بقلم الدكتور/ عادل عامر
تعتمد مصر في خطتها الاقتصادية على الاقتراض من الخارج لتغطية احتياجاتها من العملة الصعبة، إذ اقترضت من البنكين؛ الدولي والإفريقي للتنمية، وحصلت على أربعة مليارات دولار من إجمالي قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار.
أن الدين الداخلي ارتفع بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية (الجنيه) ما أدى إلى استدانة الحكومة من البنوك. أن "السبب الرئيسي في ارتفاع الدين الداخلي والخارجي يرجع إلى أن معدل نمو الإنتاج بمصر لم يصل إلى معدلات يمكن أن يقلل من الفجوة الغذائية "لا بد أن يصل معدل النمو إلى 7%". عندما يزيد إنتاج مصر من السلع الغذائية يقل اعتمادها على القروض التي تستخدمها في الاستيراد".
أن أرصدة الدين العام المحلى ارتفعت إلى 3.695 تريليون جنيه – التريليون يساوى 1000 مليار –، في نهاية شهر يونيو 2018، أي ما يمثل 83% من الناتج المحلى الإجمالي لمصر، منه 84.4% مستحق على الحكومة. أن صافي رصيد الدين المحلى، المستحق على الحكومة بلغ نحو 3120 مليار جنيه في نهاية يونيو 2018، بزيادة قدرها 434 مليار جنيه، خلال السنة المالية 2017 – 2018، فيما بلغت مديونية الهيئات العامة الاقتصادية نحو 317 مليار جنيه بزيادة قدرها نحو 95 مليار جنيه.
تأتي فائدة ادراج الدين العام بالعملة المحلية على الاقتصاد المصري أن الخطوة تأتي لإتاحة التعامل على أدوات الدين الحكومية المصرية لشريحة أكبر من المستثمرين الأجانب خاصة البنوك المركزية التي تتميز بكبر حجم وقيمة الاستثمارات التي تعمل بها وتفضيلها التعامل في الأوراق المالية الحكومية طويلة أجل. مما انعكس وبوضوح خلال أخر إصدارين بالعملة الأجنبية حيث تمت تغطية الإصدار بالدولار نحو 6 أضعاف الطرح إلى جانب تغطية الإصدار باليورو أكثر من أربع مرات الطرح، بالإضافة إلى الإقبال القوي من المستثمرين الأجانب على أدوات الدين المصرية بالعملة المحلية وهو ما يعكسه حجم التدفقات الداخلة التي بدأت تتزايد مع بداية العام الحالي 2019.
حتي يتم التحكم في أعباء الدين لا يرتفع الا بالمعدلات الزيادة للعملة المحلية وتتأثر بارتفاعات العملة القارضة بالقروض سواء دولار او جنية إسترليني او يوريو لان الاستثمارات الحكومية شهدت زيادة غير مسبوقة خلال النصف الاول من العام المالي الحالي بلغت نحو %64 لتصل الى 56 مليار جنيه، منها نحو 39.5 مليار ممولة من الخزانة العامة بنسبة نمو %41، كما ارتفعت مخصصات شراء السلع والخدمات بنسبة %62 خاصة الموجهة لقطاعي التعليم والصحة، وقد ساهمت تلك الإجراءات في خفض تقديرات فاتورة خدمة الدين لعام 2018/2019 بنحو 30 مليار جنيه (وبما يمثل 0.6% من الناتج المحلى ونحو 6% من فاتورة الفوائد المستهدفة بالموازنة) وهو ما يزيد من قدرة المالية على تحقيق مستهدفات الموازنة وذلك على الرغم من الارتفاع الكبير في متوسط أسعار الفائدة على الاذون والسندات المحلية مقارنة بالافتراضات السائدة عند اعداد الموازنة في مارس الماضي.
إن الاقتصاد المصري في وضع أفضل من جميع الأسواق الناشئة، لا سيما وأن التوجه الحالي يميل نحو التوسع في الاستثمارات، لافتة إلى أن المؤشرات المستهدفة والمتوقعة للاقتصاد المصري تشير لتحقيق معدل نمو بنحو 5.2% خلال العام الجديد، مقابل 4.7% في 2018، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نحو 316 مليار دولار العام المقبل، مقابل 265 مليار دولار في العام الماضي، وكذا تراجع العجز إلى 9.5 إلى 9% في العام الجديد من 10.5%. إلا أن قوة أسس الاقتصاد المصري، ساهمت في تقليل الأثار السلبية للأزمة على السوق المحلى.
