصول على الحكم الذاتي المستقل عن الإتحاد السوفيتي وهنا جاء زعيم منافس جديد على الساحة وهو بوريس يلتسين عضو الحزب الشيوعي السوفيتي السابق وأكد أنه سيقوم بتغييرات جذرية في الإقتصاد وفي صيف عام 1991م فاز بوريس يلتسين برئاسة الجمهورية الروسية كبرى جمهوريات الإتحاد السوفيتي وواجه جورباتشوف وقتها مشكلةً في كيفية تحقيق التوازن بين تقاسم السلطة بينه وبين رئيس روسيا الجديد وفي شهر أغسطس عام 1991م وفي حين كان جورباتشوف يقضي عطلته في شبه جزيرة القرم تم القُبض علي المحافظين الشيوعين الذين أَرادوا إحداث إنقلاب للإستيلاء على السلطة حيث حاولت لجنة الدولة لحالة الطوارئ المؤلفة من مسؤولين حكوميين محافظين وأعضاء الحزب الشيوعي السوفيتي إقصاء جورباتشوف رئيس الإتحاد السوفيتي معتبرة أن نهجه السياسي يدفع البلاد نحو الإنهيار وفي ظل هذه الظروف العصيبة تدخل يلتسين وتولي قيادة مقاومة هذه اللجنة في مقر الحكومة مما أدى إلى إحباط محاولة الإنقلاب في نهاية المطاف مما جعل الجمهور يثق به أكثر من جورباتشوف وإعتبروه بطلًا قوميا وشعبيا وأصبح موضع أمل الشعب الروسي المتطلع للحرية والديموقراطية والأهم من ذلك إلى مستوى المعيشة الأفضل .

وفي نهاية المطاف إضطر جورباتشوف أن يقدم إستقالته من رئاسة الإتحاد السوفيتي في يوم 25 ديسمبر عام 1991م وأُنزل العلم السوفيتي من فوق الكرملين للمرة الأخيرة وقام بإعلان هذه الإستقالة في خطاب وجهه إلى الشعب السوفيتي عبر التلفزيون الرسمي للإتحاد السوفيتي وأشار في الخطاب إلى أن مكتب رئيس إتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية قد تم إلغاؤه وأعلن تسليم كافة سلطاته الدستورية بما فيها السلطة على الأسلحة النووية الروسية إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسين وعن أسباب هذا القرار أكد جورباتشوف على أن البلاد كانت تسير في طريق الحرب الأهلية وأنه قد أراد منع حدوث هذا ومنذ ذلك الحين عمل جورباتشوف علي تأسيس مؤسسة تحمل إسمه والتي اصبح لها دور نشط وملموس في القضايا الإجتماعية والسياسية داخل وخارج بلاده كما قام جورباتشوف بتأسيس الحزب الإجتماعي الديموقراطي في روسيا بعد إستقالته من منصبه الرئاسي ولكنه إستقال منه في عام 2004م وبعد ثلاث سنوات أى في عام 2007م شكل حزبا جديدا هو حزب إتحاد الديمقراطيين الإجتماعيين كما أنه ظهر في وسائل الإعلام الشعبية ولعب دور البطولة في العديد من الأفلام الوثائقية كما قام بتصوير بعض الإعلانات التلفزيونية منها إعلان لمطاعم بيتزاهت مع حفيدته في عام 1997م وبعد ذلك وفي عام 2007م ظهر في حملة إعلانية لشركة الأزياء الفرنسية ذات العلامة التجارية المشهورة لويس فيتون بحيث تم تصويره كرجل محترم يسافر في أنحاء العاصمة الألمانية برلين بسيارته الليموزين وحقيبة سفره بجانبه وعليها علامةLV وهو الإسم المختصر للشركة الفرنسية ولم يكتف بذلك وحسب بل شارك أيضا في تسجيل بعض ألبومات أغاني الأطفال الروسية القديمة وكان يوجه ما يكسبه من مال نظير هذه الأعمال لمؤسسة البحث الخاصة به .

وعن الحياة الشخصية لجورباتشوف نذكر أنه قد إلتقي بزوجته المستقلبية رايسا جورباتشوف إبنة مهندس السكك الحديدية في جامعة موسكو الحكومية أثناء دراسته حيث كانت زميلة له في الجامعة وقد تزوجا في شهر سبتمبر عام 1953م قبل أن يتخرجا من الجامعة وإنتقلا إلى بلدته ستافروبول بعد التخرج وقد أنجبت له طفلته الوحيدة إيرينا في عام 1957م والتي توفيت في عام 1999م بسرطان الدم وكانت قد أنجبت له حفيدتين وحفيد واحد .
 
 
الصور :