الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

لويس باستور.. مؤسس علم الميكروبات

لويس باستور.. مؤسس علم الميكروبات
عدد : 04-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com

لويس باستور عالم كيميائي فرنسي شهير ويعرف بدوره المميز في بحث أسباب الأمراض وسبل الوقاية منها وقد ساهمت إكتشافاته الطبية إلي حد كبير في تخفيض معدل وفيات حمى النفاس والتي تعرف أيضا بإسم حمي ما بعد الولادة وعلاوة علي ذلك فقد قام بإعداد لقاح مضاد لداء الكلب الذى يصيب الإنسان نتيجة عقره بواسطة حيوان مصاب بداء السعار وأيضا قام بإعداد لقاح مضاد لداء الجمرة الخبيثة والذى من الممكن أن يصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجلد لكل من الإنسان والحيوان كما دعمت تجاربه نظرية جرثومية المرض والتي يطلق عليها أيضا نظرية مرضية الدواء وهي نظرية تفترض أن الميكروبات هي سبب العديد من الأمراض وعلى الرغم من أن نظرية جرثومية المرض كانت خلافية ومثيرة للجدل عند إقتراحها لأول مرة إلا أنه تم إثباتها ومصادقتها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وتعد الآن جزءا أساسيا من الطب الحديث وعلم الأحياء الدقيقة الإكلينيكي ولدى باستور أيضا العديد من الإكتشافات في مجال الكيمياء وأبرزها الأساس الجزيئي لعدم تماثل بلورات معينة وقد عرف لدى عامة الناس بسبب إختراعه طريقة لمعالجة الحليب والنبيذ والمشروبات عموما لمنعها من أن تفسد ومن ثم تكون سببا في الإصابة ببعض الأمراض وأهمها التسمم الغذائي وهي العملية التي أطلق عليها لاحقا مصطلح البسترة نسبة له وبالإضافة إلي كل ذلك يعتبر باستور أحد أهم مؤسسي علم الأحياء المجهرية في الطب والذى يعرف أيضا بإسم علم الميكروبات أو علم الميكروبيولوجيا وهو العلم الذي يختص بدراسة الأحياء الدقيقة وحيدة الخلية ومتعددة الخلايا وكذلك عديمة النواة كالڤيروسات بما فيها بعض حقيقيات النوى مثل الفطريات والأوليات إضافة إلى بدائيات النوى مثل البكتيريا وبعض الطحالب إلى جانب عالمي الأحياء والطب الألمانيين فرديناند كوهن وروبرت كوخ والذى حصل على جائزة نوبل في الطب عام 1905م لإكتشافه البكتيريا المسببة للسل الرئوي ويعد هو المؤسس الحقيقي لعلم الجراثيم كعلم طبي مستقل وهو يعرف أيضا بإسم البكتيريولوجيا وهو فرع وتخصص في علم الأحياء الذي يدرس شكل وبيئة والتركيب الوراثي والكيمياء الحيوية للبكتيريا بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى المتعلقة بها وذلك بهدف تحديد وتصنيف وتوصيف الأنواع البكتيرية وإلي جانب ذلك توصل باستور نتيجة تجاربه إلى أهمية عملية التطهير أثناء العمل الجراحي حيث يجب تطهير اليدين والضمادات والمشارط لأنها تحمل ملايين الجراثيم التي يحفل بها الهواء وكانت نتائج أعماله باهرة منذ البداية حيث إنخفضت نسبة الوفيات بسبب بعض الأمراض وفي العمليات الجراحية خلال عامين من 90% إلى 15% فقط .

