الدكتور ناصر الكلاوي يكتب:-
مع دخول الإسلام مصر ، تم إنشاء مدينة الفسطاط عام 21ه / 641 م شرق نهر النيل لتكون مقر لجنود الجيش و مقر لإقامة الوالي و بها الميناء النهري و الأسواق و الصناعة و كان مقر الحكم في دار الإمارة التي بناها القائد عمرو بن العاص و كانت شرق الجامع الكبير ، و كان الجامع مركزاً للعبادة و الإدارة و التعليم و يقع في قلب المدينة .
و استمرت الفسطاط كمقر للحكم حتي عام 751م عندما انتقل مقر الحكم إلي مدينة العسكر إلي الشمال من الفسطاط. شيد صالح بن علي مدينة العسكر شمال مدينة الفسطاط لتكون مقر لحكم خلفاء الدولة العباسية و ليسكن بها أمراء الدولة العباسية و معسكر لجنودهم ، و قد سكنها 65 والياً لمدة 118 عاماً و أقيم بها دار الإمارة و مسجد العسكر و المناطق السكنية و الأسواق و الطرق و الأسوار و قبة الهواء و مقياس النيل . و قد استمرت الفسطاط مقراً للأنشطة الاقتصادية و التجارية و الإدارية و السكنية لعامة الشعب ، و قد اختفت مدينة العسكر و لم يبق لها أثر .
و في عام 870ه قام أحمد بن طولون بتأسيس مدينة القطائع لتكون مقر لحكم الدولة الطولونية و سكن للأمراء و الجنود ، و شمل البناء القصر الكبير و الميدان المخصص للعب كرة القدم و الصولجان و المساجد و الحمامات و الأسواق و الطرق و الشوارع و الخطط السكنية و الأسوار و الجامع و البيمارستان و استمرت مدينة القطائع لتؤدي دورها كمقر للحكم حتي كانت نهايتها عام 905 م .
قام الخليفة المعز لدين الله الفاطمي بتكليف قائده جوهر الصقلي بانشاء مدينة القاهرة عام 969م لتكون مقر لحكم الدولة الفاطمية من خلال القصر الشرقي الكبير ، و مقر لإقامة جنود الجيش الفاطمي ، و لإقامة الأسرة الفاطمية و حاشيتهم ، و بناء الجامع الأزهر لنشر المذهب الشيعي ، و أحيطت المدينة بسور من الجهات الأربعة للحماية ، و قد بلغت مساحة المدينة 340 فداناً ،
و قد أخترقها من الشمال إلي الجنوب شارع المعز لدين الله . و مع قيام الدولة الأوربية بقيادة صلاح الدين الايوبي فقد أقام سور حول الفسطاط و العسكر و القطائع و القاهرة ، و بدء في تشييد القلعة و ذلك بهدف إتخاذها مقراً للحكم في عهد أسرته ، و أن يتحصن بها ضد الثورات الداخلية المحتملة و ضد أخطار الفاطميين ، و لمواجهة هجمات الفرنجة الخارجية .
وقد أنشئ في القلعة سكناً و معسكراً للجند ، و بئر لإمداد السكان بالمياه اللازمة للمعيشة . و استمرت قلعة صلاح الدين الايوبي مقراً للحكم في عصر دولة المماليك خلال الفترة من عام (( 1250ه – 1382م )) إلي (( 1382ه – 1517م )) خلال الوجود العثماني في مصر منذ عام 1517م حتي الحملة الفرنسية و مجئ محمد علي لمصر و توليه الحكم عام 1805م . أسس محمد علي أسرة أمتدت في حكم مصر في الفترة من عام 1805م حتي قيام ثورة 1952 م ، و قد أنشأ محمد علي عدة قصور للحكم و السكن في القلعة و هي قصر الجوهرة و قصر الحرم ، و قد استمرت القلعة مقراً للحكم طوال عهد محمد علي باشا و عباس الأول و سعيد باشا و الخديوي اسماعيل . و لكن حدث تحول دراماتيكي في عهد الخديوي اسماعيل ( 1883-1879م ) عندما أنشأ حي القاهرة الخديوية و نقل مقر الحكم من قلعة صلاح الدين الأيوبي إلي قصر عابدين ( 1869-1874م ) .
و في عهد الرئيس محمد حسني مبارك قرر تحويل فندق هليوبوليس إلى مقر الحكم و تغيير اسمه ليكون قصر الإتحادية في ضاحية مصر الجديدة . و في خطوة تاريخية قرر السيد الرئيس محمد عبد الفتاح السيسي بناء عاصمة إدارية جديدة شرق البلاد ،
و سوف يتم نقل مقر الحكم إليها في حدث نادر ، و سوف تساعد هذه الخطوة في تخفيف الضغط على مدينة القاهرة ، و إيجاد فرص عمل للشباب أثناء بناء المدينة الجديدة ، و بعد الإنتهاء من البناء ، في العمل في الشركات و البنوك و المحلات التجارية و السفارات و الجامعات
. إن العاصمة الإدارية الجديدة سوف تقود مصر إلي المستقبل من خلال إنشاء مدينة حديثة تواكب المدن العالمية الحديثة ، و سوف تضم العاصمة الجديدة مقر حكم جمهورية مصر العربية .
|