بقلم الدكتور/ عادل عامر
يعيش العالم الآن عصر تدفق فيه المعرفة الإنسانية وتنوعت مصادرها نتيجة للتطورات الهائلة في مجال التكنولوجيا، وتعددت الإنجازات الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية، ونتيجة لذلك توثقت العلاقة بين الانتصارات العلمية التكنولوجية، وأصبحت الحصيلة المعرفية لأي مجتمع هي القوة التي تصوغ حاضره وتؤمن مستقبله، وهكذا أصبحت الأمة القوية هي الأكثر أمن وأمان لتحقيق الانتماء لدى أفرادها.
وأصبح التغيير والتطوير حقيقة إنسانية، بل هو الحقيقة الإنسانية الكبرى وهو حالة من الحالات التي يكون فيها التغيير محملا بقيمة يراها الداعون له سبيلا نحو الأفضل للفرد والمجتمع، ولعل التعليم الجامعي يمثل أحد الوسائل الفاعلة في تقدم المجتمعات وإبراز شخصيتها ومستقبلها،
وذلك بأمدادها بالكوادر المختلفة التي يحتاج إليها المجتمع والمشاركة في معالجة مشكلاته وقضاياه، فالفرد لا يسعى إلى نقل المعرفة فحسب، وإنما يسعى إلى تطبيق العلم باعتباره نتاجا للعقل والنشاطات المختلفة،
فهذا التعليم يهدف إلى تزويد الدولة بالمتخصصين والفنيين والخبراء في مختلف المجالات، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمـة، والقيم الرفيعـة ليساهم في بنـاء وصنع مستقبل أفضل للأمة لمواجهة التحديات العالمية المعاصرة في ضوء الإمكانيات المتاحة.
ونظراً لأهمية التعليم الجامعي في شتئ المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية التي يكون للجامعة الدور الأساسي في إثرائها فقد اعتبرته العديد من المجتمعات الركيزة الأساسية لإحداث التطور، ولهذه الأسباب فهي مطالبة بأن تكون على وعى تام بمسئوليتها ورسالتها في المجتمع، وأي قصور في هذا الدور يجعلها عرضه للنقد من قبل المجتمع بسبب عدم الوفاء باحتياجاته
والجامعات في عصرنا الحاضر ارتفعت مسئولياتها وتعاظمت نتيجة لتغير أهدافها ووظائفها بما يتفق واحتياجات المجتمعات للكفاءات والخبرات المختلفة، وكذلك رغبة من هذه المجتمعات في فتح باب القبول والدراسة بالتعليم الجامعي أمام أبناء تلك المجتمعات لتحقيق طموحاتهم في التعليم الجامعي.
لذا أصبحت منظومة الجامعة معرضة لخطرين أولهما: أن تنغلق على نفسها وتقاوم التغيير المتلاحق فتصبح خلف الزمن وتخرج خارج التاريخ من حيث بنيتها ومناهجها وقيادتها، وتغدو غير مواكبة لعصرها ولا مواتية لمتطلباته والآخر: أن تنهار مناعة منظومة الجامعة وتفقد قواها كمنظومة تنموية لثقافة بلدنا فتلاحقها سياسات وحينئذاً تصبح بلدنا وهويتنا في خطر
ومن هنا فإن منظومة الجامعة تواجه الكثير من التحديات في هذا العصر الذى يوصف بأنه عصر السماوات المفتوحة والتي كثرت فيها شبكات الاتصال والمعلومات العالمية، وسهولة التواصل بين الشعوب، وفتحت المجال أمام الأفراد للوصول إلى قواعد ومعلومات ضخمة ومتنوعة بسرعة مذهلة، مما جعل السباق الدولي محموما للوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والتي من المتوقع أن تكون المعيار الأساسي للقوة في نظام عالمي يتشكل بسرعة هائلة كل ذلك يمثل مجموعة من التحديات أمام الجامعة في تحقيق رسالتها لذا لابد من استخدام الأساليب الحديثة داخل الجامعة.
وتعد الجامعة إحدى أهم مؤسسات المجتمع، حيث يتم فيها عملية التطبيع الاجتماعي وإكساب الطلاب القيم والمعتقدات، وتغيير سلوكهم إذا كان سلوكاً مرفوضا من قبل المجتمع، كما يقع على عاتقها إكساب الطلاب ثقافة المجتمع من أجل التعايش مع المجتمع الأكبر، وتشير الجامعة مع نظام الدولة الذي يحتويها، وكما يشكلها المجتمع تتشكل الجامعة،
وتشكل من ثم أجيالها في نفس القوالب العامة التي أعدها المجتمع لهذا التشكيل، وفعالياتها دائما مشروطة بفعاليات المجتمع ونظمه العاملة فيه، ومع ذلك فقد تقصر الجامعة في دورها الوظيفي المنوط بها لأسباب خارجية وداخلية
وفى ظل الاختراق الثقافي الذي يعتبر من أهم سمات وخصائص العصر الحالي الذي يتصف بالتغيير السريع وترتبط بهذه الظاهرة ما يلي:
1-أن ظاهرة الاختراق الثقافي تعد تكريساً لأيدولوجيا الفردية المستسلمة، وكما تريدها وتتزعم مسيرتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الايدولوجيا تقوم على خمسه أوهام هي: *الفردية: أي جعل الإنسان يعتقد أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته، وأن كل ما عداه لا يعنيه، مخرباً وممزقا الرابطة الجماعية، التي تجعل الفرد يعي أن وجوده إنما يكمن في كونه عضواً في جماعة وينتمي إلى أمة معينة، أي أنها تستهدف عدم تحقيق الانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد.