ولد لويس باستور في يوم 27 ديسمبر عام 1822م لعائلة فقيرة تعمل في دباغة جلود الحيوانات في مدينة دول في فرنسا في إقليم جورا التابع لمنطقة كومته شرقي فرنسا وترعرع في بلدة أريبوس المجاورة وربما غرس ذلك لدى باستور مبدأ الوطنية القوية في شبابه وكان ذلك في وقت لاحق من العناصر المحددة لشخصيته وكان الإبن الثالث لأبيه جان جوزيف باستور وأمه جان إتيان روكي وكان أبوه يعمل رقيبا في جيش الإمبراطور نابليون بونابرت وكان قد تقلد وسام فيلق الشرف خلال الحروب النابليونية ثم إمتهن الدباغة وكان لويس باستور طالب متوسط المستوى في سنواته الدراسية الأولى ولكن برز نبوغه في الرسم والتصوير في وقت لاحق وقد تم الإحتفاظ برسوماته الباستيل التي أنجزها عندما كان عمره 15 عاما وصور والديه وأصدقائه في متحف معهد باستور في باريس وحصل على درجة بكالوريوس آداب عام 1840م ودرجة بكالوريوس علوم عام 1842م من الجامعة الملكية في مدينة بيزانسون التي تقع في شرق فرنسا قرب الحدود الفرنسية السويسرية ثم حصل على شهادة الدكتوراة عام 1847م من مدرسة الأساتذة العليا التي تقع في العاصمة الفرنسية باريس وقضى فترة وجيزة كأستاذ فيزياء خلال عام 1848م في مدرسة الليسيه الثانوية بمدينة ديجون الفرنسية والتي تقع بمقاطعة بورجونى بوسط شرق فرنسا في عام 1848م وفي نفس العام أوجد باستور مفهومي أيمن وأعسر ووجد أن كل المخلوقات تقريبا تحمل جزيئات مركبة وهذه الجزيئات تؤدي إلى كون الكائن أعسرا أو أيمنا ثم أصبح في العام التالي 1849م أستاذ كيمياء في جامعة مدينة ستراسبورج التي تقع قرب الحدود الفرنسية الألمانية وهناك إلتقى بلوران ماري إبنة رئيس الجامعة ونشأت بينهما قصة حب وإنتهي الأمر بزواجهما في يوم 29 مايو عام 1849م وأنجبا خمسة أطفال توفي منهم ثلاثة لإصابتهم بحمي التيفود وقد إستمد باستور من هذه المآسي الشخصية رغبته في التوصل إلى علاج أمراض مثل حمي التيفود الذى أودى بحياة ثلاثة من أطفاله وفي نفس العام 1849م حاول لويس باستور حل مشكلة تتعلق بطبيعة حمض التارتاريك وهي مادة كيميائية موجودة في رواسب النبيذ المخمر وكان العلماء يستخدمون دوران الضوء المستقطب كوسيلة لدراسة البلورات وعندما يتم تمرير الضوء المستقطب من خلال محلول حمض التارتاريك المذاب يتم تدوير زاوية مستوي الضوء وهنا لاحظ باستور أن مركبا آخر يسمى حمض الباراتارتاريك وجد أيضا في رواسب النبيذ وكان له نفس التركيب مثل حمض التارتاريك وإفترض معظم العلماء أن المركبين كانا متطابقين علي عكس ما إستنتجه وتوصل إليه لويس باستور فعلى الرغم من أن المركبين لهما نفس التركيب الكيميائي إلا أن كل منهما كان له بنية مختلفة وبالنظر إلى حمض الباراتارتاريك تحت المجهر لاحظ باستور وجود نوعين مختلفين من البلورات الصغيرة وعلى الرغم من أنها تبدو متطابقة تقريبا إلا أن الإثنين كانا في الواقع صورا متطابقة لبعضهما البعض وعندما تم تمرير الضوء المستقطب من خلال كل منهما إكتشف أن كلا المحورين إستدار ولكن في إتجاهين متعاكسين وفي الواقع أثبتت هذه التجربة أن مجرد دراسة تركيبات المواد الكيميائية ليست كافية لفهم كيفية تصرف أى منها وأن دراسة الهيكل والشكل مهم أيضا .