لقد أصبحت مشكلة التنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الشغل الشاغل للمفكرين الاقتصاديين، كما أصبحت القضية الأساسية المتداولة على النطاق الدولي سواء على مستوى الحكومات أو المؤسسات أو الهيئات الدولية. والذي يرى البعض أن معظم الدول المدينة تمتلك فيها الحكومات من خلال قطاعها من المشروعات والطاقات الإنتاجية الهامة العامة كثيراً ولأن معظم ديون هذه البلاد مضمونة من جانب الحكومات
فإن هذه البلاد تستطيع أن تخفف من عبء دينها الخارجي بالسماح للدائنين في مشاركة الدولة بملكية هذه المشروعات وإدارتها على أسس تجارية سليمة تدر عوائد اقتصادية معقولة، فقيام البلد المدين بتحويل دينه إلى استثمارات سيسمح له بجذب تمويل خارجي وفي حال نجاح هذه الاستثمارات سيكون ذلك فرصة جيدة لترويج فرص الاستثمار بالبلد المدين، وبالتالي استقطاب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر،
ومما لا شك فيه أن اقتران الدولة بالدين العام يعني أنها ملزمة بالسداد على فترات منتظمة، دون التخلف عن أي دفعة، فالتورط في منسوب عالٍ من الدين يعني عرقلة لمسار التجارة والأعمال داخل البلد، ولهذا تتبع الحكومات العديد من الخطط والمناهج للحد من ارتفاع الدين العام، ومن الطرق المتبعة للحد من الدَّين العام إجراء التعديلات على معدلات الفوائد، وتخفيض الإنفاقات، ورفع مستوى الضرائب وتشجيع حركة البيع والشراء ضمن نطاق الدولة وخارجها واتباع خطة إنقاذ للاقتصاد الوطني.
كذلك فإن ظاهرة الاقتراض الخارجي ليست ظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة ترتبط بالاقتصاد النقدي عموماً وبالتبادل الدولي خصوصاً. ويمكن تعريف الدين العام على أنه حجم ديون الدولة للمقرضين خارج وداخل الدولة نفسها، ويمكن أن يكون هؤلاء المقرضون إما أفراداً أو شركات وحتى حكومات أخرى، ولا يتم الإشارة إلى الدين العام على أنه الدين الوطني ففي بعض الدول يمكن أن يكون الدين العام عبارة عن الديون المستحقة على المدن المقاطعات والبلديات، لذلك عند تعريف الدين العام
يجب أخذ الحرص للتأكد من أن التعريفات هي نفسها فالديون الخارجية هي المبلغ المستحق من قبل الحكومات والقطاع الخاص أي الأفراد والشركات ويتم قياس درجة المخاطر في اقتصاد معين عن طريق مقارنة الدين العام بالناتج المحلي الإجمالي لهذه الدولة، فيستخدم الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر لمدة صحة الاقتصاد
ومدى إمكانية الدولة من سداد ديونها حيث يعتبر الدين العام خطيراً عند وصول الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية إلى 70% وفي الدول المتقدمة إلى 90% ويجب على الدولة الانتباه عند استخدام الدين العام، فمعدلات الدين العام المرتفعة لها تأثير كبير على الاقتصاد لذلك يجب التركيز عند استخدام الدين العام بطريقة صحيحة تؤدي إلى دفع الناتج المحلي الإجمالي وإبقاء معدلات الفائدة منخفضة، وتقوم الحكومات بالاقتراض عن طريق إصدار الأوراق المالية والسندات الحكومية، فعادةً تقوم الدول ذات تصنيف ائتماني منخفض بالاقتراض من منظمات كبيرة مثل البنك الدولي أو المؤسسات المالية الدولية بمعدلات فائدة مرتفعة، ولا يجب إنكار تأثير أسعار الفائدة على الديون الخارجية فإذا ارتفعت أسعار الفائدة على الدين العام سوف ترتفع بدورها أسعار الفائدة على الدين الخاص، وعادةً ما يضم الدين العام جميع التزامات الحكومة بما فيها مدفوعات المعاشات التقاعدية ومدفوعات السلع والخدمات التي لم يتم دفعها من قبل الحكومة، وهذه من الأسباب، لماذا تضغط الشركات على حكومتها على إبقاء الدين العام ضمن نطاق معقول، فارتفاع الدين العام ومعدلات الفائدة له تأثير كبير على الاقتصاد،
فعلى المدى الطويل تواجه هذه الحكومات صعوبة في التسديد حيث تركز انفاقها على سداد ديونها وليس على الاستثمار في مشاريع اقتصادية تخدم في مصلحة الدولة أما على المدى القصير يمكن أن يكون للدين العام تأثير إيجابي على حكومات الدول، فيمكن أن يستخدم كوسيلة من قبل هذه الحكومات، للحصول على أموال إضافية للاستثمار في الاقتصاد، حيث إن الدين العام هو وسيلة آمنة للأجانب للاستثمار في نمو البلاد عن طريق شراء السندات الحكومية،
فعندما يتم استخدام الدين العام بشكل صحيح هذا له تأثير إيجابي على المستوى المعيشي للبلاد وذلك لأنه يسمح بنشوء مشاريع استثمارية في البلاد مثل تطوير البنى التحتية، وتطوير وسائل المواصلات وغيرها. مما بدوره يشجع المستثمرين على الإنفاق عوضاً عن الادخار ويعزز النمو الاقتصادي، فمن ضمن الحلول المطروحة اقتصادياً للتخفيف من عبء الديون الخارجية تحويل الدين إلى استثمارات Swaps Equity Debt، وهو اقتراح كان قد تقدم به علماء الاقتصاد في أكثر من دولة، |