*الخيار الشخصي وهذا الوهم يرتبط بسابقه، ويجئ تكريساً للوعي الأناني، ويعمل على طمس الوعي الطبقي والوعي القومي للأفراد داخل المجتمع مما يحقق عدم الانتماء للوطن الأكبر. *الحياد: فما دام الفرد وحده الموجود، وما دام حراً مختاراً، فهو محايد، وكذلك كل الناس والأشياء محايدون بالنسبة لهذا الفرد، ومن ثم فليس هناك التزام بأية قضية جماعية تضم هؤلاء الأفراد.
*الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية لا تتغير: يهدف صرف الأنظار عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء، والبيض والسود، وقبولها بوصفها أمور طبيعية، وبالتالي يكرس الاستغلال والتمييز العنصري.
* غياب الصراع الاجتماعي: ويأتي هذا الوهم تتويجا للأوهام السابقة، مستهدفاً الاستسلام لكل أشكال الاستغلال من شركات ووكالات وطبقات وأقليات متسلطة، بمعنى إلغاء الصراع الطبقي، وتعطيل النضال القومي، وغلق الأبواب أمام آفاق التغيير نحو الأحسن.
2-الاختراق الثقافي يهدف إلى عدم الانتماء للوطن:
هذا الاختراق يجد الطالب نفسه محاط به في منزله من خلال الفضائيات، وتعامله مع أقرانه ومع الكبار، ولذلك نجد أن الجامعة قد أخذت على عاتقها ترسيخ قيم الانتماء والمواطنة لدى طلابها.
وإذا كانت التربية من أجل الانتماء والمواطنة تتضمن: بطبيعة الحال دراسة لمحتوى معرفي في حقوق المواطنة والانتماء وواجباتها، إلا أنها تتعدى ذلك وتتجاوز إلى حد بعيد، فالتربية من أجل المواطنة لا تتوقف على مجرد تعلم الحقائق الأساسية المتعلقة بمؤسسات الدولة وديناميات الحياة السياسية فيها فحسب، وإنما تتضمن كذلك اكتساب الطالب لقاعدة عريضة من المهارات والميول والاتجاهات والفضائل والولاءات التي ترتبط ارتباطا وثيقاً بممارسة الفرد لأدوار المواطنة.
والطلاب لا يكتسبون تلك الفضائل والولاءات من مجرد دراسة مقرر دراسي داخل الجامعة فقط، وإنما يتعين أن تكون تلك الفضائل والولاءات حاضرة وفاعلة ومؤثرة من خلال النظام التعليمي بأسره، بعبارة أخرى إن التربية من أجل المواطنة تتأثر بالعديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها ما يتعلمه الطالب بصفة عامة، وكيف يتعلمه، وطبيعة بيئة التعليم والمناخ الجامعي إلى الغير ذلك من عوامل تتعدى مجرد الدراسة "التقليدية" لمقرر دراسي هنا، أو وحدة دراسية في مقرر هناك
لذلك ينبغي تأصيل روح الانتماء بحيث يصبح إحدى الغايات أو المبادئ التي تشكل المنهج الدراسي بأكمله، وعندما تغرس قيم الانتماء والمواطنة في هؤلاء الطلاب تكون الجامعة قد حققت هدفها وهو خلق مواطن صالح.
وفى ظل ما تعانيه الجامعة في مصر من قصور من عدم قدرتها على مجاراة المتغيرات العالمية ورغم ما تبذله الدولة من جهود الإصلاح والتطوير في مصر عن طريق إدخال بعض التجديدات والتحديثات في الجامعات،
فإن هذه الجهود تقابل ببعض المقاومة لمنع حدوث التغيير والتطوير وهذا يحتاج إلى استخدام أسلوب الجودة الشاملة لتفعيل دور الجامعة في تعزيز الانتماء لدى الطلاب من خلال الدراسة بما يدعم المنتج التعليمي وقدرته التنافسية في ظل التحديات والمتغيرات العالمية المعاصرة. ويعتبر أسلوب الجودة الشاملة من الأساليب الحديثة لإصلاح العملية التعليمية بالجامعة في مصر، |