وقد أدت أبحاث ودراسات باستور إلى ظهور فرع من فروع الكيمياء علي يده يهتم بدراسة الترتيبات الفراغية للذرات بالنسبة لبعضها البعض في الجزئ ويدرس أيضا الجزيئات اليدوية أو بمعنى آخر دراسة ترتيب الذرات في الأبعاد الثلاثة ويحتوى هذا الفرع من فروع الكيمياء على طرق لتحديد ووصف هذه العلاقات وتأثيرها على الخواص الفيزيائية أو الحيوية وهذه العلاقات توضح معلومات عن الجزئ الذي يتم دراسته والطريقة التي تؤثر بها هذه العلاقات على نشاط الجزيئات وفي عام 1854م تم تعيين باستور أستاذا للكيمياء وعميدا لكلية العلوم في جامعة ليل بشمال فرنسا وهناك عمل على إيجاد حلول للمشاكل التي تواجه تصنيع المشروبات الكحولية ومن خلال العمل مع نظرية الجراثيم قام لويس باستور بتطويرها من خلال التجارب وأظهر أن الكائنات الحية مثل البكتيريا كانت مسؤولة عن تدخين الخمر والبيرة وحتى الحليب ثم إخترع عملية يمكن بواسطتها إزالة البكتيريا عن طريق الغليان ثم تبريد السائل وأكمل الإختبار الأول في يوم 20 أبريل عام 1862م واليوم تعرف هذه العملية بالبسترة والتي يمكن تعريفها بإختصار بأنها عملية تسخين ورفع درجة حرارة الأطعمة والأشربة للقضاء على البكتيريا أو الجراثيم الموجودة فيها ومن المعروف أن غلي المواد يتلف بعضها وخاصة الفيتامينات فكان لويس باستور أول من توصل لطريقة تبيد أكبر قدر من البكتريا وتحفظ أكبر قدر من الفيتامينات في الوقت نفسه وذلك عن طريق التسخين ثم التبريد المباشر والمتتابع بهدف القضاء على أكبر قدر من الكائنات الحية الدقيقة والتي تعد مسببات للعديد من الأمراض بحيث يكون من غير المحتمل أن تسبب أمراض بشرط أن يتم حفظ المنتجات التي تم بسترتها في مكان بارد وأن يتم إستهلاكها قبل إنتهاء فترة صلاحيتها وفي عام 1865م ساعد لويس باستور في إنقاذ صناعة الحرير حيث أثبت أن الميكروبات الضارة تهاجم بيض دودة القز مما يتسبب في مرض غير معروف وأثبت أيضا أنه من الممكن القضاء على المرض إذا تم القضاء على الميكروبات وطور في النهاية طريقة لمنع تلوثها وذلك بعد تجارب عديدة تميزت بالصبر والمثابرة وعدم اليأس وحينذاك أعلن أن مرض دودة القز موروث عن بيض موبوء ونادى بإبادة هذا البيض وعند ذلك خشي تجار البيض علي تجارتهم وحاولوا الإنتقام منه ومن ثم أطلقوا الشائعات ضده وكان يواجه ذلك دائما بالصبر إلى أن تحول الناس إلى الإيمان بما قال وأقام له سكان القرية التي أشيع أنه طُرد منها بسبب هذا الإعلان تمثالا تقديرا له وعندما علم بذلك قال معلقا أنا لا أجد في الرخام مجدا وشرفا وإنما مجدي وشرفي في تخفيف أذى النكبة التي ألمت ببلادي ولو على حساب التضحية بشخصي وفي النهاية إقتنع منتجو الحرير في جميع أنحاء العالم بما قاله باستور وتم إنقاذ هذه الصناعة الحيوية بفضل هذا الرجل العظيم .

وحتي هذا الوقت كان لويس باستور يعمل بمفرده حينذاك وأدرك أن هذه ليست طريقة جيدة للمضى قدماً لذلك قام بجمع فريق من العلماء الماهرين فقد وجد أنه كان دائما يفتقر إلى المعرفة الطبية لذلك قام بتعيين إثنين من الأطباء النابغين وهما إميل روكس وتشارلز تشامبرلاند وكونوا معا فريقا طبيا متميزا وفي عام 1879م قام هذا الفريق بإكتشاف لقاح يعمل على تخفيف أو إضعاف الكائن الدقيق المسبب للمرض المعروف بإسم كوليرا الدجاج حيث كان باستور علي علم بقيام الطبيب الإنجليزى إدوارد جينر بإكتشاف لقاح مضاد لمرض الجدري وإعتقد باستور أنه طالما وجد لقاح لمرض الجدرى فبالتأكيد يمكن إيجاد لقاح لكل الأمراض ولكنه لم يكن يعرف كيفية توصل جينر إلى اللقاح لذلك وجد نفسه يبحث عن لقاح لكوليرا الدجاج من خلال عملية التجربة والخطأ وإستخلاص النتائج ومن ثم أوجد باستور هذا اللقاح المضاد لكوليرا الدجاج عندما قام مساعده تشامبرلاند بحقن بعض الدجاج بجراثيم قديمة منها وبالتحديد من الأنواع التي كانت موجودة من قبل وكانت النتيجة أن الدجاج لم يمت ولذلك قام باستور بإستدعاء تشامبرلاند وطلب منه حقن الدجاج بجراثيم حديثة خاصة بكوليرا الدجاج وذلك لكي يدرس تأثير ذلك علي الدجاج وبالتالي كان هناك مجموعتان من الدجاج واحدة منهما التي تم حقنها بالأنواع القديمة من الجراثيم والأخرى هي التي تم حقنها بالجراثيم الحديثة وكانت النتيجة أن المجموعة التي تلقت الجراثيم القديمة نجت بينما الأخرى لم تنج فإستنتج أن المجموعة التى حقنت بالجراثيم القديمة قد إكتسبت مناعة وأصبحت محصنة ضد مرض كوليرا الدجاج وأن أجسامهم إستخدمت الشكل الأضعف القديم من الجراثيم لتشكيل دفاع ضد الجراثيم الأقوى والأحدث من نفس النوع ومن ثم أنتج لقاح مقاوم لهذا المرض تركيبه الأساسي عبارة عن جراثيم ضعيفة من المسببة لهذا المرض وبنجاح هذا اللقاح المضاد لمرض كوليرا الدجاج قدم باستور طلبا لتعميم إستخدامه لتطعيم الماشية ضد هذا المرض مما أدى إلي إنقاذ الآلاف من رؤوس الماشية والأغنام في فرنسا والمحافظة علي ثروتها الحيوانية .

وإستمر لويس باستور بعد ذلك في توسيع نظريته الجرثومية لتطوير أسباب الأمراض المختلفة وإكتشاف لقاحات مضادة لها حيث إكتشف باستور بعد ذلك أن التقنية السابقة التي إستخدمها في إنتاج لقاح مضاد لمرض كوليرا الدجاج يمكن أن تجرى على باقي أنواع الأمراض لذا عاد لدراسة مرض الجمرة الخبيثة وفي عام 1881م أعلن باستور أنه توصل هو وفريقه المعاون إلى وسيلة لإضعاف جراثيم الجمرة الخبيثة وهذا بالتأكيد كان يمثل تمهيدا للوصول إلى لقاح ضدها وعلى الرغم من شهرته في ذلك الوقت إلى أنه وجد من يسخر منه في عالم الطب وقام روسينول رئيس تحرير جريدة الصحافة البيطرية في العام التالي 1882م بتحدى باستور لإختبار لقاحه ضد الجمرة الخبيثة وعقدت الإختبارات في شهر مايو عام 1882م وتم إستخدام 50 من الأغنام في هذا الإختبار قسمت إلى مجموعتين تحتوي كل مجموعة منهما على عدد 25 رأس من الغنم وقام بحقن مجموعة منهما باللقاح بينما لم يحقن المجموعة الأخرى وكانت المجموعتان قد حقنا بجراثيم الجمرة الخبيثة وكانت النتيجة أن توفيت المجموعة التي لم تعط اللقاح باكملها في خلال يومين بينما المجموعة التى تم تلقيحها لم يمت منها أى واحد وبعد إجراء تحاليل وفحوص دقيق تبين أن الأغنام التي لم تمت والتي تم حقنها باللقاح بأنها سليمة بالكامل وبالتالى تم التأكد من فاعلية لقاحات باستور وأنه لا يبالغ في وصف قوتها وصلاحيتها حتى أن جريدة التايمز التى تصدر في بريطانيا العظمى أطلقت على باستور أنه يعد واحدا من أمجاد فرنسا العلمية وقد عمل هذا اللقاح على حماية الماشية والأغنام وغيرها من الحيوانات من هذا المرض اللعين وقد نتج عن هذا الإكتشاف ثورة في العمل على مكافحة الأمراض المعدية وكان باستور هو أول من أطلق مصطلح اللقاحات علي المادة التي يتم بها حقن الإنسان أو الحيوان لإكسابه مناعة ضد الأمراض المختلفة وكانت هذه اللقاحات سببا أساسيا في تقليل عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بالعديد من الأمراض مثل السل والكوليرا والجدرى والدفتيريا وغيرها .

وفي عام 1882م تم قبول باستور في الأكاديمية الفرنسية وقرر تركيز جهوده على مشكلة داء الكلب والذى كان قد ظهر وإنتشر في فرنسا في هذه الفترة وأدى لوفاة الكثير من الناس وعلى الرغم من أن باستور والفريق المعاون له لم يتوصل لتحديد الجرثومة المؤدية لهذا المرض إلا أنهم قد توصلوا إلى أن جرثومة داء الكلب لا تهاجم الجهاز العصبى إلا بعد أن تجد طريقها نحو المخ لذلك قام الفريق بتتبع الجرثومة حتى المخ والحبل الشوكي للحيوانات المصابة حتى قاموا بإنتاج لقاح ضد داء الكلب و تم إختباره للمرة الأولى على الحيوانات حيث قام باستور بحقن الحيوانات الغير مصابة بجراثيم داء الكلب التي وجدها في الحبل الشوكى للحيوانات المصابة والتى يبلغ عمرها أربعة عشر يوما ولكنها كانت جرثومة ضعيفة نسبيا ولم تهدد حياة الحيوانات لذلك قام بإستخدام جراثيم الحبل الشوكي التى يبلغ عمرها ثلاثة عشر يوما ثم التي تبلغ إثنا عشر يوما وهكذا حتى وصل إلى أكثر أنواع الجراثيم ضراوة وهى الجراثيم الجديدة ونجت جميع هذه الحيوانات وبات باستور يواجه مشكلة عظيمة تتمثل في أن ما نجح على الحيوانات قد لا ينجح على البشر وفي عام 1885م تعرض طفل صغير يدعى جوزيف مايستر يبلغ من العمر 9 سنوات للعض من كلب مسعور وتم إحضار الطفل لباستور حتى يعالجه وكان الطفل حينذاك معرض للموت لو لم يعالجه باستور لذلك قام هذا الأخير بالمخاطرة وإستخدام لقاحه الذى لم يتم تجربته على البشر بعد حيث لم يكن أمامه حل آخر وقال باستور عن تجربته لهذا اللقاح على الطفل إنه كان يعرف أن وفاة هذا الطفل أكيدة لذلك كان لابد أن يتمسك بأخر أمل لديه وهو لقاح داء الكلب والذى لم يكن قد تم تجربته من قبل على البشر بالرغم من نجاحه على الحيوانات ولذلك فبعد مرور ستة عشر ساعة على عض الكلب للطفل تم حقنه بجراثيم داء الكلب التي وجدت في الحبل الشوكي لأرنب توفي بالمرض والتى كان قد تم حفظها لمدة خمسة عشر يوما في قارورة من الهواء الجاف وفي الأيام التالية كانوا قد وجدوا جراثيم حديثة وقام باستور بحقن الطفل 13 مرة مثلما فعل في الحيوانات من قبل وفي اليوم الأخير حقن بأقوى نوع من الجراثيم وهى الحديثة وكانت النتيجة أن نجا الطفل من الموت وبعد مضي عدة أشهر على هذه الحادثة عولج شخص آخر معضوض بالطريقة التي عولج بها هذا الصبي فشفي أيضا وهكذا شاعت هذه الطريقة لوقاية المعضوضين من الإصابة بداء الكلب وعلم باستور أنه بذلك قد توصل إلى لقاح لداء الكلب ومن المفارقات المدهشة أنه برغم توصل لويس باستور وفريقه إلى لقاح جيد إلا أنه حتى الأن لم يعلم أحد كيفية عمله .

وقد أدى نجاح هذا اللقاح وقتها إلي جلب شهرة فورية لباستور حيث صار شهيرا ومعروفا داخل وخارج فرنسا إلى حد كانت فرنسا تهرع إليه عند إنتشار أى وباء يؤثر في إقتصادها ومن هنا بدأ في حملة دولية لجمع التبرعات لبناء معهد باستور في باريس وفي عام 1886م أقر المجمع العلمي الفرنسي مشروع إنشاء هذا المعهد وفي هذا العام مرض باستور فسافر إلى الجنوب الفرنسي للإسنشفاء ولكي يقيم بعض الوقت مع أفراد أسرته وبعد أن عاد إلى باريس أُصيب بمرض عصبي إضطره إلى الحد من نشاطه العلمي وفي العام التالي 1887م وفي يوم الرابع من شهر يونيو تم تأسيس معهد باستور وتم إفتتاحه في يوم 14 نوفمبر عام 1888م وهو عبارة عن مؤسسة فرنسية خاصة لا تهدف إلى الربح تختص بدراسة علم الأحياء والميكروبات والأمراض والأمصال واللقاحات وقد تصدر معهد باستور الساحة لأكثر من قرن في مجال مكافحة الأمراض المعدية ويذكر أن هذا المعهد يعد أول معهد بحثي قام بعزل فيروس نقص المناعة المكتسبة المسبب لمرض الإيدز كما شهد العديد من الإكتشافات العلمية التي مكنت الطب الحديث من مواجهة أمراض شديدة الوطأة من بينها الدفتيريا والدرن وشلل الأطفال والأنفلونزا والحمى الصفراء والطاعون والتيتانوس كما أنه قد حصل ثمانية من علماء هذا المعهد على جائزة نوبل حتى اليوم كان أولهم الروسي عالم الأحياء الدقيقة وأحد رواد علم التشريح إيليا ميتشنيكوف عام 1908م وآخرهم عالما الفيروسات الفرنسي لوك مونتانييه والفرنسية فرانسواز باري سينوسي اللذين تقاسما جائزة نوبل في الطب عام 2008م وذلك لمساهمتهما في إكتشاف فيروس نقص المناعة المكتسب المسبب لمرض الإيدز ومما يذكر عن باستور أنه قد اصيب بشللٍ جزئي في شقه الأيسر عام 1868م وتعافي منه نسبيا بعد عام تقريبا وواصل إستكمال أبحاثه وتجاربه كما أنه كان من المعروف عنه أنه لا يصافح أحدا من الناس الذين كان يقابلهم حتى وإن كانوا من الملوك أو النبلاء حيث كان يخاف كثيرا من إنتقال الأمراض إليه عن طريق أيدي الناس وفي يوم 28 سبتمبر عام 1895م توفي باستور في مدينة باريس عن عمر يناهز 73 عاما بعد إصابته بسلسلة من السكتات الدماغية ودفن في كاتدرائية نوتردام وبعد عام واحد وفي عام 1896م أُعيد دفن رفاته في السرداب البيزنطي الموجود في معهد باستور في باريس ليبقى مع مجموعة أعماله التي خلفها في قبو مذهل يصور إنجازاته على شكل فسيفساء بيزنطية .

وبعد لابد وأن نقول كلمة حق عن هذا العالم الجليل لويس باستور فقد كان رجل علم من الطراز الأول صبورا ومثابرا ولا يتملكه اليأس أبدا وعندما أخذ الموت أحد أبنائه وما جفّت دمعته حتى إختطف الثاني ثم تطاول على ولده الثالث فهمس في أذنه صديق حميم قائلا:" إن متابعتك لعملك في مثل هذه الظروف القاسية تعد جرأة ما بعدها جرأة"، فأجابه باستور، قائلا:" أجهل يا صاحبي مايتعلق بجرأتي كل الجهل ولكن أعلم ما يتعلق بواجبي كل العلم وهذا العلم بالواجب جعله يلازم عمله رغم العواصف حوله بحيث كان يعمل ثماني عشرة ساعة كل يوم وحين تعجب الكثيرون من أن عمله الدؤوب لم يعد عليه بغير العيش الشريف المتواضع ومنهم الإمبراطور نابليون الثالث ،عندما إلتقى به قال باستور يرد عليهم بقوله إن العالم يحط من قدر نفسه إذا عمل في سبيل نفعه الشخصي وكان من أقوال هذا الرجل العظيم أيضا :-

-- الحظ يفضل حاضر الذهن .
-- لا تفسد نفسك بشكوك عقيمة .
-- إن الكون غير متناظر وإن الحياة كما نعرفها نتيجة مباشرة لعدم التناظر هذا أو نتائجه غير المباشرة .
- لا يوجد تصنيف محدد للعلم يمكن للمرء أن يطلق عليه إسم علم تطبيقي بل توجد علوم وتطبيقات لها .
 
 
الصور :